غازي محمد بن صالح* في زمنٍ اشتد فيه الصراع، وتفرقت فيه السبل، واحتدمت فيه الانقسامات، برزت شخصيات وطنية حملت على عاتقها همّ الوطن ورفضت الانجرار خلف دوائر الكراهية والطائفية والمصالح الضيقة. من بين هذه الشخصيات يبرز الفريق سلطان السامعي، عضو المجلس السياسي الأعلى بحكومة صنعاء، كأحد الأصوات التي بقيت تُنادي بالوحدة، وتدعو إلى مصالحة وطنية تُعيد لليمن توازنه واستقراره. جذور وطنية ومواقف جريئة ينحدر السامعي من محافظة تعز، المعروفة بتاريخها النضالي وتنوعها الثقافي والسياسي. ورغم التحديات الكبيرة التي واجهتها تعز خلال الحرب، ظل السامعي وفيًّا لمبادئه، حاملًا رؤية وطنية تتجاوز الاصطفافات، وتُعلي من شأن الدولة المدنية والمواطنة المتساوية. من أبرز مواقفه، دعوته الواضحة إلى نظام فدرالي يضمن عدالة توزيع السلطة والثروة، وينهي الهيمنة المركزية. وقد عبّر بوضوح عن قناعته أن "المصالحة الوطنية واجب ديني ووطني وإنساني، والمشاركة الفعلية في السلطة والثروة لكل اليمنيين هي الركن الأساس في استقرار وازدهار اليمن". صدى المبادرة: بين التأييد والتحفظ أثارت دعوة السامعي تفاعلاً واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية. كتب الصحفي عبدالكريم الخيواني: "مثل هذه الأصوات هي ما تحتاجه اليمن اليوم… صوت ينتمي للوطن لا للطائفة"، بينما اعتبر الكاتب سمير العبدلي أن "نداء السامعي للمصالحة هو ضوء خافت في نفق مظلم". ومن الجنوب، دعم الناشط الحقوقي عبدالله المفلحي هذه الدعوة قائلًا: "نحن بحاجة لخطاب يتحدث باسم اليمن، لا القوى المتصارعة". فيما أشار الصحفي محمد المقبلي إلى أن "مواقف مثل هذه تعيد تعريف الوطنية في زمن الاستقطاب". كما أيد عدد من الشخصيات السياسية الدعوة، أبرزهم عبده الجندي وياسر العواضي، اللذان اعتبراها "موقفًا جريئًا من رجل دولة يعرف خطورة المرحلة"، بينما اعتبرها البعض الآخر تنازلًا سياسيًا. إلا أن السامعي بقي متمسكًا برؤيته، مؤكدًا أن لا مستقبل لليمن إلا عبر توافق شامل، لا عبر الغلبة أو الإقصاء. بُعد إقليمي للمصالحة لا يمكن فصل دعوة السامعي عن السياق الإقليمي، فاليمن منذ بداية الحرب بات ساحةً مفتوحة للتجاذبات الخارجية، بين المحور السعودي–الإماراتي من جهة، والإيراني من جهة أخرى. وفي هذا المناخ المعقد، تأتي دعوته كصيحة نقيّة من قلب المعادلة، متقاطعة مع توجهات سلطنة عمان الداعمة للحوار، ومناقضة لرهانات الحسم العسكري. دعوة السامعي تختلف عن خطابات عبد الملك الحوثي التي تربط العفو بالعودة "لحضن الوطن"، دون أن تتحول إلى رؤية شاملة، كما تختلف عن استخدام علي عبدالله صالح لمصطلح "المصالحة" كمناورة سياسية في أواخر حكمه. تجربة مقارنة: دروس من لبنانوالعراق دعوة الفريق السامعي تعيد إلى الأذهان تجارب عربية سابقة. ففي لبنان، استطاعت القوى السياسية التوصل إلى اتفاق الطائف عام 1989 بعد حرب طويلة، وكان لوجود شخصيات وسطية مثل رينيه معوض دور مهم في كسر الانقسام. أما في العراق، فقد تعثرت مبادرات المصالحة بسبب الطائفية والمحاصصة، ما يدل على أن أي مصالحة لا تستند إلى عدالة انتقالية ومشروع سياسي جامع، لن تدوم. موقفه من داخل السلطة ما يُميّز السامعي أنه يُعبّر عن هذه الرؤية من داخل مؤسسات الحكم، لا من موقع المعارضة أو الخارج. بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين وجّه انتقادات علنية لتفشي الفساد والمحسوبية، وكشف عن تهميش صلاحياته داخل المجلس السياسي الأعلى، موجّهًا رسالة صريحة إلى زعيم جماعة أنصار الله. هذا الموقف الجريء، وإن تسبب له بعزلة سياسية، إلا أنه منحه احترامًا شعبيًا كبيرًا، وكرّسه كواحد من الأصوات النادرة التي تتحدث باسم الناس لا باسم السلطة. ختاما: بين الممكن والمأمول تشكل مبادرة الفريق سلطان السامعي بارقة أمل وسط ركام الحرب. وفي أفضل الأحوال، قد تتحول إلى نواة حوار وطني واسع، إن وجدت إرادة داخلية حقيقية وتراجع نسبي في التدخلات الخارجية. أما في أسوأ السيناريوهات، فقد تظل مجرد "صيحة في وادٍ"، ما لم تجد من يتبناها سياسيًا وميدانيًا. ومع ذلك، تظل دعوته تذكيرًا دائمًا بأن هناك يمنيين لم تنكسر إرادتهم، ولا يزالون يؤمنون أن السلام ليس استسلامًا، بل قوة أخلاقية ومشروع وطني جامع لا يستثني أحدًا. * كاتب وباحث عماني