في منزل صغير شمال قطاع غزة بلا كهرباء ولا ماء ولا ثلاجة ولا غسالة تزوج صبي فقير يبلغ 15 عاماً من ابنة عمه التي تصغره بعام ما أثار جدلاً واسعاً في الأراضي الفلسطينية. ورغم أن زواج صغار السن كان أمراً عادياً في السابق، فإن قصة زواج أحمد عماد صبح ذي الوجه الطفولي من ابنة عمه تالا تبدو كفيلم خيالي مثير للجدل في أوساط الشباب في هذا القطاع المحاصر والذي يغلب على سكانه التدين. ويعتقد أحمد الذي يحكي ببراءة لوكالة فرانس برس بأن زواجه سيفتح له باب الرزق، مضيفاً «أبي وأمي مريضان، وجميع أخوتي معاقون، ولا أحد يعيل العائلة، ما اضطرني إلى الخروج من مدرستي والزواج». وبعد أن ساعدته زوجته على ارتداء فانيلا صيفية حمراء اللون، أضاف: «ليس لدي عمل، ولكن أبيع ما أجمعه من زجاجات بلاستيكية (عبوات العصائر) التي أجمعها من الزبالة (القمامة)، وأبيع يومياً بثلاثة شواكل (أقل من دولار)». ويتابع «أنا أحب تالا، لذلك طلبت من عمي (والد الفتاة) أن أتزوجها، وقلت له إنني سأنتحر إن لم تزوجني تالا، فوافق، وعملنا حفلاً بسيطاً للفرح بمساعدة الجيران». ظاهرة خطرة ولكن منظمات حقوقية ترفض الزواج المبكر وتحذر من تداعياته. ويعتبر حمدي شقورة المسؤول في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن هذا الزواج «ظاهرة في غاية الخطورة تكرس انتهاكاً جديداً للأطفال»، مشدداً على «بذل المنظمات المجتمعية والمدنية كل جهد لخلق وعي، خصوصاً في المناطق المهمشة». وطالب شقورة برفع سن الزواج القانوني، إذ إن القانون الشرعي الحالي يسمح بزواج من هم فوق السادسة عشرة، حال توافر البلوغ والأهلية العقلية. وتشرح والدة العريس الطفل أم فريج (37عاماً) وأمامها موقد نار من الحطب «زوّجت أحمد من دون أن ندفع مهراً للعروس، ولكننا كتبنا في عقد الزواج أن المهر دين وسنقوم بسداده عندما تتحسن الأوضاع». وتأمل المرأة التي تعاني من الفشل الكلوي أن يفتح زواج ابنها المساعدة، مؤكدة «أمنيتي أن أرى البيت ممتلئاً بأولاده»، معبرة عن حزنها الشديد لعدم تمكنها من توفير حفل زفاف وحفل حناء للعروس مثل غيرها. يريدان إنجاب الأولاد وأعاد زواج أحمد في سن مبكرة أمه بالذاكرة، عندما تزوجت قبل عشرين عاماً، وعمرها لا يتجاوز السادسة عشرة من ابن عمها الذي يكبرها بعام، موضحة أن «المأذون كان مندهشاً ورفض في البداية التوقيع على عقد زواج أحمد، ولكن عندما تأكد من بلوغ الولد والبنت وافق». وتوضح العروس تالا أنه لا أحد أجبرها على الزواج وتقول «تزوجت من أحب وسأساعد زوجي في العمل لأننا فقراء، حتى تتحسن أحوالنا ونساعد العائلة، وأتمنى أن تصل إلينا مساعدات وكوبونات (مساعدات غذائية)، لأننا، الآن، أسرة». وبدت الفتاة الصغيرة الخجولة طويلة القامة سعيدة بزفافها بفستان أبيض، وتقول «فستان الفرح شحتة (سلفة) ولم أذهب للكوافير مثل العرايس». وتتابع بشيء من التحدي «نريد إنجاب الأولاد حتى يكبروا بسرعة ليساعدوا أبوهم المسكين». ويقاطعها أحمد مؤكداً «حرمت من التعليم لأنني لا أملك المال لشراء شنطة المدرسة والملابس والكتب، ولكن سأعمل ليل نهار، ليتعلم أولادي، ويصبحوا أطباء ومهندسين ويساعدوني، طموحي أن ابني بيتاً يسترنا ويحمينا من المطر والبرد». بانتظار المساعدات ويبدي الخبير النفسي سمير زقوت استياءه من هذه الحالة، قائلاً: «هذا النوع من الزواج خطر جداً، لأنهما طفلان غير مؤهلين نفسياً أو اجتماعياً، وسيعرض الأسرة إلى التفكك، وقد يؤدي إلى إنجاب أطفال مشوهين». ويتساءل زقوت المسؤول في برنامج غزة للصحة النفسية: كيف سيربي طفل أطفالاً؟ مبيّناً أنه «على الجهات المسؤولة وقف مثل هذا الزواج». ويقيم العروسان، حالياً، في غرفة في البيت الصغير المغطى بصفيح مهترئ ملأه الصدأ ومكون من غرفتين وزاوية كالمطبخ من دون أوان للطبخ ومن دون أجهزة كهربائية باستثناء ثلاجة قديمة حوّلها أحمد إلى خزانة، ولكنها فارغة. وتشكو أم فريج التي كانت تطعم اثنين من أطفالها المعاقين حركياً صلصة الفلفل الحار المطحون وبقايا حمص في صحن بلاستيكي عليه ذباب: «لا يوجد في البيت ثلاجة ولا غسالة ملابس ولا غاز للطهي ولا أدوات مطبخ ولا حتى ملابس». وعمدت تالا إلى صب الماء الساخن على رأس زوجها ليغسل شعره قبل خروجه للعمل، حيث كان قد أعد عربة صغيرة يجرها حصان ضعيف، وفي وسط المنزل كان هناك جهاز تنفس صغير لشقيقه الذي يعاني من أزمة في التنفس. ولا يستفيد أحمد وزوجته من المساعدات التموينية. ويقول أحمد «نتأمل من الأنروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) أن تساعدني لأنني شاب متزوج وأعيل أسرة». ويمثل زواج أحمد من تالا انتقالاً لعدوى زواج الصغار المنتشرة في اليمن، إلى قطاع غزة الذي يعاني سكانه من الفقر والحصار.