ألقى نائب رئيس الوزراء - وزير الداخلية إلى ما قبل خمسة أيام- الدكتور «رشاد العلمي» باللائمة على ضعف الوازع الديني في ازدياد حالات الانتحار، وارتفاع أعداد المنتحرين في الأعوام الأخيرة، مؤكداً أن عدم الإيمان بالقضاء والقدر سبب رئيس للانتحار، معتبراً العامل الاقتصادي سببا غير كاف للانتحار في ظل وجود الإيمان. واتهم «العليمي» -الذي يحمل درجة دكتوراة في علم الاجتماع- الصحافة والصحافيين بالتعامل السطحي مع قضية الانتحار، وأضاف إلى ذلك الإشارة إلى أن صحافة المعارضة تتخذ من هذه القضية موضوعاً للتشنيع بالسلطة، في حين رأى القاضي «حمود الهتار» أن سبب الانتحار هو عدم الإيمان بالله أو ضعف الإيمان على حد قوله. وهو ما دفع الإعلامية «ابتهال الضلعي» إلى اعتبار رأي الوزيرين «العليمي» و«الهتار»ٍ سطحيين كونهما ألقيا باللائمة على الضحايا وعلى ضعف الإيمان. «العليمي» ذهب أيضاً إلى أن القات سبب آخر من أسباب الانتحار، مدللاً على ذلك بما استعرضته ذاكرته عن أيام دراسته في مصر، حيث كان الأطباء النفسانيون هناك يسألون المريض الذي يتم عرضه عليهم: «هل تخزن..؟!!» منطلقاً من هذه الذكريات التي تعود إلى العام 1984 -حسب تصريحه- في تحليل لا يحمل سمة علمية واحدة لاتهام القات -إلى جانب ضعف الإيمان- بالوقوف وراء الانتحار وإقدام الأفراد عليها. وزاد العليمي في أطار ما يشبه السخرية من الآخرين أن أعلن بفخر واعتداد أنه لا يخزن. رأي «العليمي» و«الهتار» جاءا ضمن فيلم تسجيلي بعنوان «دعوة إلى الحياة» الذي أعدته منظمة صحافيات بلا قيود، وعرضته صباح اليوم في ندوة بعنوان «ظاهرة الانتحار في اليمن - المشكلة والحل»، وكان رد «ابتهال الضلعي» في الندوة التي عرض فيها الفيلم وخصصت للاستماع والنقاش حول القضية التي لم تزل «بلاقيود» تعتبرها مجرد ظاهرة حسب ما جاء في عنوان الندوة. شهدت الندوة رداً غير مباشر من الدكتور «فؤاد الصلاحي» الذي اتهم وزير الأوقاف ونائب رئيس الوزراء بتزييف الوعي عند إحالتهما أسباب الانتحار إلى ضعف الإيمان والقات، واتهامه السلطات بإهدار الثروة الوطنية لصالح فئة قليلة من البشر، معتبراً ذلك السبب رئيسي في إقدام الفرد في المجتمع اليمني على الانتحار. فالهجرة من الريف إلى المدينة وما تسببه من ارتفاع في معدلات البطالة وانعدام التنمية تؤدي إلى تعكير المزاج العام وتدفع إلى الإصابة بالاكتئاب. واعتبر «الصلاحي» حديث المسؤولين الكبيرين تحريفاً لمسئولية الدولة عن هذه القضية, وإدانة رسمية للمنتحرين، مؤكدا على إن الفقر انتهاكاً لحقوق الإنسان وسبباً للانتحار في مجتمع مسلم تماماً لا يوجد فيه فردٌ ضعيف الأيمان. وقال الصلاحي: «نعيش اليوم منغصات اجتماعية وثقافية واقتصادية تمر بحياة الفرد داخل بيته وخارجها وتدفعه إلى أنواع السلوك المختلفة، وتأتي الحالة المرضية والاكتئاب ثانية, إلى جانب عوامل اجتماعية وثقافية أخرى».معتبرا حديث وزير الداخلية في الفلم ما هو إلا إدانة للمنتحرين"»، مطالباً بإعادة توزيع الثروات على المواطنين بمساواة، وتوسيع شبكات الضمان والرعاية الاجتماعيتين. بيد أن الأمر لم يقتصر على مسؤولين أرادا تبرئة السلطات من سقوط الأبرياء ضحايا لسياساتها، بل جاء كثيرون لإدانة الضحايا بشهادتهم عن ضعف إيمان هؤلاء الذين يقتلون أنفسهم هروباً من جحيم لم يأتوا إليه برضا منهم فهربوا منه برضاهم، وكان على «خالد الآنسي» أن يطالب بعقوبات قانونية ضد المنتحرين، ولم يقل ما هو العقاب الذي يمكن أن يطال المنتحر بعد رحيل روحه، أو على الأقل بما وكيف يمكن أن يعاقب شخص شرع في الانتحار وفشلت محاولته.؟ وأي منطق إنساني أو حتى غير إنساني يجيز عقابه، فيما ذهبت «توكل كرمان» رئيسة منظمة «صحافيات بلا قيود» إلى أن أسباب الانتحار إلى الضعف الديني وعدم التمسك بالدين الإسلامي، ودعت -وهي المشهورة بخطابها الحاد الناقد لسياسات السلطة التجويعية نحو الشعب- إلى التمسك بهذا الدين الذي يحث أتباعه على عدم اليأس والسعي في الحياة. وهو ما أعلنه عنوان الفيلم الذي أعدته منظمتها «دعوة إلى الحياة» فقط، غير معنيٍ بالدعوة إلى العدالة التي تعطي الحياة قيمتها. وشدد «خليل إبراهيم» وهو استشاري أمراض نفسية على ضرورة وقوف كل المنظمات والمؤسسات الصحية والاجتماعية أمام الانتحار كقضية مجتمعية خطيرة رأى أنها في اليمن تنتشر بين أوساط الشباب خلافاً لما يحدث في بلدان أخرى يشيع الانتحار فيها في أوساط الفئة المتقدمة في السن. وربط «خليل إبراهيم» المسألة في اليمن بالجانب الأخلاقي الذي يرى الكثيرون أنه يتعارض مع الإفصاح عن حالة الانتحار، أو حتى المرض النفسي الذي قد يؤدي للانتحار، بالإضافة إلى عدم قناعة الأسر بالعناية النفسية بأبنائها لدى الأطباء المختصين خوفاً من نعتهم بالجنون. مضيفاً إلى أسباب الانتحار فقدان الأمل لدى الشباب. ودعت «حورية مشهور» إلى البحث عن وسائل الترفيه التي تقي من الكآبة، متحسرة على الأطفال الذين لا يعنى أهلهم بحالتهم النفسية، ومقارنة ذلك بما شاهدته في بريطانيا التي يحرص مواطنوها حتى على وقاية كلابهم من الاكتئاب. في الفيلم جاءت شهادات عن منتحرين كانوا مؤمنين ومتدينين بشدة، وفي الندوة أدان الكثيرون السلطات والوضع الاجتماعي والاقتصادي والبطالة، وطالبوا بحلول حقيقية.. بيد أن الغالب كان لأولئك الذين انتصروا على الضحايا باتهامهم بنقص الإيمان أو انعدامه، وأدانوا أو طالبوا بمعاقبة المنتحرين الذين جاءوا إلى الحياة بغير رضاهم أصلاً فوجدوا من يدفعهم دفعا للهروب منها، لأن من السهل إدانة الضحية، ومن السهل جعلها ضحية أكثر من مرة، لكن من الصعب إنقاذها.