يصطف مئات العمال الأجانب المخالفين لنظام الإقامة في طابور طويل متعرج وسط قيظ تفوق حرارته الأربعين درجة أمام مبنى حكومي في الرياض بغية ترحيلهم، وغالبيتهم من جنسيات آسيوية. وقال عامل مصري مكتفيا بذكر اسمه الأول إبراهيم "انتظر منذ الرابعة صباحا رقم الترحيل، لكنهم في الداخل لا يعملون بنشاط ويستغرقون وقتا لانجاز المعاملات مع أن الأمر لا يتطلب أكثر من دقائق". وأضاف لوكالة فرانس برس فيما العرق يتصبب من لحيته الشقراء وياقة الدشداشة التي فقدت لونها الأصلي "عملت في المملكة أربعة أعوام بشكل مخالف، بيع التأشيرات تجارة رابحة (...) لكنني سأبذل جهدي لكي أعود لان الأحوال سيئة جدا في مصر". وتابع بينما كان يبلل رأسه بالمياه اتقاء للحر الشديد انه عمل في قطاع المقاولات. وتجوب دوريات الشرطة الشوارع المحيطة بالمبنى القديم المكون من طابق واحد في حي عليشة غرب الرياض حيث يقف أكثر من ألف عامل في ارتال طويلة بانتظار أن يأتي دورهم ويستخدم بعضهم الصناديق الكرتونية لقوارير المياه لتغطية رؤوسهم أو قطعا قماشية. وكانت السلطات السعودية أعلنت عددا من التسهيلات والاستثناءات لجميع المنشآت والأفراد الأجانب لتصحيح مخالفات نظامي العمل والإقامة والاستفادة من المهلة التي أصدرها العاهل السعودي. ومن ابرز التسهيلات إعفاء جميع الوافدين المخالفين لنظامي الإقامة والعمل الراغبين في تصحيح أوضاعهم والبقاء في المملكة من العقوبات والغرامات المرتبطة بمخالفاتهم باستثناء الرسوم، لمن وقعت مخالفاتهم قبل مطلع أبريل/نيسان 2013. وهناك أيضا الإعفاء من رسوم الإقامة ورخصة العمل والعقوبات والغرامات المرتبطة بالمخالفات عن الفترات السابقة في حالة المغادرة النهائية خلال فترة المهلة التصحيحية. من جهته، اشتكى عبد العظيم شهيد من بنجلادش-28 عاما-بلغة عربية ركيكة جدا خلطها بانكليزية أكثر ركاكة من طوال فترة الانتظار في هذا "الطقس وقد وصلت متأخرا في السادسة صباحا للوقوف في الطابور لاستلام رقم الترحيل (...) لكنني سأعود حتما". وقال صاحب اللحية المشذبة من دون شاربين مرتديا بنطالا وقميصا ل"فرانس برس" عملت في الرياض طوال ثماني سنوات بإقامة دفعت ثمنها الذي استرددته بعد عامين من خلال عملي بائعا في الرياض". وبحسب التنظيم الجديد "يمكن للعمالة الوافدة المتغيبة عن العمل (أي الذين صدرت بلاغات هروب بحقهم) أو انتهت صلاحية إقامتهم تصحيح أوضاعهم إما بالعودة لصاحب العمل الحالي أو نقل خدماتهم لصاحب عمل أخر". ويسري الأمر ذاته على العمالة المنزلية الهاربة. وتصطف طوابير أخرى من العمالة الأجنبية تصطف أمام سفارات بلادها، خصوصا الهند وبنغلادش واندونيسيا والفيليبين، بانتظار دورها من اجل تصحيح أوضاعها إما بعودتها إلى مكان عملها أو الانتقال إلى مكان آخر. وحذرت وزارتا الداخلية والعمل من أن الجهات المختصة ستبدأ الحملات التفتيشية وتطبيق النظام على المخالفين من أصحاب العمل والعمالة الوافدة فور انتهاء المهلة في الثالث من يوليو/تموز 2013. ولا تشمل مهلة تصحيح الأوضاع المتسللين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية. بدوره، أبدى مظفر سليمان وهو كهل هندي الجنسية تذمرا من “المعاملة السيئة (…) لكن الأوضاع قد تكون أفضل مع النظام الجديد للإقامة” مشيرا إلى أنه يعمل في المملكة منذ عشر سنوات في قطاع النقل. وكان وزير شؤون المغتربين الهندي فايالار رافي أعلن أن “عدد أفراد الجالية الهندية في السعودية يصل إلى 2,4 مليون شخص”. كما أن الهنود يشكلون أكبر نسبة من العمال المرحلين بحسب الصحافة المحلية التي أشارت إلى أن العدد الكلي منذ مطلع العام الحالي تجاوز 200 ألف. وقال بهار محمد وهو باكستاني في الثلاثين من العمر “ندفع ثمن أخطاء الغير الذين استقدمونا وتاجروا بنا، الاستفادة كانت للطرف الأقوى عادة (…) ونحن استفدنا أيضا”. وحول احتمال عودته، أجاب “لم لا؟ فالأمور تتغير هنا سأعود للعمل بشكل قانوني”. وسمحت الإجراءات الجديدة للمتأخرين عن المغادرة من القادمين للحج والعمرة قبل الثالث من تموز/يوليو 2008 بتصحيح أوضاعهم كعمالة منزلية أو لدى منشآت القطاع الخاص وفق شروط معينة، بالإضافة إلى السماح بتعديل المهن بغض النظر عن نطاق المنشأة ونشاطها خلال فترة التصحيح بخلاف المهن المقصورة على السعوديين فقط. واستدراكا منها لحقوق مواطنيها، أرسلت الدول التي لديها أعداد كبيرة من العمالة في المملكة العديد من الوزراء والمسؤولين آخرهم وزير خارجية الهند، ووزيرة العمل الفليبينية وسبقهم نظراؤهم من بنغلادش واليمن ومصر. وبحسب أحمد الحميدان، وكيل وزارة العمل للشؤون العمالية، فإن “السعودية تستقبل سنويا أكثر من 1,5 مليون وافد يعملون في شتى المهن”. وأضاف أن الوزارة اكتشفت وجود أكثر من 342 ألف منشأة تعمل بعمالة وافدة لا يوجد فيها سعودي واحد، وأنها وظفت أكثر من 615 ألف سعودي في القطاع الخاص، منذ الإعلان عن برنامج “نطاقات” الهادف إلى تعزيز سعودة الوظائف. وأشار في هذا السياق إلي أن “المعدل العام للبطالة، بلغ نسبة 12,4 في المائة عام 2011 حصة الذكور منها 7,4 في المائة، والإناث 33,4 في المائة”. وشددت السعودية على أن تشغيل أو إيواء الوافد المخالف يعرض مرتكبها لعقوبة السجن عامين وفرض عقوبات مالية تصل إلى مائة ألف ريال (27 ألف دولار) عن كل مخالفة. كما أن تأخر الوافد عن المغادرة يعرضه لعقوبتي السجن والغرامة.