في الآونة الأخيرة جرى الإعلان عن ضبط أكثر من شحنة أسلحة, تفصلها فترات زمنية متقاربة, في ميناء عدن وحده, رغم وجود منافذ وطرقات عديدة معروفة وهي شبة مخصصة للتهريب وبعضها بتواطؤ من الأجهزة الأمنية نفسها, القاسم المشترك بين جميع الشحنات التي ضبطت في ميناء عدن هو أنها كانت قادمة من نقطة انطلاق واحدة: «تركيا», وهو الأمر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام والتكهنات الخطيرة. «الشارع» حصلت على معلومات مؤكدة تفيد أن «عملية ضبط الشحنات المتلاحقة جاءت بناء على معلومات من أجهزة استخبارات دولية», وهذا بدوره وقبل أي شيء يقوض حملات الترويج الكبيرة التي ترافق الكشف عن ضبط شحنات مهربة وإرجاع الفضل في ذلك ليقظة الأجهزة الأمنية اليمنية, التي لا يتعدى دورها في الحقيقة سوى استلام شحنات تم التبليغ عنها مسبقا. وفيما المعلومات التي حصلت عليها "الشارع" من مصادر أمنية داخل ميناء عدن, تؤكد أن شحنات الأسلحة التي تم ضبطها في الميناء حدثت بناء على معلومات حصلت عليها المخابرات العسكرية وليس الأجهزة الأمنية؛ قالت إن أجهزة المخابرات العسكرية تلقت المعلومات عن شحنات الأسلحة قبل حتى أن تتحرك تلك الشحنات من نقطة الانطلاق في الموانئ التركية. وعليه يمكن أن نستنتج أن الأمر برمته يحاط بكثير من الشبهات, حيث لا يمكننا اعتباره أو حصره في نطاق محاولات تهريب اعتيادية ينفذها أشخاص يمتهنون التهريب كتجارة لتحقيق الربح, وإلا كانت تلك الشحنات ضبطت في الموانئ التركية بحكم المعلومات المسبقة, خصوصا أن المعلومات التي تلقتها المخابرات العسكرية اليمنية لم تكن مبنية على تكهنات أو اشتباه أمني بقدر ما كانت معلومات تفصيلية دقيقة تتضمن اسم السفينة, وتوقيت انطلاقها من الموانئ التركية, ووقت وصولها المتوقع إلى "ميناء عدن" هذا بالإضافة إلى رقم الحاوية ونوع البضاعة الكلية داخلها, ثم نوع الشحنة المهربة داخل تلك البضاعة والحاوية, حسب المصدر. ومن زاوية عامة, فما يؤكد المعلومات الأمنية التي حصلت عليها الصحيفة, وبحسب إفادة عاملين مختصين في الميناء, هو أن الميناء لا تتوفر فيه تقنية أو أجهزة للكشف عن مواد أو بضائع مشبوهة أو مهربة خلال وصول السفن إليه, أو خلال عملية تفريغها على رصيف التفريغ, لذا لا يمكن رصد أو الكشف عن أي مواد أو بضائع مهربة أو مشبوهة داخل حاويات البضائع إلا في مرحلة «التخليص الجمركي», وهي النقطة التي يحق للأجهزة الأمنية فيها التفتيش, وهي آخر مرحلة لحاويات البضائع في الميناء قبل توزيعها داخل البلاد. لكن ما يتعلق بشحنات الأسلحة التي تم ضبطها, فقد تم كشفها ساعة وصول الحاويات رصيف ميناء عدن ومن خلال طلب تفتيش سلم مسبقا لسلطات الميناء من قبل شعبة المخابرات العسكرية التابعة للمنطقة الجنوبية بعدن, واقتصر طلب التفتيش على حاويات بعينها, وبتحديد رقم وبيانات الحاوية التي تحتوي على شحنات الأسلحة المهربة. ومن زاوية أخرى لا يحق إطلاقا تسليم أو فتح أي حاويات بضائع من قبل الخط الملاحي او سلطات الميناء لأي جهة كانت وحتى الأمنية منها, غير للجهة أو الشخص المخلص الذي يخوله رسميا الخط الملاحي المسؤول عن نقل الشحنة باستلامها, ويتم تحديد المستلم وتخويله بالاستلام وفق إجراءات قانونية عديدة تبدأ عند شحن الحاوية في نقطة الانطلاق, فيما لا يحق للأجهزة الأمنية ذلك إلا بعد استلام الحاوية من قبل الشخص أو الجهة المخولة من الشركة الملاحية بالاستلام. المخابرات العسكرية اليمنية تقدمت بطلبات تفتيش مسبق للحاويات التي ضبطت وبداخلها شحنات الأسلحة قبل وصولها نقطة الجمارك, إضافة إلى وجود موافقة مسبقة لديها من قبل الشركة الملاحية المسؤولة عن نقل الشحنة بفتح وتفتيش الحاويات المحددة وموافقة الشركة الملاحية هي بهدف سماح سلطات الميناء لعناصر المخابرات باستلام وتفتيش الشحنة فقط, وإلا فلا يحق إجرائيا للشركة الملاحية تسليم أي حاوية سواء للجهة أو الشخص المخول مسبقا بالاستلام. والأمر الذي يضفي المزيد من الريبة, إضافة إلى أنه يعزز معلومات الصحيفة بوجود علم مسبق لدى الأجهزة الأمنية اليمنية حول الشحنة قبل انطلاقها من الموانئ التركية, لا يشكك المصدر الأمني, بوجود جهات أمنية أو مخابراتية, تقوم بتزويد المخابرات العسكرية والأمنية اليمنية بالمعلومات الدقيقة مسبقا, لكن كثيرا من الشبهات تحيط بامتناع تلك الجهات الخارجية عن إيقاف الشحنة في نقطة انطلاقها, من خلال تقديم المعلومات للأجهزة اليمنية التي ستنتظر بدورها فترة قد تصل لأشهر لوصول الشحنة إليها. إلا في حال تم الإقرار أن مزود المعلومات الأمنية هي الأجهزة التركية وتورط جهات حكومية تركية بتجارة السلاح غير المشروعة لذا لابد من ضمان صفقات البيع من خلال السماح بخروجها من المنافذ التركية, والأكثر خطورة في حال هناك جهات أو حكومات متورطة بصفقات الأسلحة فسيكون من المؤكد أن حجم تلك الصفقات وكميات الأسلحة المهربة يتجاوز بكثير الكميات المظبوطة التي هي مجرد طعم صغير للفت الأنظار لتمرير كميات أخرى بالتأكيد ستكون ضخمة. كل هذا الشك بخصوص عمليات التهريب, يعززه الضجيج الإعلامي الكبير المصاحب لعمليات الضبط, مع غياب تام لأي معلومات حول مصير تلك الشحنات أو الإجراءات الأمنية والقانونية المتعلقة بالشحنات من جميع جوانبها, إضافة إلى ذلك لا يبدو طبيعيا وصول ثلاث شحنات أسلحة مهربة تفصلها فترات زمنية قياسية, تنطلق من نقطة انطلاق واحدة إلى نقطة وصول واحدة, دون أن تعزز نقطة الانطلاق (الحكومة التركية) إجراءاتها الأمنية بعد الشحنة الأولى التي تم الكشف عنها في ميناء عدن, على الرغم من إبداء الحكومة التركية اهتماما كبيرا كما ظهر إعلاميا وتحدث عدد من مسؤوليها بعد ضبط أولى الشحنات عن تشكيل لجنة تحقيق حول الأمر. ويقول مختصون أمنيون سابقون في مجال التهريب ل "الشارع" إن ممتهني التهريب أنفسهم وفي حال كانت عمليات التهريب التي يقومون بها هي عبارة عن تجارة وأهداف ربحية بحتة دون ارتباطهم بجهات حكومية أو عسكرية أو نافذة ضمن سلطات البلد, لا يمكن لهم أن يقوموا بتكرار الأمر بشكل تتابعي عبر نفس المنفذ "ميناء عدن" أو عبر غيره, وخلال فترات زمنية قياسية, حيث من الطبيعي أن ترتفع مستويات اليقظة الأمنية والاحترازية في الوقت الذي تعج البلاد بكثير من المنافذ غير المعروفة وحتى كذلك المعروفة التي تتخذ كمنافذ وطرق واضحة لأعمال التهريب بأنواعه, بعضها غير خاضعة لرقابة الدولة وأجهزتها الأمنية أو تواطئها. بالنسبة لكبار موظفي ومسؤولي ميناء عدن, أثارت هذه النقطة الأخيرة لديهم كثيراً من التكهنات المقلقة للغاية, والمختلفة عما سبق من تحليلات, وتتمحور حول وجود استهداف لميناء عدن بعد تقدم نسبي تدريجي يقولون إن الميناء بدأ يحققه خلال الفترة الأخيرة بعد إلغاء اتفاقية دبي, بغية التأثير السلبي على حركة خطوط الملاحة من جوانب عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر: إن أي مؤشرات لوجود اختلالات أمنية يؤدي لرفع تكاليف التأمين على السفن من قبل شركات التأمين, ما يدفعها إلى التوجه لموانئ أخرى, وهذا ما يؤكد أن أطرافا وجهات نافذة وضمن الحكومة مرتبطة بجهات خارجية عي من تقف وراء ذلك. وزارة الخارجية التركية قالت إن الحاوية التي تم القبض عليها بمحافظة عدن وهي تحمل أسلحة قادمة من تركيا تدخل ضمن عمليات تهريب السلاح من تركيا إلى اليمن بشكل غير شرعي. وأكدت الخارجية التركية في بيانها, أن سفير تركيا بصنعاء انتقل إلى عدن فور سماع خبر القبض على السفينة المحملة بالأسلحة, والتقى مسؤولين يمنين هناك واطلع على الحاوية والتي تحمل عشرة آلاف مسدس صغير الطول و115 باروده تستطيع إطلاق الطلقات الخلبية. وأوضحت السفارة بالقول إن «إرسالية السلاح المذكورة لا تستند بأي شكل من الأشكال على تصريح أو أذن ممنوح من قبلنا, وان عمليات تصدير السلاح من تركيا تتم وفقا للتشريعات الدولية الناظمة لهذا الموضوع, وكذلك فإن تركيا تقوم بإطلاق المنابر الدولية المعنية على المعطيات المتعلقة بهذا الأمر بكل شفافية». وقال بيان الخارجية التركية إنه «ومثلما جرى في حوادث مماثلة سابقا فيما يتعلق بعمليات تهريب السلاح من تركيا إلى اليمن بشكل غير شرعي فقد تم في هذه المرة الأولى أيضا أعلام السلطات التركية المعنية بالأمر. وترحب تركيا بالتعاون الذي أبدته السلطات اليمنية بخصوص هذه الحادثة». وفي مقابلة مع صحيفة«المنتصف» أمس الأول, كشف محافظ الضالع اللواء الركن علي قاسم طالب, عم معلومات وتفاصيل, للمرة الأولى, على صلة بشحنات الأسلحة التركية المهربة عبر ميناء عدن, محملاً الأجهزة الأمنية التركية مسؤولية شحنات الأسلحة المهربة ودخولها إلى البلاد عبر المنافذ والموانئ الرسمية. وتطرق اللواء علي قاسم طالب في المقابلة إلى خلفيات وملابسات شحنتي أسلحة تم ضبطهما من قبل أمن محافظة الضالع بالتتابع أواخر العام الماضي 2012, ومصيرهما, حيث قال إن السلطات الأمنية والرسمية المركزية بالعاصمة صنعاء تدخلت للإفراج عن الشحنتين. وإذ أبدى المحافظ طالب, تحفظه على الطريقة التي تعامل بها مع القضيتين وإطلاق الشحنتين بأوامر مركزية, طالب السلطة المركزية بمساءلة الجهات الأمنية والمسؤولين حول التصرف والتعامل بهذه الطريقة. الأمر بمجمله يكتنفه كثير من الغموض جراء الوضع الهش الذي تمر به البلاد, ما يصعب معه تحديد جهة معينة وراءه, أو حتى الكشف عنها من قبل الجهات القانونية حتى في حال توفرت أدلة دامغة, لكن المؤكد أن الأمر بملابسات كتلك يشوبها الشك, يتجاوز نطاق التهريب الذي يمتهن كتجارة بحتة بغية الربح السريع فحسب, ووجود خلفية سياسية واضحة ما يزيد الوضع تعقيداً, وقد تتورط به جهات ضمن الحكومة القائمة وإلا فعلى السلطات العليا في البلد الكشف عما وصلت إليه إجراءات التحقيق وملابسات وضبط الجهات التي تقف وراء تلك الشحنات أو الإعلان عنها بشكل واضح.