بوتيرة عالية ومخيفة تتصاعد حدّة المشهد السياسي في اليمن، وتتفاعل ملامح الأزمة بشكل بات ينذر بانقسام سياسي واجتماعي قد ينتهي بحرب أهلية تنهار على إثرها الدولة فلم تصمد الهدنة الموقعة بين الحكومة اليمنية واللواء المنشق علي محسن لوقف إطلاق النار سوى ساعتين، حيث استمر سماع انفجارات وأصوات إطلاق نار متقطعة في شمال العاصمة. ليس تشاؤماً قول ما سبق، لكنها تداعيات الأحداث ومجرياتها على الواقع اليمني الذي ربما لم يمر فيه البلد بمرحلة أخطر مما هو عليها اليوم بما في ذلك حرب 1994م. اليوم لم تعد الوحدة اليمنية هي المهددة فقط، بعد أن أخذت الأزمة أبعاداً أخرى لعل أهمها دخول تنظيم القاعدة على خط المواجهة، والخوض في مواجهات مسلحة بين مواطنين وقوات الجيش والأمن في عدد من المحافظات. إن العنف الدموي الأخير يهدد بالتحول إلى صراع أوسع بين الأطراف الأقوى تسليحاً في البلاد: قبيلة قوية وقائد عسكري متمرد وأسرة صالح. كل طرف يقاتل من أجل فرض إرادته، حتى المحافظات النائية تنزلق أكثر فأكثر من سيطرة الجميع. يخطئ أولئك الذين يراهنون على الدماء بأنها الوسيلة الأنجع لارضاخ الشعب للأمر الواقع، لأن للدماء انعكاساتها السلبية على الشعب صاحب المصلحة الحقيقية في التأييد لذاك ورفض نظراً لما تحدثه الدماء من الأحزان والأحقاد غير القابلة للمراجعة والتراجع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. إن السير في مشوار المبادرة الخليجية والحلحلة السياسية هو طريق أكثر أماناً لرموز النظام من أية خيارات عنيفة لن تصب في صالحهم بقدر ما ستنتج وضعاً استثنائياً يصعد بموجبه الخصم العسكري المؤيد للشعب، فالثورة في اليمن ليست متمثلة في كيان واحد لكي يتم القضاء عليها بالقوة، ولكنها أطياف عديدة شعبية وعسكرية وحزبية وقبلية، والمبادرة التي وضعها مجلس التعاون الخليجي قد وفرت ضمانات للرئيس علي عبدالله صالح ورموز النظام لم تتوفر لغيرهم. فالتعويل على حجم العتاد العسكري وقوة التسليح لحسم المعركة تعويل خاطئ لأن الحرب إذا اندلعت في اليمن فإنها لن تكون بين «سلاحين»؛ ولكن بين إرادتين يدفع ثمنها الشعب اليمني الذي ضاق الويل من آتون الحرب الأهلية.