قادري أحمد حيدر عبدالقوي عثمان .. ثمرة حلوة في فم الكلام.. تمثال فرح وأغنية لا تنام.. مبادرة نبيلة تتقدم.. شجاعة تتكلم. هذا هو باختصار عبدالقوي عثمان كما عرفته قليلاً من قريب، وكثيراً من بعيد. من أيام عديدة وهاجس صورته وأسمه لا يفارقني، ويلح عليّ في داخلي هم الكتابة عن السيد عبدالقوي النبيل والجميل، عبدالقوي عثمان، الإنسان أولاً وقبل كل شيء. وارتفعت حالة هذه الرغبة الحاحاً في الكتابة عنه مع الإيام الأولى من بداية هذا الشهر الفضيل، بعد أن حاصرتني جملة من الذكريات القليلة جداً معه، ذكريات على محدوديتها، وطابعها الأخلاقي والإنساني جعل منها تحتل مساحة كبيرة في روحي وفي تفكيري.. أحسست معها كم أنني مقصر بحقه، ومن هنا جاءت هذه الكتابة/ التحية له، رحمة الله تغشاه. مرة سألت الأستاذ الصديق، سعيد سيف ثابت الأديمي (أبن العم)، عن عبدالقوي عثمان، فكان رده المباشر: إنه ليس من أنبل وأشرف رجال تعز فقط، بل هو من أفضل وأشرف رجال اليمن، مبادراته الطيبة تطال الجميع بمن فيهم من ينافسونه في النشاط التجاري، لأنه في اعماقه يحب الجميع، وليس لديه فائض كراهية ليوزعه لأحد. بهذا المعنى تقريباً كان رد سعيد سيف، وكم كان صادقاً في قوله ذلك، له كل الرحمة والمغفرة. عبدالقوي عثمان إنسان نبيل.. كريم وشجاع.. بل هو أقرب للشجاعة في كل شيء. إنسان يستحق مني وأمثالي الكثير مما يلزم من مديح( جميل), القول الذي يضعه في المكانة التي يستحقها كإنسان.. حقاً هو تمثال فرح.. لحظة حنان في حياة الكثيرين حتى ممن لا يعرفونه مباشرة، فما بالكم بمن عرفوه عن قرب؛ ذلك أن فضائله وجمائله ومحاسنه طالت قطاعات واسعة من الناس دون حتى أن يعرف من هم، ما اسماؤهم أو مناطقهم، وهنا تكمن فيمته الاجتماعية والاخلاقية والإنسانية. حين تجد رجل أعمال ناجح ونظيف.. وليست لديه انحيازات أيديولوجية أو سياسية، ( مع أو ضد السلطة), بل يكاد لا تكون له صلة عملية بالمعنى والمفهوم الحرفي والمباشر للسياسة، وتراه يتطوع بتقديم ضمانات تجارية ليس لجهة تجارية مقابلة.. لحصول هذا الفرد أو ذلك الإنسان على فرصة عمل (وظيفة)، في مكان ما وهو ما كان يقوم به، على أن الأجمل والأصعب أنه كان يتبرع بتقديم ضمانات تجارية لجهة أمنية حساسة بل ومرعبة، لإخراج أسماء سياسية محسوبة على اليسار التقدمي الإشتراكي وعلى من هم سجناء رأي من مختلف الإنتماءات الفكرية والسياسية والحزبية، ومن مختلف المناطق اليمنية. فمثل هذا السلوك الاجتماعي والاخلاقي لا يقدم عليه إلا كبير .. إلا شجاع.. سلوك لا يعكس سوى القيمة الوطنية في عمقها الإنساني في داخله.. موقف وسلوك يدل على الكثير اخلاقياً ووطنياً وإنسانياُ.. سلوك يقول لك إنك أمام إنسان يحمل في أعماقه نظرة عميقة للمعنى الإنساني.. نظرة لا تتوافر إلا في القليل والاستثنائي من الناس، والحاج / الاستاذ، عبدالقوي عثمان هو من ذلك الاستثناء الجميل في حياتنا، ولذلك فالكبار أمثاله لا يموتون.. وعابرون للزمن. دون حديث فائض عن الحاجة للكتابة حول المسألة السياسية والوطنية وفي أحلك وأصعب الظروف، كان الحاج/ الأستاذ/ عبدالقوي عثمان الوحيد – أو هو يكاد يكون كذلك- في ساحة رجال المال والأعمال الذين يمكنني القول إنه – دونهم جميعا – ودون أي إدعاء هو من كان يدافع عن قضايا الحقوق والحريات السياسية دون عناوين صارخة إعلانية حول هذا المعنى .. حريات المعتقلين السياسيين دون أن تكون له صلة مباشرة بالعمل السياسي، بل ويمكن أن يكون غير متفق مع النهج والخط الأيديولوجي/ السياسي لمن يساهم في إطلاقهم من السجون من خلال ضماناته التجارية – أقول يمكن والله أعلم – لأن ما كان يحيرني، حتى قبل معرفتي بالحاج الأستاذ/ عبدالقوي، أنني كنت أسمع أن فلاناً / الرفيق خرج من السجن برسالة تعهد ضمانة تجارية من عبدالقوي عثمان، فبقيت الفكرة والأسم في ذهني وعلمت لاحقاً أنه خال لصديقي الشاعر النبيل، شوقي شائف سعيد، وسررت لذلك على أنني لم أتحدث مع شوقي حول مواقف خاله تلك في سياق هذه السنوات التي مرت. سألت بعض رجال الأعمال من الأهل عنه، فكان حديثهم عنه طيباً ومريحاً. خلاصة ما عرفته عنه أنه يمتلك قدراً عال من المرونة في إدارة أعماله، وما لفت انتباهي أن أحدهم – من رجال المقاولات من أبناء أديم – أكد لي من أنه كان بإمكانه ليس شراء فندق "دار الحمد", قبل هجمة تفويت "بيع" القطاع العام، واللعب في بورصة الأراضي، للفاسدين والمقربين، ولكنه لم يفعل ولم يقترب من هذا الدائرة الفاسدة، لأنه لم يكن لديه شراهة جشع الرأسمالي الطفيلي "اللص"، المرابي، ( شيلوك), مع أنه كان بإمكانه وبوسائل قانونية وشرعية أن يمتلك مساحات هائلة في قلب المدينةصنعاءوتعز والحديدة، وبقي ينمي رأسماله في تلك الحدود البسيطة النظيفة،التي تغنيه وأولاده عن الحاجة والسؤال, وأعمال الاعتداء على الأملاك العامة. بعد خروجي من السجن بشهر ذهبت إليه أنا وفيصل عبدالولي عبدالحق الأغبري، لأشكره، فقابلني وكأنه يعرفني من زمان بعيد بروح بشوشة، دون نصائح سوى ضرورة الهدوء والحذر لأن الأوضاع هي هي. وفي أثناء وداعي له داخل مكتبه، في فندق " دار الحمد", قلت له: أن دينه في عنقي ما حييت . وهذه الكتابة/ التحية، هي بعض من الوفاء لما كان منه، فقد أهداني شهراً أو سنة جديدة إضافية إلى عمري خارج السجن بضمانته، وهي بالنسبة لي أسمى وأرفع من أي هدية، ذلك أنها " اشياء لا تشترى", حسب تعبير الشاعر، أمل دنقل. هذا ما كان من الحاج الأستاذ/ عبدالقوي عثمان وستلاحظون وأنا أتحدث عنه ، أنني أجمع في صفاته بين الحاج، والأستاذ، فهو فعلاً يذكرني بمقام الرجال الكبار من التجار الأحرار اليمنيين، في الثلاثينيات والاربعينيات، والخمسينيات .. التجار الذين كانوا السند المالي، والممول الأول ، لحركة الأحرار اليمنيين، أمثال: الحاج والأستاذ/ أحمد عبده ناشر، عبدالله عثمان، سعيد علي الأصبحي، أحمد شمسان عون الأديمي، محمد عثمان ثابت، عبدالقادر أحمد علوان، عبدالغني مطهر ، وغيرهم كثير، الذين يجمعون بين الحاج والأستاذ، يجمعون بين التقليدي الجميل، والحداثي النبيل في الرؤية وفي القيم، والسلوك، بل وفي لغة الخطاب. فلا أتصور شخصيات تقليدية مكتملة الصفات من رجال ذلك الزمن، يمكن أن تكون بغير الصفات والسلوك الذي تمثله هؤلاء الرجال الكبار، ومنهم الإنسان عبدالقوي عثمان. عبدالقوي إنسان نبيل وشجاع.. إنسان خير بامتياز وقف بجانب الكثير من الناس البسطاء من السياسيين والمثقفين والأدباء، وغيرهم، كان يدعم بعضهم مالياً بين وقت وآخر، وهناك من كانوا يلجؤون إليه في الملمات والشدائد ولا يقصر مع أحد، ولا يعيد أحد خائباً، هذا ما سمعته وعرفته عنه من أصدقاء كثر.. شخصية معطاءة دون حدود، تركت أثراً طيباً في نفوس جميع من عرفوه / عرفوهم، ومن ساعدهم دون أن يعرفوه، وهم من جميع جهات جغرافية اليمن، شمالاً وجنوباً. ساهم، ابن عثمان، في تلك الظروف الصعبة في إخراج جوازات للعديد من أبناء الجنوب حين كانت جغرافية الجنوب تهمه سياسية، وكانت الضمانة التجارية للسياسي عموماً تصل حد الخيانة، ولا يقدم عليها سوى رجل شجاع مثل ابن عثمان .. اتذكر أن العديد من السجناء السياسين، انتظروا طويلا للحصول على الضمانة التجارية، وبقيوا في السجن، أشهرا أو أكثر من سنة، في انتظار الضمانة، حتى كانت شجاعة، عبدالقوي عثمان في التبرع بالضمانة، وهو ما كان مع الكثير من رجال المال والأعمال الذين كانوا يتهربون من تقديم هكذا ضمانات، وفي وضع صعب. حتى اليوم لم تغب عن ذاكرتي صورته وصوته في أحاديثه المقلة المقتضبة الموجزة وتعليقاته الساخرة الشعبية الخاطفة حول الشأن السياسي حين كان يتحدث مع عمر الجاوي في جلسة عشاء حول مائدة عشاء كان هو الداعي لها على شرف عمر الجاوي ،( إتحاد الادباء والكتاب اليمنيين), وكان حاضراً د. عبدالرحمن عبدالله إبراهيم، في صورة تعليقاته البسيطة الموحية والدالة باللهجة التعزية. وفي ختام ذلك العشاء، انفرد بالاستاذ، عمر بن عبدالله الجاوي، بعيداً عن عيون "العسس"، طالباً منه إبلاغ تحياته وسلامه لأبن عمه، حسب تعبيره، – المقصود- عبدالفتاح إسماعيل، وهو ما لفت نظري أكثر حول علاقاته ومواقفه التي ربطتها بعد ذلك بأشياء كثيرة سمعتها عن رجل الأعمال النبيل والشجاع الحاج والأستاذ/ عبدالقوي عثمان. له، ولأم محمد الرحمة- والمغفرة والخلود مع الطيبين والطاهرين، وإلى جنة الخلد إن شاء الله. للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا لقراءة وتحميل كتاب فضاء لا يتسع لطائر انقر هنا