لم يكن الحب العميق الذي ربطهما وليد مرحلة عابرة بل لقد زرعت بذرته في قلبيهما منذ الطفولة وترعرعت عبر السنين لتتجذر عروق شجرة حبهما في أعماقهما ترتوي من دمائهما بالوفاء والإخلاص والتضحية.. أسماء ووليد قصة حب تجاوزت كل القصص والكتابات الاعتبارية لتجسد حقائق المحبة بأبلغ صورها ومعانيها.. بدأت العلاقة بين أسماء ووليد منذ أن كانا طفلين في السنوات الأولى من مرحلتهما الدراسية.. كان منزل وليد يقع بجانب منزل أسماء في إحدى أحياء العاصمة وعلى شرفة منزل وليد بدأت تنتصب أول لبنات ذلك الحب.. فقد كان يصحو وليد مبكراً ليخرج إلى شرفة منزله لكي يسترق نظرة افتتاح صباحه من وجه أسماء والتي كانت بدورها لا تبخل عليه باستراق تلك النظرة من وجهها الصبوح ومعها ابتسامة هادئة تمنح وليد راحة وسعادة وطاقة من النشاط المتجدد المنعش لوليد الذي أضحى مدمناً عليها كل صباح.. أخذت تلك النظرة المتبادلة تنمو وتتمتن وتتطور حتى وصلت إلى السلام والكلام والبوح بالمشاعر.. ومضت الأيام بعد أن باح وليد بحبه لأسماء وهي، لم تخف أيضاً حبها له، وقد كانا يسترقان دقائق يتبادلان فيها الغرام كل من شرفة منزله للأخر.. وكثيراً ما حصلت أسماء على العقاب والضرب من قبل أمها التي اكتشفت علاقة أبنتها بوليد وأيضاً هو الآخر حصل على الكثير من الشتم وحتى الضرب من قبل والده، وخاصة بعد أن أبلغت والدة أسماء أم وليد بما يقوم به أبنها ومحاولته إغواء أسماء.. لكن كل ذلك لم يمنح وليد وأسماء إلاّ إصراراً على توطيد علاقتهما وحبهما الذي يزداد متانة وقوة مع اشراقة كل يوم جديد..ومع كل تغريدة من تغاريد طيور الصباح. مرت أكثر من أربع سنوات على ميلاد ذلك الحب الطاهر، وأصبح وليد وأسماء على مشارف الانتهاء من مرحلة الثانوية وكانا قد تعاهدا الاثنان على أن يكملا دراستهما الثانوية بتفوق ليتمكنا من الالتحاق في كلية الطب.. كانت قصة حبهما قد اشتهرت على مستوى الحي، وكانت الأحاديث الجانبية التي يرددها بعض أهل الحي، تشكل احراجاً للأسرتين وخاصة اسرة أسماء حيث وصلت ذات مرة بعض الهمسات إلى مسامع والد أسماء فأشتعل غضباً وتوجه إلى والد وليد وكاد أن يحدث عراك دام بينهما لولا حكمة أب وليد الذي استطاع أن يمتص غضب والد أسماء وهدأه تماماً بعد أن وعده بأنه سيتخذ حلا يرضيه ويخرس كل الالسن.. أكمل وليد وأسماء دراستهما الثانوية وحصل الاثنان على معدلات كبيرة تؤهلهما للالتحاق في أي كلية في الجامعة وقد تلى النتيجة التي حصلا عليها انتصار لهما ولحبهما.. فقد غمرتهما الفرحة العميقة بل غمرت الأسرتين كلتيهما حين عرض والد وليد على أبنه أنه يعتزم أن يخطب له فتاة أحلامه (أسماء) فاستقبل وليد النبأ بفرح عظيم مستبشراً بقدوم السعادة الأبدية.. تحرك أب وليد إلى والد أسماء وتقدم رسمياً له بخطبة أسماء لأبنه وليد ولم يمانع والد أسماء من القبول ولكنه، أشترط عليه أن يتم الزفاف بعد استكمال الاثنين دراستهما الجامعية، تمت الخطبة رسمياً واستبشر الحبيبان بتلك الخطوة التي أزاحت مانعاً كبيراً كان يعيق حبهما وأصبحا بعد الخطبة يملكان من الفسحة ليبوح كل واحد منهما للأخر بمشاعره وأشواقه وحبه دون موانع.. لم تمر أشهر إلا وقد التحقا الاثنان في كلية الطب ليمنحا فرصة جديدة من سعة الوقت ليكونا معاً.. ومرت السنة الأولى وهما يظهران معاً في الإياب والذهاب وهو ما أثار غضب إخوان والد أسماء، الذين أخبروا والد وليد بضرورة أن يتم زواجهما ليمنع أي حديث قد يسيء لهم جميعاً فوافق على مقترحهم واتفق الطرفان على أن يتم العرس خلال أسابيع.. استقبل وليد واسماء نبأ قرب زفافهما بفرحة كبيرة وذهب يحلمان بالسعادة القادمة ليرتوي قلباهما من نهر الحب المتدفق الذي لا يعرف الجفاف.. كان والد وليد ميسور الحال ويمتلك أكثر من منزل فقام بتجهيز إحدى الشقق التي يمتلكها في ذات المنزل الذي يسكنه ليكون منزلاً مستقلاً يعيش فيه وليد وزوجته وتمت مراسيم العرس وسط زغاريد أهل وأقارب العروسين، واللذان قضيا أجمل لحظات السعادة على مدى شهر كامل قبل أن يعود الاثنان لمواصلة دراستهما الجامعية في كلية الطب أحس وليد بتغير ملحوظ على حبيبته أسماء، فحاول أن يسألها عن سبب التغيير وحالة العبوس الذي اعتراها فجأة ولكنها ردت لا شيء يا حبيبي لا.. كانت أسماء قد بدأت تحس بغيرة من كل الطالبات التي معها وبدأت تعتريها الهواجس ماذا لو حاول أن يخونني وليد مع بعض تلك الفتيات بدأت تفسر كل شيء بحسب ما تعتقد أنه خطر على حياتها، فإذا ما تحدث مع فتاة من زميلاته في الكلية تعتقد أنها بداية لعلاقة جديدة لزوجها بتلك الفتاة، لكن وليد أدرك الغيرة التي أضحت تتحكم بزوجته وحبيبته أسماء، فحاول كثيراً لإقناعها بأنه لن يكون في يوم لواحدة غيرها لكنها كانت تقتنع في تلك الساعة ثم تعود لتفكيرها وهواجسها مرة أخرى فأثرت تلك الحالة التي سيطرت عليها وعلى دراستها حتى ظهر الأثر جلياً في النتيجة التي لم تفلح فيها حيث رسبت في معظم المواد التي تدرسها.. أدركت العديد من زميلاتها الحالة التي تعيشها أسماء وقد استغلت إحدى هؤلاء الفتيات والتي كانت قد حاولت أكثر من مرة استقطاب قلب وليد لكنها لم تفلح وهو الأمر الذي أثر في نفسها وجعلها تضمر شراً لوليد وزوجته.. تلك الفتاة حاولت أن تقنع أسماء بأن وليد يستغويها وأن له علاقة عاطفية مع فتاة تعرفها جيداً.. كانت تلك الفتاة قد كتبت رسالة مطولة أفترت فيها كذباً على لسان تلك الفتاة تحدثت عن لقاءات غرام ومحبة جمعتها بوليد وتطلبه للعودة إليها.. في ذلك اليوم غادرت أسماء الجامعة وعادت إلى المنزل بعد أن قررت أن تواجه زوجها وليد بكل شيء وعندما عاد وليد إلى المنزل وهو مستغربً لعدم إبلاغه بأنها ستعود بمفردها، حاول أن يسألها عن ذلك لكنها فاجأته بالقول لقد افتضحت يا خائن وتكشفت أوراقك ولا يمكنك أن تلعب بمشاعري وتخونني فحاول تهدئتها لكنه لم يتمكن فاستشاط غضباً ورمى بحقيبته في صالة المنزل حيث تناثرت الأوراق ودخل غرفته قامت أسماء بجمع الأوراق وأثناء تجميعها لمحت تلك الرسالة التي دستها تلك الفتاة في حقيبته وعند قرائها جن جنونها، انطلقت وهي تحمل سكيناً بيدها صارخة في وجه وليد هذا دليل خيانتك لن تكون الأخرى بدلي ووجهت له طعنة في قلبه سقط وليد مغشياً عليه فيما اتجهت أسماء وأخذت موساً وقطعت الأوردة في يدها دخلت والدة وليد إثر سماعها الصراخ لترى أبنها ميتاً على الأرض وفي صدره السكين فيما أسماء مغشيً عليها في قاع الحمام صرخت الأم بكل صوتها مستغيثة بزوجها، فقد انهارت الأم من هول المشهد تم إسعاف وليد إلى المستشفى والذي لفظ أنفاسه في غرفة العناية المركزة فيما اسعفت أسماء وأدخلت العناية المركزة تعافت بعد مرور أسبوعين، ولكنها تحولت إلى مستشفى الأمراض العقلية.