تتعدد جراحات الوطن واتسعت أسبابها ومسبباتها, وقد تستمر آلام المخاض لسنوات طويلة, فتركة الماضي تبدوا ثقيلة, ومعاناة الناس لاتقتصر على جانب دون الأخر, فثمة تداخل وتشابك يجعل من المتتبع له فاقداً للوعي ناهيك عن المعايش له, فمع معاناة الفقر وشظف العيش تبرز حالة التباين السياسي التي تفوق معاناة الفقر والبطالة بألف مرة, ويدفع الناس في هذا الوطن ثمن باهظاً ليس من أموالهم وأوقاتهم فحسب, بل وحتى أرواحهم تصبح ثمناً لصراع سياسي الرابح الوحيد فيه أجندة لاصلة لها بهموم الناس, والخاسر الأكبر هو الشعب اليمني برمته. في اغلب محافظات اليمن هناك ثورة يقودها الشباب وتقف الأحزاب السياسية المعارضة والجيش المؤيد للثورة وكذلك القبائل موقف المناصر والمؤيد لها, إلا أن ثمة ألغام تزرع في طريق التغيير في الشمال وفي الجنوب على حدٍ سواء قد تكون لها صلة بمشاريع خارجية, ويستفيد منظروها أموال طائلة لغرض الثراء ليس إلا. في الشمال ثمة صراعات مذهبية لاعلاقة لها بالثورة بين الحوثيين والسلفيين, راح ضحيتها المئات من الجانبين ولم تفلح وساطات محلية قادتها أحزاب سياسية ومشائخ قبليون في نزع فتيل التوتر بين الجانبين. وتجددت مواجهات يومي الخميس والجمعة الماضيين بين الحوثيين وقبائل في مديرية كشر حجة بالقرب من منطقة ميدي الساحلية المطلة على البحر الأحمر وراح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى, فيما لاتزال المواجهات جارية بين القبائل الموالية للسلفيين أو ماسمي " تحالف القبائل اليمنية لنصرة المظلوم" والحوثيين في جبهة كتاف, في الوقت الذي تشهد فيه جبهة دماج هدوء نسبي. وفي المقابل فان ثمة أطماع حوثية تمتد إلى خارج محافظة صعدة التي يسيطر عليها الحوثيين وسبق وان جرت مواجهات مسلحة بين قبائل الجوف وبين الحوثيين راح ضحيتها المئات من الجانبين, وانعكس ذلك على محاولة الحوثي القفز على الواقع وحرق المراحل السياسية, ليبدأ صراع خفي حول السيطرة على الساحات من قبل الحوثيين والتي لم تؤتي ثمارها حتى الآن. ففي الوقت الذي فشل فيه الحوثيين السيطرة على منصة ساحة التغيير بصنعاء والتحكم في مسار المسيرات الشبابية لجاء مؤخراً على إشهار حزب سياسي مبني على المذهبية يتربع لجنته التحضيرية أشخاص من - السلالة الهاشميه- أو مايسمى هنا في اليمن ب " السادة " , واتى تأسيس حزب الأمة ليكون ندٍ لحزب التجمع اليمني للإصلاح, كما سعى إلى إشهار جبهة إنقاذ الثورة والتي استدرج فيها أشخاص محسوبين على الحزب الاشتراكي على حين غفلة من حزبهم. دعوة إلى الوحدة والاتحاد مثل هكذا صراعات دعت اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية والمنسقية العليا إلى تسمية الجمعة 13 يناير بجمعة " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا" في إشارة واضحة إلى دعوة جميع الأطراف المتباينة فكرياً وسياسياً في الثورة إلى توحيد رؤيتها وانطلاقها في مسار واحد يضمن وصول سفينة الثورة إلى بر الأمان. جمعة " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا " أقيمت في ثمانية عشر محافظة يمنية من إجمالي واحد وعشرين محافظة يمنية, وتوسعت ساحات الاعتصام التي أديت فيها جمعة " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا" إلى أربعين ساحة, وهو مايشير الى توسع الساحات وزيادة روادها مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي الذي سيجرى في 21 فبراير من العام الحالي. التصالح والتسامح في ذكرى أحداث يناير هناك في الجنوب اليمني تبدوا المشاكل بين شركاء الكفاح أكثر تعقيدا, وكلما اقترب حراكيوا الجنوب من اتفاق ازدادت الهوة بين الجانبين, فهناك أكثر من تيار في الجنوب وكلاً ينظر إلى القضية الجنوبية من منظاره الخاص. وبحسب احد المهتمين بالقضية الجنوبية فانه يمكن أن نلخص الوضع السياسي المؤثر في الجنوب في تيارين لا ثالث لهما .. تيار يتبنى قضية استعادة قرار الجنوب المستقل وتيار آخر يفضل المضي في الإطار الوحدوي الحالي على أمل الإصلاح والتغيير .. وبين هذين الخيارين والاتجاهين يقف شعب مثخن بالجراح تلقى الضربات تلو الضربات والنكسات تلو النكسات, وكلما التأم له جرح إنبجس جرح آخر ولم يستطع هذا الشعب المغلوب على أمره التقاط أنفاسه إلا من أسعده الحظ بالاغتراب خلف الصحاري والمحيطات وصار هذا الهدف أمل للكثيرين ,, منهم من ذهب ومنهم من ينتظر . يقف كل تيار من هذين التيارين موقف الخصم المعاند للتيار الآخر مدعياً أنه المعبر عن شعب الجنوب وأنه وحده من يستطيع إيجاد الحل والخروج بهذا الشعب الذي ذاق من الطرفين الأمرين إلى بر الأمان والاطمئنان .. يوم الجمعة وافق ذكرى 13 يناير وهو يوم مشوؤم عند الجنوبيين وفيه وقعت مجزرة لكبار قادة الحزب الاشتراكي اليمني ولجنته المركزية وتبعه حرباً ضروساً بين الجنوبيين أخرجت على ناصر محمد ومن معه من اللعبة السياسية إلى لاجئ في الشمال قبل إعلان الوحدة في 22 مايو 1990م, ومع توسع الخلافات بين الجنوبيين وخصوصاً في رؤيتهم للقضية الجنوبية بعد ثورة الشباب, عقدت مكونات الحراك الجنوبي لقاء التصالح والتسامح الذي انتهى بنهاية سوداوية تمثلت في مقتل شخصين من الحراك وإصابة أكثر من سبعة عشر شخصاً في محافظة عدن في مواجهة مع قوات الأمن المركزي. وفي الخارج أقيمت في مصر يوم الخميس الماضي ندوة تحت عنوان " التصالح والتسامح.. نتجاوز الماضي لنبني المستقبل". شارك فيها الأستاذ محسن محمد بن فريد، الأمين العام لحزب رابطة أبناء اليمن - رأي، والدكتور محمد حيدره مسدوس، وعدداً من السياسيين الجنوبيين, في أمل تجاوز الماضي البغيض الذي ظل ملقياً بظلاله على ساسة الجنوب وقد يستمر إذا لم تصلح نوايا شركاء الحراك الجنوبي. بين دعوة الاتحاد والاعتصام في الشمال ودعوة التسامح والتصالح في الجنوب هناك أمالاً يعلق عليها اليمنيين في إخراج اليمن من مرحلة الصراع والفوضى, وهناك توجهاَ شعبياً لرص الصفوف استعداداً لبناء الدولة المدنية بعد زوال الخطر في 21 فبراير القادم.