اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    اليمن: حرب أم حوار؟ " البيض" يضع خيارًا ثالثًا على الطاولة!    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    وفاة نجل محافظ لحج: حشود غفيرة تشيع جثمان شائع التركي    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    شبوة تتوحد: حلف أبناء القبائل يشرع برامج 2024    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    شكلوا لجنة دولية لجمع التبرعات    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    24 أبريل.. نصر تاريخي جنوبي متجدد بالمآثر والبطولات    الرياض.. أمين عام الإصلاح يستقبل العزاء في وفاة الشيخ الزنداني    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    وزارة الداخلية تعلن الإطاحة بعشرات المتهمين بقضايا جنائية خلال يوم واحد    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    رئيس الاتحادين اليمني والعربي للألعاب المائية يحضر بطولة كأس مصر للسباحة في الإسكندرية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    رشاد العليمي حاقد و"كذّاب" تفوّق على من سبقه ومن سيلحقه    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهيد التصالح والتسامح الجنوبي 2009م عمر عبد العزيز الصبيحي : قاوم الاحتلال حياً و فضحه شهيداً
نشر في يافع نيوز يوم 08 - 04 - 2012

الشهيد الطالب عمر عبد العزيز الحاج الصبيحي ، من مواليد ( 6/8/1991م ) قرية يبوع – مديرية طور الباحة – محافظة لحج ، الشهيد أكبر إخوته الستة ( ثلاثة ذكور وفتاتان ) ، احد طلاب الصف الأول ثانوي في ثانوية ( زيد بن حارثة ) كان الشهيد رغم صغر سنه واحد من أبطال الجنوب الأفذاذ الذين كان لهم شرف تثبيت ثورة الجنوب السلمية الرائدة ، وكان له شرف المشاركة في المهرجانات والفعاليات في طور الباحة وفي عدن وبعض مناطق محافظة لحج والجنوب حتى استشهاده في ( جولة القاهرة ) عدن في مهرجان التصالح والتسامح الجنوبي 13يناير 2009م .
ترك عمر حقيبته المدرسية في حجرة الفصل .. وقبل أن يغادره مسرعا ليلحق بابيه ، كتب بالطبشور على حيطان الفصل وسور المدرسة ( الشهيد عمر عبد العزيز ) ولن ينسى إن يودع زملاءه ملوحا بيديه قائلا لهم لن نلتقي بعد اليوم .. فانا ( شهيد الجنوب ) . عمر الطالب الصغير في السن الكبير بقيمه ومواقفه .. قرر بأن هناك شيء أهم وأجل .. لابد من القيام به .. فسلم كراسة الواجب المدرسي أحد زملاءه ليقدمه لمعلمه ، وترك كل شيء خلف ظهره ومضى يبحث مع والده عن وسيلة نقل تقله إلى عدن ليشارك أبناء شعبه مهرجانهم .. لكنه فعلا لم يعد ، وفي اليوم التالي لم يكن حاضرا طابور المدرسة الصباحي بين زملاءه ، ولم يُرى جالسا في مقعده الذي حفر في لوحه الخشبي عبارة ( احبك يا جنوب ) .. في ذلك اليوم قرأ المعلم أسمائهم .. فساد صمت طويل .. طويل كأنه الدهر ، وعند اسمه .. تقطع صوته .. وتبعثرت أفكاره .. فطوى سجله وتوقف .. ثم ما لبث أن غادر الفصل مسرعا ! .. فكلهم كان على يقين أن عُمرْ لن يعود ، وان مقعده في الفصل لن يجلس عليه بعد اليوم ، وان واجبه المدرسي سيضل معلقا إلى الأبد ، لأن واجب آخر .. أكثر طهراً وقداسة هو ما شغله عنه .. انه الواجب الوطني .
يوم صنعته الإرادة :
كان يوما ليس كغيره من الأيام ، السماء ملبده بالغيوم ، والشمس محتجبة لم تمس أشعتها سطح الأرض بعد ، وكأنها تلطف الجو لعشاق الحرية لكي يمارسوا طقوس عشقهم وتخفف عنهم مشقة حرارتها ولهيبها المستعر ، الوقت صباحا والسيارة تذرع الطريق الإسفلتي متجهة من طور الباحة صوب العاصمة عدن ، وبين الركاب كان عبد العزيز الحاج الصبيحي مصطحبا ولده البكر الطالب في الصف الأول ثانوي البالغ من العمر (18 ) عاما للمشاركة في مهرجان الذكرى الثالثة لمهرجان التصالح والتسامح الجنوبي ، يصلان الى المدينة في الوقت المحدد ويلتحقا بالحشود التي جاءت من كل مدن وقرى الجنوب المحتل لإحياء هذا اليوم الخالد في تاريخهم الحديث .. اليوم : الثلاثاء ، التاريخ 13يناير2009م ، الوقت الساعة العاشرة صباحا .. المكان ساحة الهاشمي مدينة الشيخ عثمان – العاصمة عدن ، المدينة ثكنة عسكرية تعج بالمئات من العسكر والأطقم والمصفحات .. في الأزقة والتقاطعات يتوزع الزبانية والجواسيس والمخبرين ، ولم تخلوا الحشود المشاركة في المهرجان أيضا من رجال الأمن بلباس مدني في محاولة بائسة منهم للانقضاض على قيادته في الوقت المناسب وتشتيته قبل أن يبدأ .. ساحة الاعتصام محاصرة من جميع الجهات وكل شي يقترب منها كان هدف لرصاص الاحتلال وقناصته .. الحشود القادمة مازالت متناثرة تنتظر من يجمعها ويلم أشتاتها من أزقة وشوارع المدينة .. صوت الرصاص يلعلع من كل مكان لإرهاب الشباب .. في هذا الجو المشحون بالتوتر تنبثق إرادة الرجال التي لا تقهر وينبري شاب أسمر استحضر مقولة شيخ المجاهدين عمر المختار وكان يقول بصوت عال : نحن قوم ننتصر أو نموت ويرددها مراراً.. تجمعوا وتقاربوا يشد بعضهم بعضا ، وأخذوا يصدحون بأصواتهم عاليا ( ثورة ثورة يا جنوب ) سلاحهم الأمضى في مواجهة الرصاص والقنابل وقذائف المجنزرات.. هي لحظات فقط .. حتى التأم الحشد الهادر يملا الشوارع الرئيسة في الشيخ عثمان .. ساروا لا توقفهم الأطقم والمدرعات التي تحاصرهم من كل مكان ولا جيش المخبرين والقتلة .. ارتفعت أصواتهم .. ورددت المباني أصداء هدير حريتهم ، تدفقت الحشود كالموج الهائج متسلحة بإرادة الحق ضد الباطل ، زادهم .. إيمان الثوار بعدالة قضيتهم ، ونهجهم عنفوان النضال السلمي الذي يأبى الانكسار والتقهقر .. وهناك ليس ببعيد .. المحتل وجنوده القتلة يتربصون شرا وحقدا دفينا بالأحرار لأنهم عجزوا بكل ما امتلكوه من أدوات البطش .. أن يوقفوا تدفق سيل تصالحهم وتسامحهم الهادر .. هم كما نعرفهم لن يتقنوا سوى الغدر وممارسة مواهبهم في القتل وسفك الدماء .. أطلقوا رصاص رشاشاتهم نحو الصدور العارية والأجساد الطرية فسقط هنا جريح وهناك آخر .. وهناك عشرات المختنقين بالغاز السام القاتل .. تتباعد الحشود وتتفرق ولكنها ما تلبث أن تتجمع من جديد في قلب الشارع .. الآلاف يتدافعون بكل كبريا لمواجهة غرور المحتل وساديته .. يفتحون صدورهم للموت في سبيل الحياة ، فيدب الرعب في قلوب القتلة من هذا الصمود الأسطوري فيزداد بطشهم بالحشود الثائرة ، ولان ( عمر ) كان قد تخطى حاجز الصفوف وتقدم عن والده كثيرا تدفعه الروح المقاومة الوثابة التي لا تقبل التراجع والتولي عند الزحف.. وهناك في الأمام قلوب ميتة عدمية فاقدة للإنسانية والضمير.. وعيون ترقب وتترصد للقتل وسفك الدماء البريئة فكان عمرا هدفهم .. وها هي رصاصة الموت الغادرة تخترق رقبته من المقدمة ، فتهشم فقرات عنقه ، وتسحق نخاعه الشوكي ليخر صريعا على ناصية الطريق ينزف دمه الطاهر مخضبا الإسفلت الأسود بلون الدم .. يهرع الشباب محاولا إنقاذه ولكن المحتل بثقافته المنحطة يواجههم بالرصاص حتى لا يتمكنوا من الوصول إليه ، تفشل كل المحاولات من الاقتراب منه حتى نزف دمه كاملا على قارعة الطريق .. يتناقل المتظاهرون خبر سقوط طفل شهيدا في جولة القاهرة فيسرع عبد العزيز بكل قواه فشيء ما يضطرب بداخله وأمر جلل يتمكن منه ، فعاد أدراجه ابتعاداً من زخات الرصاص وقنابل الغاز القاتلة المنهمرة كالمطر.. دون أن يعرف أن ذاك الذي رآه مسجىً على الإسفلت يتخبط بدمه هو عمر ابنه الذي كان ممسكا بيده قبل دقائق – إنها رحمة السماء بهذا الأب المكلوم – وبعدها يجازف مجموعة من الشباب ليخذوه بسيارة أحد المواطنيين إلى المستشفى .
القصاصة التي أبكت الطبيب :
خمسون ريالاً ، وقصاصة ورقية صغيرة ، عليها كلمتان فقط كتبها الشهيد وسط رسم توضيحي للقلب رسم أضلاعه باللون الأحمر ، هي كل ما وجده الأطباء في جيب الشهيد عمر بعد نقله إلى مستشفى النقيب وهو مضرج بدمه الطاهر . هذا ما قاله الدكتور الطبيب الجراح عبد الحميد شكري أخصائي المخ والأعصاب الذي عاين جثة الشهيد حال وصولها إلى المستشفى حيث قال لي يومها : ( كنا نحاول أن نتعرف على هوية الشهيد لأنه كان في موت سريري منذ سقوطه برصاص الاحتلال ، ولا يقوى على الحركة أبدا ، لان الطلق الناري اخترق الجهة اليمنى من العنق وهشم الفقرات ومزق القصبة الهوائية ولم نعرف من هو ومن أي مكان خاصة وان أحدا من مرافقيه الذين أوصلوه إلى المستشفي لا يعرف عنه شيئا عداء انه بطل من أبطال الجنوب الأفذاذ كان يشاركهم مهرجان تصالحهم وتسامحهم الجنوبي الذي أغاض القتلة ، فبحثنا في جيبه لعلنا نجد بطاقة شخصية أو ما يثبت هويته لنتمكن من الاتصال بأقاربه وكانت مفاجئة صعقت الجميع .. وأذهلت كل الأطباء المتواجدين حينها ).. يتوقف وتمتلئ حدقات عينيه بالدموع متأثرا .. ويواصل الحديث بصوت أجش ملئه القهر والألم .. ( نعم لن نتمالك أنفسنا أمام ذلك المشهد العظيم فتأثرنا بشده ، لقد غرس فينا معان وقيم نبيلة دفع ذلك الشاب حياته ثمنا لها .. تلك القيم التي لم نتعلمها من الكتب والمجلدات ، ولا من الصحف والخطب والبيانات ، بل من تضحية شاب في مقتبل العمر غارق بدمه الطاهر ولم نعرف حتى من هو ، ليعلن الشهيد بلغة التضحيات التي لا تحتاج إلى شرح أو تفسير .. نعم .. لقد أجاب بلغة الفعل عن كل تساؤلاتنا وحيرتنا عن هويته ، إنها قصاصة ورقية صغيرة ملطخة بالدماء مكتوب عليها وسط مخطط للقلب عبارة.. احبك يا جنوب ) . هكذا كان رده سريعا وقويا وبليغا ، قالها وهو مسجى بين الحياة والموت .. هذه الأرض التي منحتني اسمها هي أسرتي وقبيلتي وارضي ، وهويتي ، هي العشق الخالد للسمو والشموخ ، هي أنا ولأجلها ولأجل حياة كريمة لشعبي اروي ترابها بدمي لتهفوا أرواح مقهورة ، وتتطاول أعناقها فخرا إلى عنان السماء .
الاحتلال يختطف الشهيد وينقله بعربة عسكرية إلى صنعاء :
يقول والد الشهيد : ( لم يكن يدر في خلدي أبدا أن من يرقد في مستشفى النقيب بين الحياة والموت هو فلذة كبدي .. عمر ، فقد شاع يومها إن الشهيد من أبناء أبين ، واعتقادي أن عمر عند احد أقاربه فانا متعود على غيابه أحيانا ، حتى طالعتنا صحيفة الأيام بخبر وصورة بعد ثلاثة أيام ، فدب الشك في نفسي وذهبت للتعرف عليه ولكنني لم أجد له أثرا في المستشفى ، فقيل لي لقد نقل المصاب إلى صنعاء. ويواصل عبد العزيز الحديث بحرقة : ( لم يكتفي القتلة بهذا الألم والقهر الذي أصابنا بولدنا عمر فذهبوا إلى ابعد ما نتصوره عنهم .. فلم يتركوه يلفظ أنفاسه الأخيرة فوق تراب نذر حياته من اجلها .. بل مارسوا خستهم المعهودة ففي فجر يوم 14يناير2009م كما قيل لي ، اقتحموا المستشفى بعدد كبير من الجنود والأطقم وسط ذهول الأطباء والممرضين ورواد المستشفى واختطفوا جثته بالقوة ، ورموا بها في عربة عسكرية مهلهلة وهوا مازال حيا وكأنه طرد وأرسلوه إلى صنعاء وحيدا يواجه مصيرا مؤلما هناك .. قطعوا به مئات الكيلومترات وهو لا يتنفس إلا عبر الأنابيب التي تمر في حنجرته الممزقة ومصاب بشلل رباعي وان ما يساعده على البقاء هي الأجهزة التي كانت تحيط به من كل مكان ، فكيف يتم نقله بهذه الطريقة الهمجية ، لقد تجردوا من قيم الإسلام ورموا عرض الحائط بنصيحة الأطباء عدم إخراجه من غرفة العناية المركزة إلا عبر وسائل طبية غاية في الدقة والى الخارج تحديدا لان حالته حرجة جدا وتنعدم إمكانية علاجه في الداخل ، ولا يحتمل الاهتزاز والحركة أبدا ، ولكنه الاستكبار والعهر الأخلاقي .. وهناك رموا به في إحدى غرف الطوابق العلوية لمستشفى الثورة ، ولاندري حتى ألان ما الذي حدث له هناك ، وكيف تعاملوا مع جثته الطاهرة ، فقط ابلغنا انه قد توفى بعد ثلاثة أيام من إيصاله إلى مستشفى الثورة بصنعاء في 17يناير2009م .. كل ذلك كان خوفا من ردة فعل أبناء الصبيحة خاصة وان دم الشهيدين يحيى وحافظ مازال طريا فحاولوا إخفاء هويته لأطول فترة ممكنة وليس علاجه كما يدعون .. فرفضت استلام جثة الشهيد حتى يقدم القتلة للقصاص ، وعدت إلى عدن متنقلا بين أقسام الشرطة والنيابة والمحاكم .. وتمكنت بمساعدة محاميي الحراك الجنوبي من إنزال فريق إلى موقع الحدث وتصويره والقيام ببعض الإجراءات واستخراج وثائق لإدانة سلطة الاحتلال وتعرية القتلة ولكن لن نجد إنصافا من احد .. وبعد ثلاثة اشهر قررت تشييع الشهيد إلى مثواه الأخير )
الاحتلال يرفض تسليم جثة الشهيد ، وينقلها في اليوم التالي إلى مطار عدن :
( غصة وألم ومتاعب هي تلك التي واجهتنا فوق مصابنا بفقدنا ولدنا ) قالها والد الشهيد وكأنه يعيش اللحظة ذاتها ، فمن ذا الذي يستطيع أن ينسي أب فقد ولده ، وينزع من صدره هذا الكم الهائل من القهر والجراح مما فعله أرباب القتل والإجرام ، وبصعوبة يتمالك عبد العزيز بعض قواه قائلا : (في تاريخ 9/ 4 / 2009م طلبنا تسليمنا جثة الشهيد فجر يوم الخميس والسفر به براً عبر طريق الضالع وكانت هذه رغبتنا ، إلا إنهم رفضوا طلبنا هذا .. فتجمع أبناء الصبيحة والجنوب بالمئات أمام المستشفى ، إلا إنهم أصروا واستكبروا كعادتهم فلا حرمة للأموات ولا للإحياء عندهم أبدا خاصة إذا كانوا من أبناء الجنوب .. كل ذلك لأنهم علموا إن حشود كبيرة جدا من أبناء الضالع الذين قرروا انتظار موكب التشييع في نقطة سناح الحدودية وفي ردفان وكرش والعند والحوطة وصبر وعدن والصبيحة كلهم في الانتظار ، وكان من المفترض حسب خطة الحراك الجنوبي السير بالموكب من الضالع حتى طور الباحة وهو ما يعني مئات الآلاف من الجنوبيين وهو مالم تكن تقوى سلطة الاحتلال أن تراه ، ولكن رغم ذلك فقد تحرك موكب رمزي للتشييع من الضالع مرورا بردفان ولحج وآخر قدم من عدن والتحموا جميعا في صبر برتل واحد حتى وصل طور الباحة قدر بعشرات الآلاف ، يتقدمهم الزعيم ناصر النوبه والسفير قاسم عسكر والقيادي شلال علي شائع والدكتور عبد الحميد شكري وعمر سعيد الصبيحي وعبده المعطري وعدد كبير من القيادات وأبناء الجنوب والصبيحة ) .
ويواصل قائلا : ( وفي اليوم التالي أي يوم الجمعة تاريخ 10 / 4 / 2009م تم تسليمنا جثة الشهيد واشترطوا اشتراطا عجيبا ألا وهو نقل الجثة بالطائرة إلى مطار عدن ثم أخذه مباشرة إلى طور الباحة ، وحددوا الوقت عند السابعة صباحا ، وذلك حتى لا يكون هناك موكب تشييع للشهيد .. وهي مفارقة عجيبة تكشف عن نظرة دونية متأصلة لديهم ، ومنطق قذر لا يمت للأخلاق الدينية ولا للقيم الإنسانية بصلة ، حيث إنهم نقلوا الشهيد وهو مازال حيا إلى صنعاء بمصفحة عسكرية براً ولم يكلفوا أنفسهم حتى نقله على سيارة إسعاف على الأقل احتراما لإنسانيته ، وعند نقل جثته وهو ميت نقلوه بالطائرة إلى مطار عدن ).. ويواصل والد الشهيد حديثه وهو يعتصر ألما وقهرا ( لقد فقدت ولدي فلذة كبدي وهو ألم لا يماثله ألم ، وثانيا حالة العذاب الذي مارسه أناس لا ذمة ولا ضمير ولا دين لهم بحقه حتى لقي ربه ، وثالثا من الاحتقار والدونية التي لقيناها في صنعاء ونحن نتنقل من مكان إلى آخر بحثا عن الشهيد ثم رفضهم تسلمينا جثته في الوقت الذي نريد ، ولم نلقى جميعا وكنا بالمئات من أبناء الجنوب والصبيحة إلا الذل والمهانة فحسبنا الله ونعم الوكيل عليهم .. فربنا هو المنتقم ) ويواصل الحديث : ( انطلقنا جوا بجثة الشهيد إلى مطار عدن وهناك كان أبناء الجنوب في الانتظار وساروا بموكب مهيب لتشييع الشهيد رغم الحصار الذي فرض علينا ولكن هاهم في موعدهم يرسمون لوحة الوفاء بصمودهم .. يرفعون أعلام الجنوب ويرددون هتافات الثورة الجنوبية الخالدة ، مرورا بطريق الجسر المنصورة حتى إذا ما وصلنا إلى جولة القاهرة المكان الذي سقط فيه الشهيد طاف الموكب حولها عدة مرات ثم تجمع الحشد وارتفعت الأصوات الهادرة وتوقفوا لمعاهدة الشهيد على السير في نفس الطريق الذي سلكه حتى الانتصار للدماء التي روت تربة الجنوب الطاهرة .. إنها لحظات كتبت في سفر التاريخ بأحرف من نور لن ننساها ما حيينا ، يومها ذرفت الدموع وتركت العنان للمشاعر المحبطة أن تحلق في فضاء الجراح الغائرة ، وأنا أمتلئ زهوا وفخراً بولدي الشهيد .. وحقا لنا أن نفخر بكل شهدائنا الأبرار ، بعدها تحرك الموكب إلى مقبرة النهاري في قرية الوريدية – طور الباحة وهناك تمت الصلاة على الشهيد ووري الثرى )
الصورة التي فضحت الاحتلال :
الشهيد عمر ، كان شاب شجاعا واجه جبروت الاحتلال في حياته حتى سقط شهيدا ، وشاء الله إلا أن تكون تلك اللحظة لعنةً تطارد القتلة والمجرمين إلى ابد الآبدين في مشهد حي يشاهده ملايين الناس ، فألف تحية للجندي المجهول الذي تمكن من تصوير الحدث بدقة وبكل تفاصيله ليبقى شاهدا عن فضائع الاحتلال اليمني بحق الشعب الجنوبي عبر التاريخ ..
ويحدثنا والد الشهيد عن تلك اللقطة التلفزيونية التي تبثها قنا الجنوب ( عدن لايف ) قائلاً : ( إن سلطة الاحتلال أرسلت إليه عدد من اللجان والشخصيات التي تتبعها للضغط علي بالترغيب حينا والترهيب حينا آخر لدفعي بمطالبة القناة بعدم عرض المشهد ، أو توكيل جهات قانونية تتبع الاحتلال لمقاضاة القناة باسمه ..) ولكن أنى للشرفاء أن يحنوا هاماتهم لدعاة البغي والاستكبار والانحطاط .. أنى لأمثال عبد العزيز الحاج الصبيحي أن يعفي القتلة من دم وليده فما أروع ما قاله لهم .. ( ليس أنا من يبيع دم فلذة كبده .. فابني عمر شهيد الجنوب كله من باب المندب غربا حتى حدود عمان في المهرة شرقا .. فان استطعتم أن تقنعوا الشعب الجنوبي أن يفعلوا ذلك حينها افعلوا ماشئتم .. أما أنا فواحد منهم ولن اخذلهم أبدا ولو لحقنا بالشهيد جميعا .. ) هذا رده الذي أفحمهم وردهم على أعقابهم خاسئين يجرون أذيال الخيبة أمام أسيادهم . وبعد ثلاث سنوات من استشهاد عمر الصبيحي ترتكب قناة الدجل ( سهيل ) جريمة أخلاقية ببثها ذلك المشهد لتقول انه شهيدا من شهداء ثورة التغيير اليمنية .. فبئس ما صنعوا .. وبئس ما يأفكون ، حتى شهدائنا لم يسلموا من سرقتهم .. فيا للعجب .
رحمك الله أيها الشهيد وأسكنك فسيح جناته ، وسلام عليك يوم ولت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا .. ولا نامت أعين الجبناء .
والد الشهيد في الذكرى الثانيه لاستشهاد ابنه
مواقف خالدة ومعاناة لا تحصى
يقول مختار عبدالله أحد أقارب الشهيد متحدثا عن أسرة الشهيد : (عبد العزيز سالم سعيد الحاج الصبيحي واحد من ابنا القوات المسلحة الجنوبية التي سرح كل أفرادها بعد حرب الاحتلال 1994م وضل قابعا في بيته حتى انطلق الحراك وكان من نشطاءه المثابرين .. كان مطلوبا للسلطات بتهمة نقل أعضاء الحراك الجنوبي إلى المحافظات ، وبعد استشهاد المناضلين ( يحيى الصوملي ) وهو صهر عبد العزيز الحاج والشهيد ( حافظ الاصنج ) من أقاربه أيضا ، أقدمت سلطة الاحتلال بمتابعته وعندما لم تتمكن منه قام عناصرها بسحب سيارته من الشيخ عثمان إلى أمن محافظة لحج ، وعندما حظر للاستفسار عن سيارته ضنا منه إن خطأ ما قد حصل تم إيداعه السجن ، فغضب أبناء الصبيحة وهددوا إن لم يتم إطلاق سراحه فسوف تكون ردة فعلتهم مزلزلة ، فتدخل عبد القوي محمد شاهر لدى سلطات الأمن للإفراج عنه ، ولكنهم قالوا له ليس قبل أن يعيد الدوشكاء وقطع السلاح التي استولوا عليها بعد مقتل يحي الصوملي وحافظ الاصنج فقال لهم الشيخ كلمته المشهورة ( إذا كنتم تريدون الدوشكاء فنحن نطالبكم بإعادة الشهيدين ( يحيى وحافظ ) أحياء … وأنا سوف اشتري لكم دبابة بدلا عنها .. ) فصمت الزبانية وتخشبت حناجرهم وبهتوا ).
وقد أخبرنا مختار عبد الله عن فترة السجن تلك قائلا : ( ذهبت أنا والشهيد عمر لزيارة أبيه ولكنني فضلت أن لا يرى أباه في تلك الحالة التي هو عليها في السجن حتى لا يحز في نفسه وتُجرح مشاعره خاصة وأنا اعلم أن عمر يحب أباه حبا شديداً ، ورغم محاولاتي بالتوسل إليه لكنه رفض إلا أن يراه .. فأدخلته فاحتضن أباه .. وأخذ كل منهما يقبل الأخر .. فتأثرت بشده ، حينها قال لماذا سجنوك يا أبي ؟ فقال له يا بني نحن تحت الاحتلال ، وها هم يفعلون بنا ما يشاؤون .. ولكننا لن ننحني ولن نستسلم وسننتصر بإذن الله .. كن قويا ومتماسكا فانا لن اخرج حتى اعرف سبب سجني هذا ؟ ثم بعد ذلك تدخل عبد القوي شاهر وأخرجه من السجن ) كل ذلك كان دافعا قويا لهذه الأسرة لأن تنخرط في مسيرة النضال السلمي الجنوبي بكل أفرادها وان تقدم عمر شهيداً في سبيل انتصار القضية التي آمنوا بها .
وعن وضع أسرة الشهيد اليوم يقول مختار عبدالله : ( لقد طُلب من عبد العزيز أن يعود إلى المعسكر كأسلوب للضغط عليه للتراجع عن مواقفه تجاه قضية شعبه ، فرفض قائلا كيف لي أن اعمل مع سلطة قتلت ابني ؟ فعملوا على توقيف راتبه وذلك لغرض تركيعه لعلهم يتمكنوا من إجباره بعد ذلك على منع الحراك الجنوبي من إقامة فعاليات ذكرى استشهاد الشهيد ورفع صوره ، والمطالبة بسحب مقطع الفيديو الذي يظهر لحظة سقوط الشهيد برصاص جنود الاحتلال فرفض ، وفضل أن يضحي براتبه أيضا ويعيش ويتحمل المتاعب على أن يقوم بهذا الدور ، فتم فصله من العمل بلا وازع من أخلاق أو ضمير ، وها هو اليوم يعتاش على ما يمارسه من أعمال عضلية بالأجر اليومي خاصة في أعمال البناء كيفما توفر ، فبعد مصابه بولده لم يسلم من بطش وحقد المحتل اليمني فيوقف راتبه مصدر رزقه الوحيد ثم يتم فصله نهائيا ، فلا نامت أعين الجبناء ، ( وهنا أجدها مناسبة لأخاطب قادة الحراك الجنوبي للالتفات لأسرة الشهيد وان يمدوا يد العون لها ، فلا معين لها بعد الله إلا انتم ، وهذا أقل ما يمكن فعله تجاههم ، لكي يعيشوا كرما ، تكريما لهذه الاسرة المناضلة التي قدمت لوطننا الجنوب شهيد التصالح والتسامح الجنوبي عمر عبد العزيز الحاج الصبيحي ) .
* يافع نيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.