استأثرت العيون الجميلة بأروع ما أبدعه الشعر العربي فصيحه وعاميه في وصف الجمال الانثوي وتداخل الجمال الحسي مع المعنوي وامتزاج النور والظلام والليل والبحر على شواطئ العيون ومراسي الاهداب فتكلمت العيون من غير صوت وتحولت إلى ينابيع للإلهام وخاصة في المجتمعات المحافظة ومنها المجتمع اليمني. إن الوصل بين حبيبين يستدعي رسولاً خاصاً، بنقل الأحاسيس والمشاعر المتبادلة بينهما، ويحمل إلى كل واحد منهما تفاصيل اللوعة ولواعج الشوق ونار الحنين أثناء البعد. سنقف هنا أمام رسول ذي طبيعة خاصة، ليس إنساناً عطوفاً ولا حمامة زاجلة ولا غراباً لبين ولا نسيم الصباح مثلما تتعدد رسل الغرام بين الأحبة دائماً، لكنه رمش رقيق استطاع إيصال رسالته بأمانة وسرعة وكفاءة عالية، ليصبح الطرف الآخر بين لحظة وأخرى أسير الهوى ورفيق الهيام.. لنقرأ هذه الأبيات التي تحمل شطراً من هذه التفاصيل.. رمشك رسول الغرام.. ونظرتك سهم قاتل بغمزة قبل السلام.. أسرتني يا مغازل فما عرفت الكلام.. ولا فهمت المسائل رد الرسالة حرام.. ضاقت علينا المنازل والتراث الشعبي اليمني غنيٌ جداً بالصور المشابهة، حيث يقع الإنسان ضحية نظرة قاتلة بفعل السهام التي تصوبها عيون الغواني، ورموش الفاتنات، ليعيش حياته متيماً هائماً يعاني الشوق والحنين إلى ذلك الظبي اللعوب الذي أسره وسلب منه عقله وقلبه.. ساجي الطرف أحوم.. لقد سمعنا جميعاً الأغنية التراثية التي مطلعها “يا ساجي الطرف يا أحوم يا بديع الجمال...” والتي تأخذنا إلى نوع آخر من العيون، تغنى بها الشعراء كثيراً وهي العيون الناعسة، التي تغض الطرف، حياءً وعفة وطهراً.. غير أن ثقافة “ساجي الطرف” لم تعد كما كانت سائدة من قبل بل أن أحد الشعراء يناشد حبيبته أن لا تكثر من غض الطرف حتى لا يصيبها العمى قائلاً: يا ساجي الطرف داويني بنظرة عيونك ارفع سواد البراقع وارفع معاها جفونك واترك لنور الصباح فرصة يصافح رموشك *** اللي يخبي عيونك من عيون الناس يجلب لنفسه العمى ويصبح بغير إحساس هذي نصيحة خذيها واتركي الوسواس وتعمق بعض الشعراء في وصف العيون الساحرة، وما تحدثه من تأثير لا يمكن مقاومته حتى قال أحدهم: يا ناس عقلي طار.. ورا عيون المليحة من كثر ما جنني.. خفت أعمل فضيحة القلب هائم معاهن.. والنفس باتت جريحة هذا التأثير الطاغي لسحر العيون وجاذبيتها، دفع الكثير من عشاق الجمال، ونساك الحب، لممارسة طقوس المديح والوصف العميق لكل ملامح العيون، والرسائل الغرامية التي تنبعث منها في كل اتجاه، دون رحمة للضحايا الذين يتساقطون مفتونين بسحرها وفتنتها.. النقاب زادها ألقاً.. مع انتشار عادة النقاب، أصبح المصممون يتفننون في إبداع فتحات خاصة للعيون، مما جعل هذه العيون تزداد فتنة وسحراً وجاذبية، ولطالما تحدث الكثير من الشعراء عن فتنتهم وغرامهم بعيون المنقبات يقول أحدهم: صادتني بالبراقع وأعجبتني .. وأوصلت قلبي إلى حد الممات ويقول آخر: يا بو عيون هدبها سود .. لا تذبح الناس بعيونك كيف تتنقب وتغطي الخدود وترمي الناس بالسهام من جفونك صوت قلبي الضحية يا ودود .. لو كنت تشتي من يصونك العيون في أغاني المرأة وتظل عيون الغواني آية للسحر والجمال، وطريقاً للعشق والغرام، وفتنة لأصحاب القلوب العاطفية الرقيقة لدى كل الاجناس مهما اختلف المكان وتغيرت عوامل وظروف الحياة ففي أغاني المرأة الريفية نجد سحر العيون حاضراً بقوة وآسراً لقلوب المحبين وملهماً لعقول العشاق ومن ذلك.. حبيبي والحب ذبالة اتريك لانت حليم سحر العيون يكفيك.. ماشتيش أني السمرة ولا المقايل اشتي الحواجب والعيون ذوابل وتبلغ العيون قوتها في أغاني المرأة الريفية حين نجدها تقول: قتلتني والناس يشهدوا لك انك بريء والقاتلات عيونك العيون في الشعر العربي أما في الشعر العربي فقد هام معظم الشعراء في كل العصور بجمال العينين وسحرهما الفتان ونسرد هنا بعضاً مما قاله الشعراء في العينين وافتتانهم بجمالها حيث يقول عنترة بن شداد: رمت الفؤا مليحة عذراء.. بسهام لحظ ما لهن دواء فاغتالني سقمي الذي في باطني.. اخفيته فأذاعه الاخفاء وقال الشاعر بن كلدة: أشارت بطرف العين خيفة أهلها.. أشارة محزون ولم تتكلم فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا.. وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيم أما ابن الرومي فقال: نظرت فاحرقت الفؤاد بطرفها.. ثم انثنت عني فكدت اهيم ويلاه إن نظرت وإن هي اعرضت.. وقع السهام ونزعهن اليم ويصف جميل بثينة عيني حبيبته قائلاً: لها مقلة كحلاء نجلاء، خلقةً كأن أباها الظبي وأمها مَها أما مجنون ليلى فيعتبر العيون لغة معبرة عن حال معشوقته فيقول: فاعرف منها الود من لين طرفها.. وأعرف منها الهجر بالنظر الشزر ويعتبر صفي الدين الحلي العينيين بأنهما آلة قتل فتاكة حيث يقول: كفي القتال وفكي قيد أسراك.. يكفيك ما فعلت بالناس عيناك ويقول ابن أبي حجلة مؤيداً ذلك كل الحوادث مبدؤها من النظر.. ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فتكت في قلب صاحبها.. فتك السهام بلا قوس ولا وتر ليأتي البارودي متذكراً تجربته مع العيون فيقول: نصبت حبائل هد بها فتصيدت.. قلبي فراح فريسة الاهداب ما كنت أعلم قبل طارقة الهوى.. أن العيون مصائد الألباب أما أمير الشعراء أحمد شوقي فيقول: وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناك ليأتي ايليا ابو ماضي ويحاكي سحر العيون بقوله: رأيت في عينيك سحر الهوى متدفقاً كالنور من نجمتين فبت لا أقوى على دفعه من رد عنه عارضاً باليدين يا جنة الحب ودنيا المنى ما خلتني ألقاك في مقلتين ويعتبر محمد علي السنوسي العينين مرسى لقلبه حيث يقول: دموعك يا حسناء تغري بي الهواء فعيناك مينائي وقلبي قد رسا ومن بدائع الشعراء في التغني بجمال العيون ودورها في اثارة لواعج الاشتياق ما قاله ابراهيم بن المهدي حين سمع جارية تغني.. أشرت أليها هل عرفت مودتي فردت بطرف العين أني على العهد أليس عجيباً أن بيتاً يضمني واياك لا تخلو ولا تتكلم سوى أعين يشكو الهوى بجفونها وتقطيع أنفاس على النار تضرم اشارة افواه وغمز حواجب وتكسير اجفان وكف يسلم أما نزار قباني الملقب بشاعر المرأة فيذهب بعيداً في الحديث عن مفعول العينين وسحرهما حيث يرى أن الشعر لن يكتب بدون وجود العينين حيث يقول: يسكن الشعر في حدائق عينيك.. فلولا عيناك لا شعر يكتب منذ احببتك البحار جميعاً أصبحت من مياه عينيك تشرب ونختتم هذه القطوف مع رائعة أخرى لنزار يقول فيها: ذات العينين السوداوين المقمرتين ذات العينين الصاحيتين الممطرتين لا أطلب أبداً من ربي إلا شيئين أن يحفظ هاتين العينين ويزيد بأيامي يومين كي أكتب شعراً في هاتين اللؤلؤتين