الحب.. الكلمة الرقيقة التي تنطقها الألسن وترددها الأفواه ليل نهار.. تصدح بها الأغاني.. وتضج بها القصص والروايات.. كلمة سحرية قليلة الحروف كثيرة المعاني.. عندما تتسلل إلى قلب الإنسان تتغير حياته كلها.. يصبح للحياة معها مذاق مختلف.. ويصبح للتفكير بوجودها طريقة عجيبة غير تلك التي رافقت الإنسان سنوات طويلة.. يأخذ الحب أشكالا وصوراً وفنوناً مختلفة.. فقد يصاب الإنسان إثرها بالجنون هياما وعشقاً وغراما لا حدود له.. حيث يصبح المحبوب هو العالم الجديد للعاشق الولهان.. هو الأرض والنجوم والشمس والقمر والليل والنهار وهو كل شيء.. فلا سلطان يعلو على سلطانه.. وفي هذه السطور نستعرض بعضاً من المقاطع الشعرية التي تعبر عن المشاعر التي تتسلل الى قلب كل عاشق وتغير طبيعته وتجعله حساسا إلى درجة تفوق كل وصف ويعجز عنها كل تعبير.. فهذا شاعرنا حسين أبو بكر المحظار يصف الحب بقوله: أسعد زمان الحب من وعدك إلى أن ألقاك أما أحد الشعراء فيصف مفاتن السحر والجمال التي تتميز بها غانية حسناء.. مما يؤدي إلى سلب العقول وإغواء المتعبد الورع.. فيترك عبادته ويذوب غراما وعشقاً قائلاً: إن شافه العابد وهو في قبلة الله مختشع خلّف صلاته والعبادة ثم يخرج يبترع وان شافه الصايم يغلي الزاد ويفطر بالسرع وان قال قد غابت وعاده ظهر ذا شي قد جزع وان شافه الحاجج وهو عازم الى مكة رجع وان شافه المؤلم شفي من ساعته الا وهو برع وان شافه الجايع وهو في شدة الجوع شبع العين تبدي الذي في قلب صاحبها من الشناءة أو حب إذا كانا إن البغيض له عين يصدقها لا يستطيع لما في القلب كتمانا فالعين تنطق والأفواه صامتة حتى ترى من صميم القلب تبيانا وهنا يتصور شاعر عاشق غارق في الحب والهيام أن حبيبة قلبه قد تحولت إلى قوة خارقة لا يمكن مقاومتها أو الوقوف أمامها حيث.. أنها تستطيع تحطيم القلوب وسلب العقول وسحر العيون والأبصار.. بما تملكه من سحر وفتنة وجمال لا يمكن وصفه ولا يمكن التنبؤ بآثاره في حياة الضحايا ونفوسهم قائلاً: العطر من ريحتك فاح أزكى من انفاس الصباح يا زين يا سيد الملاح يا رامياً كل الرماح يا للي سلاحك بالعيون اخطر أنواع السلاح رميت قلبي بالرماح حتى انزفت منه الجراح وما عاد فيني للجراح وما كل ذنب لك يباح حبيت في الدنياء ثلاث الشعر وانته والصباح وهذا شاعر لم يجد أمامه من وسيلة مناسبة سوى التوسل للناس ومناشدتهم بأن يكونوا حلقة الوصل بينه وبين محبوبه الذي يبدو عليه التمرد والتلكؤ في مجاراته بالحب والغرام.. قائلاً: كم وكم قالوا ما حد يعشقه والجواب مني والله ما أفرقه ما أسمع العاذل ولا با أصدقه راجعوه يا ناس قولوا له غلط النسيم داعب فؤادي والحشاء والنعيم والسعد في يوم اللقاء با أوهبه عمري وما عاده بقى راجعوه يا ناس قولوا له غلط بس لا تشكي وتبكي يا مليح لا تزيد الهم في قلبي الجريح خلنا للبعض نخلص من صحيح راجعوه ياناس قولوا له غلط كما نقف أمام صورة فنية ابداعية في غاية الروعة والجمال لعاشق شاعر يصف ما يتمتع به الحبيب من السحر والفتنة والجمال الذي يسلب العقول ويخطفها.. قائلاً: يا محنا الكفوف.. حسنك في الناس موصوف خل عيني تشوف .. قلبي مولع ومشغوف داخل القلب حبك .. وأنت في العين موقوف كيف يهناه قربك .. وأنت خايف ومشغوف كلما رحت عني .. بعدك العقل مخطوف أما الحب في الشعر العربي فنجده يرقى إلى مصافٍ روحية صرفة عرف بالشعر الروحي، لأنه يخلو تماماً من الشهوات الجسدية، فنرى المحب يذوب بمحبوبته دون سواها ولا يرضى لها بدلاً.. فهذا الشاعر قيس لا يستطيع فكاكاً عن ليلى العامرية التي أحبها حباً يفوق الجنون، ففي ذات مرة أراد جماعة أن يرجعوا قيساً عن غيه إلى الرشد والتعقل فعابوا ليلى أمامه وما في المرأة من نقص فقال : إذا عبتها شبهتها البدر طالعاً فحسبك من عيب بها شبه البدر وكذلك نجد ليلى تقول في قيسها: كلانا مظهرٌ للناس بغضاً وكلٌ عند صاحبه مكين تبلغنا العيون بما أردنا وفي القلبين ثَمَّ هوىٌ دفين فطب نفساً بذاك وقر عيناً فإن هواك في قلبي مصون ورغم أن عنترة بن شداد معروف بالقوة والخشونة وحياة البطولة إلا أنه له وجه آخر في عالم الحب فشعره مملوء بالرقة والعذوبة ومن ذلك قوله: مهفهفه والسحر في لحظاتها إذا كلمت ميتا يقوم من اللحد ِ أشارت إليها الشمس عند غروبها تقول إذا اسود الدجي فاطلعي بعد ِ وقال لها البدر المنير ألا اسفري فإنك مثلي في الكمال وفي السعد ِ فولت حياء ثم أرخت لثامها وقد نثرت من خدها رطب الورد ِ وفي قصيدة فتاة الخدر للمنخل اليشكري يعبر الشاعر عن الحب الذي يجمعه بمحبوبتة بقوله: وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري أما قيس بن الملوح فيصف الحب بقصة خاصة به حيث يقول: ألا يا طبيب الجن ويحك داوني فإن طبيب الإنس أعياه دائيا أتيت طبيب الإنس شيخاً مداوياً بمكة يعطي في الدواء الأمانيا فقلت له ياعم حكمك فاحتكم إذا ما كشفت اليوم ياعم مابيا فخاض شراباً بارداً في زجاجةٍ وطرح فيه سلوة وسقانيا فقلت ومرضى الناس يسعون حوله أعوذ برب الناس منك مداويا فقال شفاء الحب أن تلصق الحشا بأحشاء من تهوى إذا كنت خاليا وبنهر دافق بمشاعر الحب يقول آخر: أني أحبك عندما تبكينا وأحب وجهك غائما وحزينا تلك الدموع الهاميات أحبها وأحب خلف سقوطها تشرينا بعض النساء وجوههن جميلة ويصرن أجمل عندما يبكينا وبثورة حب لا تعرف حدوداً، يعزف الشاعر الأعشى سيمفونية خالدة بخلود الحب نفسه نقتطف منها: اغار عليها من ابيها وامها ومن خطوه المسواك اذا دار في الفم ِ اغار على اعطافها من ثيابها اذا البستها فوق جسم منعمِ واحسد اقداحاً تقبل ثغرها اذا اوضعتها موضع اللثم في الفم ِ خذوا بدمي منها فاني قتيلها ولا مقصدي الا تجود بأنعم ِ ولاتقتلوها ان ظفرتم بقتلها ولكن سلوها كيف حل لها دم ِ وعن الحب القاتل يذكر الأصمعي قصة شديدة الغرابة حيث قال: بينما كنت اسير في البادية , إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت : أيا معشر العشاق بالله خبروا إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع؟ فكتبت تحته البيت التالي: يداري هواه ثم يكتم سره ويخشع في كل الامور ويخضع يقول ثم عدت في اليوم التالي فوجدت مكتوبا تحته هذا البيت : وكيف يداري والهوى قاتل الفتى وفي كل يوم قلبه يتقطع فكتبت تحته البيت التالي : إذا لم يجد الفتى صبرا لكتمان سره فليس له شيء سوى الموت ينفع يقول الاصمعي : فعدت في اليوم الثالث, فوجدت شاباً ملقى تحت الحجر ميتا , ومكتوب تحته هذان البيتان : سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا سلامي إلى من كان بالوصل يمنع هنيئا لارباب النعيم نعيمهم وللعاشق المسكين ما يتجرع