أحمد سيف حاشد اكتبوا مذكراتكم و سيركم و تجاربكم و معاناتكم و تاريخكم .. اكتبوا عمّا عشتموه أو كنتم عليه شهود .. أنتم أولى و أنزه من يكتب التاريخ بموضوعية تقارب الحقيقة .. لا تدعوا المنتصرين يغتالون الحقيقة، و يزيفون الوعي، و يفسدون التاريخ و الحياة و الهواء الذي تتنفسون.. العظماء أنتم لا هم .. أنتم الذين لا تشعلون الحروب الضروسة، و لا تصنعون المآسي العراض، و لا تستبدون على الشعوب و لا تنهبونها، و لا تمارسون الطغيان أو بيع الأوطان .. أنتم ضحايا الواقع الجهم، و الظلم المستبد، و الاضطهاد العنيف.. أنتم أعظم من الذين صنعتهم وسائل الإعلام و الإعلان .. من صنعت شهرتهم وسائل الدعاية و مساحيق الزيف .. أنتم أعظم من الذين توالدوا من مخرجات الحروب القذرة و الخيانات العظيمة .. أنتم الجمال كله بكدكم و بساطتكم و أحلامكم الجميلة و الشفيفة .. نحن منكم و إليكم ننحاز و ننتمي.. أنتم أكبر من نجوميتهم و من زيفهم و خوائهم الكبير .. ربما تخلت عنكم الحظوظ و الأقدار .. ربما الفارق أن الأقدار هي من دعمتهم أو تواطأت معهم، و في المقابل خانتكم أو خذلتكم أو لم تأخذ بأيديكم كما فعلت معهم .. و مع ذلك تظلون أنتم العظماء الذين تستحقون كل حب و تقدير و احترام.. عظمتكم أن حياتكم حافلة بالكثير من الكفاح و العطاء و الضمير، فأزدتموها عظمة بتواضعكم الجم و نكران ذواتكم، فكنتم عظماء مُجهولين أو مُغيّبين في حاضركم الذي عشتموه .. و مع هذا تلح الحاجة لمعرفة الكثير مما كان يجب أن يعرفوه و يعلموه من جاء بعدكم، إن تأتى لكم ذلك، و هو حق لغيركم عليكم .. لا تنازل عنه و لا انتقاص منه طالما كان بإمكانكم أن تؤدّونه أو تقومون به.. دوّنوا ما لم تدوّنوه .. أكتبوا عمّا حاط بكم و ما عشتموه من تحد كبير و معاناة ثقيلة .. اكتبوا عن أفراحكم و أحزانكم و تجاربكم و تاريخكم و عمّا فعلته الحروب بكم، و كيف تآمر عليكم عالم الراس مال الباذخ التوحش..!! و كيف رغب و تعمد إفنائكم قتلا و جوعا..!! أناط بكم الواجب اليوم أن تساهموا بجهد جهيد في إعادة صياغة وعي مجتمعكم و الأجيال .. ما أحوجنا و أحوجكم و الأجيال إليه.. اكتبوا تاريخكم قبل أن يزوروه أو يفسدوه .. إنه ببساطة تاريخ عظيم يستحق القراءة و الإيغال في الفهم و استكناة العظات و العبر .. استحثوا ما فيكم من عظمة و سموا و عزة النفس دون أن تبخسوا غيركم إلا بقدر تعاليه عليكم، و ما يركبه من أنانية و غرور و خواء .. كونوا كبارا و لن تكونوا كذلك إلا بقدر انتمائكم للإنسان و الضمير و المستقبل.. اكتبوا ما عشتموه ليهتدي و يتعظ من يأتي بعدكم .. ستجدون فيه الكثير مما يستحق القراءة و الإلهام و العظة .. ربما حياتكم أولى بالتدوين و الأهمية من سير تلك التي زعمت الأقاويل إنهم عظماء و أفذاذ و قادة كبار، و هم في الحقيقة مجرد سفاحين و مجرمين و فاسدين .. نهابين و لصوص و قراصنة و قطاع طرق، و تجار رقيق نصبت لهم التماثيل في الساحات العامة .. طغاة و دجالون .. مستعمرون و حكام مستبدون.. أنتم العظماء لا هم .. و ربما هم الأصفار و أنتم الأرقام التي وضعت لهم قيمة و مكانة دون أن تدرون أو تعلمون؛ فصيّروكم أتباعا و قطعانا و عبيدا منقادين .. و في المقابل كثير من العظماء باستحقاق و جدارة لم نسمع عنهم، و لم تلتفت لهم شهرة، و تم تجاهلهم أو تغييبهم بعمدية مستغرقة، ربما بعضها أو جلّها جاءت من الذين كانوا يمنعونها عنهم، بل و يمنعون أيضا على المجتمع العيش الكريم، و معه الضوء و الهواء إن استطاعوا.. كثيرون من العظماء لم ينالوا حقهم في التقدير الذي يجب، أو لم يصلوا إلى المكانة الجديرين باستحقاقها، لما أحاطت بهم من ظروف منع و صد و ابتلاء، أو ربما لأنهم سبحوا ضد التيار الجارف في مجرى النهر العنيد، و ربما لأن عظمتهم لم تصل إليها الأضواء كما كان يفترض، أو لأن العظماء المشبعين بالحرية كانوا كبارا لا يسقطون، و لا تروقهم العبودية و الإذعان و النفاق و الابتذال.. عظماء كبار و أبطال ميامين لا نسمع عنهم، ربما لأن ليس لديهم ماكينات إعلام تساندهم و تسّوقهم و تصنع لهم النجومية و الشهرة في عصر التفاهة و التافهين، و ربما لأنهم عاشوا في بيئة طاردة لهم و لآمالهم و أحلامهم و تطلعاتهم، و لم تعطهم الحياة فرصة متساوية للسباق مع غيرهم ممن أحرزوا البطولة، و هم في حقيقتهم خواء و محض زيف.. كونوا مع العظماء و الأبطال الميامين عاشقين المجد الذين راغموا الظروف و واجهوا التحديات، و عبروا النفق المُظلم و الطويل إلى واجهة الكون و عالم النور .. كونوا مع هؤلاء العظماء الذين يسكنونكم أو يعيشون في دواخلكم دون خيلاء أو تعال و نرجسية.. انصفوا صناع المجد المتواريين عن العرض، أو تواروا عنه خجلا و حياء و تواضعا، أو كانوا من ناكري الذات، أو خذلتهم الأقدار و ابتلتهم النحوس الكثيرة، و لم تعطهم الحياة فرصة متساوية مع غيرهم .. انحازوا للمستقبل و للإنسان أينما كان، و ستكونون عظماء كبار بشهرة أو دون شهرة.. يتبع..