مدينة لا يستطيع من لامس ترابها وشم عبقها وعطرها أن يغادر دون أن تسكن المدينة قلبه وتصبح جزءاً لا يتجزأ من ذكرياته التي لا يقربها النسيان.. إنها تعز.. المدينة الحالمة التي تنام في حضن الجبل الشامخ جبل صبر حيث يغدق عليها من دفئه وحنانه ويغمرها بالمودة.. تعز همة وصل بين الحب والجمال منطقة وسى بين السحر والفتنة.. جسرا يصل بين الأحباب.. سكنها الشعراء والأمراء وأبدع الفنانون في الغناء طربا في لياليها السامرة.. وقد وجد أحد الشعراء نفسه أمام فتنة المدينة غير قادر على مغادرة ترابها فقرر البقاء فيها إلى آخر العمر .. ففيها الهوى والبرود والحب والوصال وليال لا تتكرر أبدا فيقول مخاطبا الريح: قولي لمحبوب قلبي خاطره ما اعود شاعيش لي في تعز حيث الهوى والبرود با سمر مع من أحب لو راد رب الوجود مع المدى يا حبيب الحي لابد يعود ويستغرق أحد الشعراء في ترجمة ما سمعه من كلام جميل حول المدينة وبناتها والفتنة التي تتمتع بها الفتيات التعزيات وكيف أن ابن عوان كان أحد من تعلق بتعز وأهلها وأحبها فلم يغادرها ولم يسكن سواها قائلا: قالوا بناتُك مثل حُور العِين لسْنَ من التراب أفنى “ ابن علوان “ المداد لوصفهنَّ وما أصاب “ تعزّ “ كم ذا حدثوني عنك بالشيء العُجابْ قالوا نجومُ الليل ترعى في تلالك و الهضاب قالوا رأوك تُقبِّليْن البدرَ خدَّه و الرّضاب و الريح تغزل من لياليكِ الظفائرَ و الذؤاب بينما يرى الشاعر أن المدينة صارت قبلة العشاق والمحبين الذين يدفعهم الشوق لها إلى شد الرحال إليها، ولطالما فعل ذلك ملوك وأمراء حتى صارت بقية المدن مجرد وصيفات للملكة الفاتنة تعز: تعزّ “ يا سحرا ً تُشدُّ لأجل رؤيتها الرِّكاب كلُّ الملوك ومَن رأى حُسْن المدينة قد أهاب كلُّ المدائن جاثياتٌ عند بابك في عتاب حُزْتِ الملاحة والمدائنُ لم تحُز غير اليباب ويرى شاعر آخر أن تعز ما سميت بهذا الاسم الا لأنها قلعة العز وفيها تحيا مكارم الأخلاق والشهامة والكرامة .. وحق على كل أبنائها ان يجعلوها مبعث فخرهم واعتزازهم: عز وكل عز دونها سيظل قاصر وطن المكارم والمعالي والمفاخر هي عزنا هي فخرنا هي جرحنا هي راية الأحرار في كل المنابر ويناديها شاعر آخر يا حالمة لقد تعلق بك قلبى كثيرا .. حتى صرت شغلي الشاغل .. إليك تدفعني الأشواق وعنك يتحدث الخاطر .. وما ذلك الا لأن كبراءك قد رفعوك مكانة عالية لا تطاولها مكانة: ياحالمه .. لازال يشغلني هواك ويُفيضُ شوقي نحوك.. نهره يامن علوت بكبريائك منبرا وسموت عزا.. نافسَ الزُّهره وينظر لها أحد الشعراء من زاوية أخرى .. إنها زاوية العلوم والفنون والابداعات .. حيث استوطنها الكثير من أعلام الشعر والادب والفقه وغيرها .. فيقول في هذا الجانب: تعز يابلدة العلم والأعلام ودرة التاريخ حاضرها وماضيها من سفح شرعب إلى ذروة جبل حبشي إلى المعافر حيث تشجيني بواديها إلى صبر والجمال حيث سكن واستقر فصار غنوة بها يشدوا محبيها ويفاخر شاعر بهويته التعزية .. ويعتبر ذلك مصدر عز وفخر له لانه جاء من هذه المحافظة الأبية التي تفيض بمشاعر جياشة في قلوب ابنائها ومحبيها: أنا من تعز وهذه أوراقي شهدت بأن الحب في أعماقي أنا من تعز مدينتي وعشيقتي وبها عرفت بسيد العشاق مهد ابن علوان الفقيه منارةٌ والكوكب السودي في الآفاقِ ويقول الشاعر وهو يجسد بشعره صمود هذه المدينة التي عانت كثيرا من البؤس والحرمان .. لكنها لم تخضع يوما ولم تجبن ولم تضعف بل ظلت عزيزة شامخة أبية فيقول: هذي تعز اليوم بين ضلوعها روح الصمود ووثبة العملاق مهما رموكِ قنابلا ومدافعا فسيرحلون وأنت فيها الباقي ويرى أحد الشعراء أنها غانية عذراء .. تتبختر بثوبها الفضي عبر وديانها الخضراء المليئة بالروعة والجمال والجاذبية مما يجعلها جنة وارفة بالظلال والخضرة والبرود فيقول: عذراءُ يأتي ثوبُها الفضي من وادي الضبابْ عذراءُ حاكت ثوبَها أنامل ُ الريح الرّطابْ من عبير الورد من نَفَس السَّنابل والسرابْ من بخور الغيد من نَفَس الأحبّة والحُباب من جدول ٍ أعطافه ضحكت كأنغام الرّباب هي في العذارى ما ارتدت غير السحاب من الثياب * * * يا ثوبها الشفافُ يا سحرا ً يُعَرِّيْها الحجابْ أبديتَ منها الخصرَ والنَّهد المُمَوَّجَ والخضاب أردافَها والسَّاقَ مَبْريّا ً من الشمع المُذاب أبديتها هيفاءَ راقصة ً تَمَايَلُ في انْسكاب - في مسرح ٍ - دارت يمينا ً أو شمالا ً لا تُعاب هي إن تدور ترى المفاتن في الجداول والقباب * * * “ تعزّ “ يا حُقَّل الورود وعطر أعشاب “ الشذاب “ يا نبتة “ الكاذي “ تناثر زهرها بين الشَّعاب “ تعز” يا سحر الغواني بلا طلاسم أو حساب ويرى أحد هؤلاء الشعراء عدم وجود علاقة بين تعز الحب والمودة والفتنة وبين الطغيان والخضوع والشر وأنها ستكون حسب رأيه بوابة للانتصار انتصار الشعب على كل أشكال الظلم والطغيان: تَعِزُّ بنصرها الآتي (تَعِزُّ) وللطغيان شيطانٌ يَؤُزُّ ستخرج من مآسيها قريباً وسوف نرى بيارقها تٌهَزُّ وصبايا باب موسى لهن حظ وفير من الشعر .. حيث يصف أحد الشعراء صبية تمر من الباب متجهة نحو شارع المصلى وهي تحمل كل ما تحمله تعز من مشاعر: صَبيَّةٌ في (بابِ مُوسى) أَخرَجَت مِن سَلَّةِ الآهاتِ صُبحاً صافِيا و أَبٌ يُسَبِّحُ في (المُصَلَّى)بَعدَ أنْ صَلَّى و ضَمَّ الجُرحَ حُزناً خافِيا ويطلب منها أحد ابنائها الشعراء الصفح والغفران للتقصير ولأن الشعر لا يفي ولو بجزء صغير مما تحتويه أعماقه من مشاعر فياضة نحو هذه المدينة الساحرة فيقول في ذلك: اعذريني يا تَعز لو نقص شعري العقيم أنتِ ديوان شعر أحتوى وزنا جميل مشتاق للشماسي لبيتي والحي القديم مشتاق للحالمة للصابرة صبر جميل ويتحدث شاعر آخر عن حوريات تعز وغوانيها الفاتنات والمستمدات فتنتهن وسحرهن من هذه المدينة الغارقة في أحلامها البريئة والتي تتوق إلى يوم قريب تتحقق فيه جميع أحلامها وأحلام أبنائها: تعز” يا سحر الغواني بلا طلاسم أو حساب فيك الجمالُ يصُبُّ روحَه في الصبايا كالشراب تحت البراقع في الحواري ألف حورية كِعَاب يَهْمِسْن في دِل ِّ الصبايا خلف أوتار عِذاب ويتابع شاعر آخر لم يجد غير تكرار القسم لمدينته الفاضلة بأنها موطنه العزيز وجميلته التي يعشقها ويحبها كثيرا وأنها سكنت قلبه قائلا: تعز موطني فيك العز وبرب العز أنتي حميمة وبرب الكون أنتي جميله كمثل الطيب في قلبي سكينه ويسرد شاعر آخر معالم من معالم الحالمة وما تمثله من رمزية تاريخية وتراثية لها قيمتها فيقول في هذا الشأن: منارة الاشرفية والمظفر تعلو رمزا لحظارتك الإسلامية نفاخر بلدي بك مدننا كحيفان وشرجب والحجرية بينما يخاطبها أحدهم بروحها الثورية العنفوانية .. متأثرا بصمودها في وجه الموت والرصاص وأدخنة البارود فيقول مادحا أبناءها: ليوث المجد ثوري واثأري.. وبأحمد سيف ونعماني افخري افتخر واعتز باني حجري لا انا متخلف ولا انا غجري واعي متعلم مثقف حظري انا في كل المجالات عبقري قد تعودت الوفاء من صغري وطني لا ابيع ولكني اشتري وتظل تعز بنكهتها الفريدة وبأحلامها البريئة وروحها المتجددة مدينة اسطورية عامرة بكل ما هو جميل وآخاذ .. وتبقى في نفوس أبنائها مكانة عالية ورمزا لا تنال من قداسته الأحداث.. مهما أطال فيها الحرمان مكوثه.. لأنها بامتدادها التاريخي والجمالي قبلة الفن والعشق والحضارة..