فجرت قناة الجزيرة القضية الخاصة بوفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بمادة البولونيوم حيث أكدت أن خبراء الطب الشرعي السويسريين عثروا على «مستويات قاتلة» من مادة «بولونيوم-210» في عينات أخذت من جثة الرئيس الراحل. وأفادت سها عرفات، أرملة الزعيم الفلسطيني الراحل، بعدما تسلمت نتائج تحاليل الطب الشرعي في سويسرا لعينات من جثته، بأن «عرفات» مات مسموما بمادة «البولونيوم» المشع. وأضافت أرملة الرئيس من باريس، بعدما تسلمت تقريرًا من معهد فيزياء الإشعاع في مستشفى جامعة «لوزان» السويسرية: «نحن نكشف جريمة حقيقية، اغتيال سياسي». لكن ماهو البولونيوم ؟ وماذا يفعل في الجسم وكيف يؤدي للوفاة البولونيوم عنصر كيميائي في الجدول الدوري وعدده الذري 84، ويعد من أشباه الفلزات وله نشاط إشعاعي نادر ويسمى إشعاع جسيمات ألفا. تبلغ خطورة وسمية البولونيوم نحو 106 مرة أكثر من سمية سيانيد الهيدروجين "50 ن.ج. ل Po-210 مقابل 50 م.ج، الخطر الرئيسى فيه هو الإشعاع الشديد "كمشع لأجسام ألفا" والتي تجعل نقلة لأماكن تواجه صعوبة، فجرام واحد من البولونيوم سوف يسخن تلقائياً لدرجة حرارة حوالى 500 °C. والبولونيوم كذلك سام كيميائياً حيث أثر سميته الكيماوية مشابه لأثر التيلوريوم. وحمض البولونيون شديد الخطورة ويتطلب معدات خاصة وطرق صارمة للتناول، وإذا ما ابُتلع "بالتنفس أو الامتصاص" فإن أجسام ألفا التى يشعها البولونيوم تدمر الأنسجة الحيوية بسهولة، وما إن يدخل مجرى الدم حتى يبدأ مباشرة بتعطيل الجهاز المناعي بتخلله إلى نخاع العظام، حتى يصبح جسد الإنسان من الداخل غير قادر على صدّ البكتيريا الموجودة فيه والتي تبدأ في أكله من الداخل إلى الخارج. يقوم البولونيوم بمهاجمه الحمض النووي ويوقف الأعضاء الداخلية وجرعة كبيرة منه قد تؤدى إلى الموت خلال 24 ساعة. تم استخدام هذا الحمض لاغتيال عدد من الزعماء والرؤساء وأيضا توفى ألكساندر ليتفيننكو العميل السابق لدى الاستخبارات الروسية في مجال مكافحة الجرائم المنظمة في 2006، أيضا باستخدام البولونيوم، وكشفت تقارير أنه هو السبب في حدوث الوفاة. يمكن أن يستخدم البولونيوم (عيار 210) كسمّ قاتل في الحالات التالية: إذا تمّ استنشاقه، أو بلعه أو امتصاصه. وفي هذه الحالات تدمّر الإشعاعات التي تنبعث منه جميع الأعضاء العضوية، بدءاً بالكبد والطحال وتؤدي إلى الموت البطيء. لكن هذا لا يعني تلقائياً أن وجود آثار بولونيوم، بكميات محدودة جداً، على الملابس أو على سطح بعض الأدوات المستخدمة يؤدي حتماً إلى تسمّم قاتل، إذ إن عدم امتصاص أو بلع أو استنشاق المادة لا يؤثر على صحة الجسد. كانت مادة البولونيوم تنتج في الاتحاد السوفياتي، حيث استخدمت بعض مكوناتها في العديد من الصناعات الحيوية. فالبولونيوم استعمل في مصانع الأقمشة والورق والبلاستيك لتحسين نوعية المواد المغلفة لبعض المنتجات. لكن منذ سبعينيات القرن الماضي قللت المصانع الروسية من استخدام هذه المادة بسبب الإشعاعات التي تبثها مع مرور الزمن. ويمكن أن ينتج من إشعاعات غرام واحد مركّز من البولونيوم صعق كهربائي يمكن أن يصل إلى 140 واط ويرفع الحرارة إلى 500 درجة مئوية، وبالتالي استخدم كمصدر للحرارة الذرية للتجهيزات الثيرموكهربائية. استخدم البولونيوم المركّز لهذه الغاية في العديد من المركبات الفضائية لمنع تجمّدها جراء الصقيع. واستخدم كذلك لقياس سماكة الطلاء الصناعي من خلال الاشعاعات. ولا شك أن مادة البولونيوم (عيار 210) تزيد خطورتها عن الغاز السام المعروف ب«هيدروجين السيانيد»، حيث إن ميكروجراماً واحداً منه يوازي 250 مليجراماً من «هيدروجين الساينايد». ويمكن العثور على كمية قليلة جداً من البولونيوم في التبغ، إذ اكتشف العلماء في ستينيات القرن الماضي أن بعض الأسمدة الزراعية (فوسفات) تحتوي على هذه المادة التي يمكن أن تمتصها جذور نبات التبغ، بينما لا تمتصها جذور النباتات الأخرى. وكان الباحثان الفرنسيان بيار وماري كوري قد اكتشفا مادة البولونيوم عام 1898 واطلقا عليها اسم بولونيوم نسبة الى بولندا (أو بولونيا) وهي بلد منشئهما.