غضب واسع من إعلان الحوثيين إحباط محاولة انقلاب بصنعاء واتهام شخصية وطنية بذلك!    لملس يفاجئ الجميع: الانتقالي سيعيدنا إلى أحضان صنعاء    "مشرف حوثي يطرد المرضى من مستشفى ذمار ويفرض جباية لإعادة فتحه"    "القصاص" ينهي فاجعة قتل مواطن بإعدام قاتله رمياً بالرصاص    "قلوب تنبض بالأمل: جمعية "البلسم السعودية" تُنير دروب اليمن ب 113 عملية جراحية قلب مفتوح وقسطرة."    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    تضامن حضرموت يحلق بجاره الشعب إلى نهائي البطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت بفوزه على سيئون    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    مجلس وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل يناقش عدداً من القضايا المدرجة في جدول أعماله    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    المنخفض الجوي في اليمن يلحق الضرر ب5 آلاف أسرة نازحة جراء المنخفض الجوي باليمن    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    غارسيا يتحدث عن مستقبله    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضية الجنوبية وتحديات المرحلة الانتقالية
نشر في الجمهورية يوم 22 - 05 - 2012

القضية الجنوبية أكثر قضايا المرحلة الانتقالية في اليمن تعقيداً وخطورة. فتعقيدها يرجع إلى طول عمرها الذي تعدى العشرين عاماً، وإلى تضخم آثارها وتداعياتها السياسية والاجتماعية والنفسية، وكذا من عدم الاتفاق على ممثليها، بالإضافة إلى ارتباطها المباشر بقضايا الإصلاح السياسي الأخرى مثل شكل الدولة، وطبيعة النظام السياسي (نظام الحكم) والنظام الانتخابي، فلا يمكن البت في هذه المسائل الجوهرية قبل أن تكون هناك صورة واضحة لمآلات القضية الجنوبية.. أما خطورتها فتنبع من ربطها على الدوام في الذهنية السياسية اليمنية بمفهوم الانفصال/فك الارتباط، الذي يمس وحدة اليمن ومصيره ومستقبله.
ما هية القضية الجنوبية وبداياتها
لا يوجد تعريف واحد ومحدد في الأدبيات السياسية اليمنية لمصطلح “القضية الجنوبية”، وهناك تباين نسبي بين معظم القوى السياسية الفاعلة على الأرض في توصيف وتعريف أحداث الجنوب لاسيما بعد قيام الحراك الجنوبي بتنظيم المسيرات والاحتجاجات السلمية مطلع العام 2007، بل إن بعض القوى إلى وقت قريب كانت تعترض حتى على مصطلح (القضية الجنوبية) وتفضل وصفها بأزمة سياسية أو ما شابه ذ لك، ويرجع هذا الاختلاف في توصيف ما يجري في الجنوب إلى اختلاف الأرضية السياسية والاجتماعية التي يتكئ عليها كل طرف، وإلى اختلاف مصالحهم ورؤاهم إزاء هذه القضية التي تتفاقم يوماً بعد يوم.
ولا يقتصر الخلاف على تعريف القضية الجنوبية وحسب، ولكنه يمتد إلى بداية ظهورها، فهناك من يرجع خلفيات القضية الجنوبية إلى الأيام الأولى لإعلان الوحدة في العام 1990، حيث يجادل أصحاب هذا الرأي بأن الخطوات التي تبنتها القيادات السياسية في الشطرين لم توفر الشروط الموضوعية الكافية لنجاح تجربة الوحدة الوليدة، وأول هذه الشروط التي لم تتوفر هو عدم الأخذ بالصيغة الفيدرالية عند قيام الوحدة، وعدم تحقيق هذا الشرط تحديداً ربما تتحمل نتيجته قيادة الحزب الاشتراكي وعلى رأسها الأمين العام للحزب آنذاك علي سالم البيض الذي أصر على الوحدة الاندماجية، وكان بمقدوره وقتها اشتراط الصيغة الفيدرالية، وهي الأنسب بالنسبة للحالة اليمنية، خصوصاً وأن التباين بين أنظمة الحكم وتوجهاتها السياسية والاقتصادية كان واضحاً، فالنظام في الشطر الجنوبي كان يتبنى النهج الماركسي وحكم النخبة المؤدلجة سياسياً واقتصادياً وفكرياً واجتماعيا، واقتصاده يسير على أساس التخطيط المركزي الذي تتدخل فيه الدولة، ويرتبط بعلاقات صداقة وتداخل مع الكتلة الاشتراكية، في حين النظام في الشطر الشمالي تحكمه المؤسسة العسكرية ومرتبط بحكم النظام القبلي التقليدي، كما يقوم اقتصاده على التحرر من قيود الدولة وعلى العلاقات الرأسمالية مع المعسكر الغربي؛ وبالتالي فقد كان التدرج في الوحدة من المنطلق الفيدرالي هو الأفضل بحيث يسهل عملية الاندماج بين مؤسسات الدولتين ويتيح فرصة مهمة للتغلب على التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيما بينهما.(2)
وعلى الرغم من وجاهة هذا الطرح والحقائق التي يحملها، إلا أن هناك ما يشبه الإجماع اليوم بين معظم القوى السياسية على أن جذور القضية الجنوبية تعود إلى ما بعد حرب صيف 94، حيث أدت الحرب إلى انقلاب الطرف المنتصر على اتفاقية الوحدة ودستورها، وكذا على وثيقة العهد والاتفاق الموقع عليها من قبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض في العاصمة الأردنية عمان في فبراير من العام 94، والتي كانت تمثل الإجماع الوطني والمخرج الحقيقي والآمن من الأزمة التي عصفت بالبلاد في ذلك الوقت.
ومن ثم؛ فإن الآثار والتداعيات الحقيقية للقضية الجنوبية بدأت بعد حرب صيف 94 حيث لم يستغل النظام السابق الفرصة التاريخية التي سنحت لتقييم ومراجعة كل السياسات والممارسات التي أدت إلى تأزيم الأمور ومن ثم تفجر الوضع عسكرياً، خصوصاً وأن جزءاً ليس بالقليل من أبناء المحافظات الجنوبية -حتى بعد الحرب- ظنوا خيراً في الطرف المنتصر واعتقدوا أن لديه المصداقية والقدرة على تجاوز آثار الحرب وتداعياتها السياسية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل على العكس عمقت سلطة ما بعد 94 من آثار الحرب وتداعياتها من خلال مجموعة من الممارسات والسياسات الخاطئة التي قضت على الكثير من مكتسبات أبناء المحافظات الجنوبية فسادت ثقافة القبيلة بعد عقود من ترسخ المجتمع المدني في الجنوب منذ فترة الاستعمار البريطاني وما بعدها، وفقد الكثير من الجنوبيين مظلة الحماية الاقتصادية التي كان يوفرها لهم النظام الاشتراكي، وتم عسكرة مدن الجنوب، وتغيير الكثير من المعالم الوطنية والتاريخية حتى طالت أسماء الشوارع والمدارس والمساجد، “كما أقدم النظام السابق على إسناد الوظائف العسكرية والأمنية الكبيرة في الجنوب لعناصر من الشمال قريبة منه قبلياً ومناطقياً كما وزعت لهؤلاء المقربين امتيازات نفطية كبيرة في الجنوب، وتم كذلك مصادرة ونهب الكثير من الأراضي والبيوت ومزارع الدولة لصالح النظام وحلفائه في الحرب”،(3).
والأسوأ من كل ذلك هو قيام النظام السابق “بتسريح معظم قادة وأفراد الجيش والأمن وإحالتهم إلى التقاعد والبالغ إجمالي عددهم (82200) فرد، كما بلغ عدد المحالين إلى التقاعد الإجباري (566616) من أصل (680000) من إجمالي الموظفين والعاملين في القطاع المدني في الجنوب”.(4)
كل تلك الممارسات وغيرها جعلت معظم الجنوبيين يفقدون الثقة في النظام، ومن إمكانية الإصلاح وتحسين أوضاعهم على المستويات كافة. وشيئاً فشيئاً ظهر على السطح التململ الشعبي في الجنوب وتصاعدت حدة الاحتقانات والاضطرابات الأمنية والسياسية، ومن هنا كانت بدايات القضية وبروز الحراك الجنوبي.
الحراك والقضية الجنوبية
بعد حرب صيف 1994 ظنت القوى السياسية المنتصرة، انه بانتهاء الحرب انتهت الأزمة السياسية، وبالتالي تفرغ شركاء الحكم “الجدد” (الإصلاح والمؤتمر) إلى تقاسم مغانم ما بعد الحرب في السلطة وإدارة مؤسسات الدولة، وكان أن أهملت القضية الجنوبية ومعالجة كل الآثار السلبية التي نجمت عن الحرب، خصوصاً في شقيها السياسي والاجتماعي لصالح تنافسي سياسي جديد أخذ يتحول شيئاً فشيئاً إلى صراع سياسي بين شريكي الحكم، حسم في الانتخابات البرلمانية العام 1997 لصالح المؤتمر الشعبي الذي حصد أغلبية نيابية مكنته من الحكم وإدارة مؤسسات الدولة منفرداً.
ونتيجة لإهمال وتجاهل الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية لحرب 1994 من قبل النظام السابق بدأت تتشكل في العام 1998 لجان شعبية في عدد من المحافظات الجنوبية والشرقية ترفض نتائج الحرب وتدافع عن حق أبنائها في التوظيف والسكن وتوزيع الأراضي، ثم بعد ذلك تأسس ما عرف باسم “ ملتقى أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية” في العام 2001، وفي العام 2006 جرى تنظيم ملتقيات التصالح والتسامح بين الجنوبيين أنفسهم، وذلك بغرض طي صفحة الصراعات الدموية على السلطة بين القيادات الجنوبية، خاصة تلك التي حدثت في 13 يناير من العام 1986.(5)
وفي العام 2007، وتحديداً في شهر مارس تشكلت جمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين بقيادة العميد الركن ناصر النوبة، وضمت عشرات الالآف من أبناء المحافظات الجنوبية الذين طالبوا بعودتهم إلى الخدمة والوظيفة العامة وتعويضهم عما لحق بهم جراء سياسة الإقصاء والتهميش التي مارسها بحقهم النظام السابق.
ومرة أخرى، ونتيجة لعدم قدرة السلطات على التعامل بشكل إيجابي مع المطالب الحقوقية لأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية والتلكؤ والمماطلة في الاستجابة لها، اتسع نطاق الحراك ليشمل معظم محافظات ومكونات الخريطة السياسية والاجتماعية في الجنوب، بل أكثر من ذلك تحولت المطالب الحقوقية إلى دعوات سياسية تطالب بفك الارتباط بين الشمال والجنوب لاسيما بعد لجوء قوات الأمن إلى قمع الحراك الجنوبي بالسلاح والعنف بشكل مبالغ فيه.
أما الآن وفي إطار المرحلة الانتقالية؛ فإن الحراك الجنوبي يشكل عنصراً أساسياً من عناصر حل القضية الجنوبية، ولا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال في مؤتمر الحوار الوطني القادم، ولكن المشكلة تكمن في تعدد مكوناته وانقسامه على نفسه، وتشدد بعض أطرافه، وهذا لاشك سيؤثر سلباً على الحوار الوطني وربما على المرحلة الانتقالية برمتها.
أحزاب المعارضة والقضية الجنوبية
من الواضح أن مواقف القوى السياسية، وبالتحديد الأحزاب الرئيسية الكبرى من القضية الجنوبية كان متأرجحاً إلى حد ما، فموقف حزب الإصلاح على سبيل المثال في العام 94 وما بعدها يختلف كثيراً عن موقفه اليوم، فقد كان حزب الإصلاح آنذاك شريكاً رئيسياً لحزب المؤتمر الشعبي في الحرب، وفي الحكومة التي تشكلت عقب الحرب (94 - 97)، على أنقاض الحزب الاشتراكي، ومن ثمَ على حساب الشراكة السياسية بين الشمال والجنوب التي تضمنتها اتفاقية الوحدة في العام 1989، وعلى الرغم من أن حزب الإصلاح قد دعا الحكومة في البيان الختامي لمؤتمره العام الأول الذي عقد بعد شهرين تقريباً من انتهاء الحرب إلى معالجة آثار الحرب وإزالة مخلفاتها وتعمير المناطق المتضررة، ودعا الجميع للإسهام في عملية البناء والنظرة إلى المستقبل بكل تفاؤل، إلا أن نظرته لطبيعة المعالجات والإصلاح كانت تختلف كليةً عن مفهومها عند الحزب الاشتراكي أو عند مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة الذي كان يضم وقتها إلى جانب الاشتراكي 5 أحزاب أخرى وهي الوحدوي الناصري، البعث القومي، اتحاد القوى الشعبية، حزب الحق، التجمع الوحدوي، لاسيما وأن معظم الآثار والتداعيات السلبية لحرب صيف 94، حدثت بعد مؤتمر الإصلاح الأول.(6)
وبالتالي لم يكن مستغرباً وقتها أن يكون موقف حزب الإصلاح متطابقاً إلى حد كبير مع موقف حزب المؤتمر الشعبي العام، فالحزبان كانا يرفضان دعوة الحزب الاشتراكي لإجراء مصالحة وطنية شاملة ومعالجة آثار وتداعيات حرب صيف 94 وتطبيق وثيقة العهد والاتفاق، باعتبار أن “هزيمة 94” وخروج الحزب الاشتراكي من السلطة وصدور قرار العفو العام قد حقق المصالحة المطلوبة.
بالطبع موقف حزب الإصلاح من القضية الجنوبية تغير أكثر من مرة منذ حرب صيف 94، وقد خضعت تلك المواقف لتغير طبيعة التحالفات السياسية وتغير ظروف كل مرحلة. غير أن موقف حزب الإصلاح في اللحظة الراهنة، وفي إطار أحزاب اللقاء المشترك يبدو الأكثر ثباتاً، وقرباً من موقف بقية الأحزاب المنضوية في اللقاء المشترك ولا سيما الحزب الاشتراكي.
وإذا انتقلنا في هذا الإطار إلى الحزب الاشتراكي، فسنجد أن موقفه هو الآخر من القضية الجنوبية اتسم بالضبابية وعدم الثبات، وعلى الرغم من أن الحزب كان الأكثر تضرراً من حرب 94، إلا أنه تأخر كثيراً في بلورة رؤية سياسية شاملة حيال القضية الجنوبية وسبل حلها، وقد يعود السبب في ذلك من جهة إلى الأزمة السياسية والاقتصادية التي عانى منها الحزب بعد الحرب وانهماكه في الحفاظ على بقائه وتماسكه خصوصاً وأن أحد أهداف الحرب الرئيسية كانت القضاء على الحزب وإخراجه نهائياً من اللعبة السياسية الداخلية، ومن جهة أخرى إلى الخلافات التي دبت في أوساطه لاسيما بين تيارين، الأول عرف بتيار إصلاح مسار الوحدة وأبرز رموزه محمد حيدرة مسدوس وحسن باعوم، وقد نادى هذا التيار بعد الحرب مباشرة بضرورة إصلاح مسار الوحدة وإزالة آثار الحرب، والبحث عن ضمانات دستورية لشراكة أبناء الجنوب في السلطة والثروة، وذلك عبر حوار شمالي جنوبي، وذلك يستوجب إعادة النظر في اتفاقية الوحدة نفسها، وهو ما قوبل بالرفض من التيار الثاني والذي كان يشكل الأغلبية داخل الحزب وهو تيار الإصلاح السياسي والمصالحة الوطنية الذي كان يركز على المصالحة الوطنية بين كافة شركاء الحياة السياسية وذلك من خلال “الاتفاق على برنامج شامل وتفصيلي للإصلاح السياسي، وبما يكفل تطوير النظام السياسي على أسس جديدة وإزالة جميع المعوقات التي برزت خلال تجربة الأعوام الماضية وإعطاء الوقت الكافي لمناقشة كافة التفاصيل المتصلة بالتداول السلمي للسلطة والأسباب الحقيقية التي تعيق تطبيق ذلك الشعار. وقد ظل الحزب في تلك الأثناء يؤكد على جملة من المطالب في مقدمتها الالتزام بتطبيق قرار العفو العام، وإلغاء جميع الإجراءات الاستثنائية التي ارتبطت بالحرب، وإلغاء الأحكام التي صدرت بحق قائمة ال 16 وتشجيع جميع اليمنيين الذين دفعت بهم الأحداث للنزوح إلى الخارج على العودة إلى بلادهم بدون استثناء وإعادة ممتلكاتهم أو التعويض عنها. إعادة الكوادر المدنية والعسكرية والأمنية ما دون المناصب السياسية إلى وظائفها وفقاً للقانون وشروط الخدمة، وتأكيداً لإبعاد الوظيفة العامة عن الاستخدام في الصراع السياسي.. إعادة مقرات وممتلكات الحزب الاشتراكي، وكذلك أرصدته المالية التي تم مصادرتها وتجميدها بعد الحرب.
تعويض الممتلكات التي تضررت جراء الصراعات السابقة ووضع خطط عملية لإعادة بناء ما دمرته حرب صيف 1994.(7)
وفي العام 2007 - 2008، ومع تصاعد موجة الغضب والاحتجاجات لدى الحراك الجنوبي بدأ الحزب الاشتراكي يتكلم علناً وبصوت مرتفع عن القضية الجنوبية، ويقترب أكثر في أطروحاته من التيار الذي كان يوصف بالمتشدد تيار إصلاح مسار الوحدة، وقد لقيت مواقف الحزب الجديدة تفهماً من قبل بقية أحزاب المعارضة في اللقاء المشترك، وفي مارس 2009 أنجزت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني والتي تضم إلى جانب أحزاب اللقاء المشترك طيفاً متنوعاً من قوى وأحزاب وتكتلات وطنية وشخصيات اجتماعية وسياسية بارزة مشروع رؤيتها للحوار الوطني والذي شخصت فيه بشكل مفصل أسباب الأزمة والانسداد السياسي، وطرحت رؤيتها للحلول المناسبة، ومن بين أهم القضايا التي تناولتها تلك الرؤية هي القضية الجنوبية، التي تم الاعتراف بها من قبل اللجنة بشكل صريح وواضح، حيث تضمن بند الحلول والمعالجات في رؤية اللجنة التنظيمية للحوار الوطني «حل القضية الجنوبية بأبعادها الحقوقية والسياسية، حلاً عادلاً وشاملاً، يضع الجنوب في مكانه الطبيعي كطرف في المعادلة الوطنية، وكشريك حقيقي في السلطة والثروة».
إذن من الواضح أن هناك شبه إجماع وطني الآن على الاعتراف بالقضية الجنوبية، وعلى ضرورة حلها في أسرع وقت وبأقل الخسائر الممكنة، بيد أن المشكلة الراهنة تكمن في أن الاعتراف بالقضية الجنوبية بين معظم القوى السياسية لا يعني بالضرورة توافقاً على آليات حلها وسبل معالجة تداعياتها المستمرة.
المرحلة الانتقالية وتحدي القضية الجنوبية
لاشك أن العملية الانتقالية في اليمن وتحديداً في ظل الانفلات الأمني، وخروج بعض المناطق والمحافظات عن سيطرة الدولة، وفي ظل انقسام الجيش ستزداد صعوبة وتعقيداً، حيث سيكون على السلطة الانتقالية العمل في أكثر من جبهة، وهذا بالطبع يشتت الجهود ويعيد ترتيب الأولويات، فالاستقرار الأمني والقضاء على بؤر التوتر والصراع بات اليوم المدخل الرئيسي لمعالجة كل المشاكل الأخرى وتهيئه المناخ الايجابي للخوض في الحوار الوطني، وإلا ستتمدد حالة العنف والفوضى لدرجة يمكن أن تهدد فيها بقية الملفات وتعرقل المسار الشاق للتسوية السياسية.
وفي حال تجاوزنا هذه الملفات الشائكة التي تواجه المرحلة الانتقالية وركزنا على القضية الجنوبية ؛ فعلينا أولاً أن نتطرق لموقع القضية الجنوبية في المبادرة الخليجية كونها تمثل أساس التسوية السياسية وخارطة الطريق للمرحلة الانتقالية، ومن ثم نتطرق إلى المبادرات المطروحة لحلها، وأخيراً التحديات والحلول المقترحة.
القضية الجنوبية والمبادرة الخليجية
لم يأتِ ذكر القضية الجنوبية والحراك في المبادرة الخليجية إلا في فقرتين الأولى تحت بند مؤتمر الحوار الوطني، ونصها: “مع بداية المرحلة الانتقالية يدعو الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل لكل القوى والفعاليات السياسية بما فيها الشباب والحراك الجنوبي، والحوثيون وسائر الأحزاب وممثلون عن المجتمع المدني والقطاع النسائي، وينبغي تمثيل المرأة ضمن جميع الأطراف المشاركة”.
والثانية “ يقف الحوار أمام القضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني عادل لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه”.
والواقع أن كلتا الفقرتين لم ترضِ الكثير من مكونات الحراك الجنوبي والكثير من الشخصيات السياسية والاجتماعية في الجنوب، حيث نظر هؤلاء أن المبادرة الخليجية لم تعطِ القضية الجنوبية حقها من الاهتمام ولم تشر لها إلا ضمن فقرات عامة تخص الحوار الوطني، فضلاً عن أن الفقرة الثانية وضعت سقفاً مسبقاً للقضية الجنوبية عندما حصرت الحلول تحت سقف وحدة اليمن واستقراره. لذلك اعتبر الكثير من القادة الجنوبيين وعلى رأسهم علي سالم البيض الذي يطالب منذ سنوات بفك الارتباط وقوى الحراك أنفسهم غير معنيين بالمبادرة الخليجية وبمؤتمر الحوار الوطني.
وبالرغم من ذلك ما زالت هناك قوى سياسية فاعلة ومعنية بالقضية الجنوبية تؤيد الحوار، ولكن بشروط، وفي مقدمة هذه القوى الحزب الاشتراكي اليمني الذي أصدرت أمانته العامة بتاريخ 29 أبريل الماضي بياناً تضمن دعوة إلى رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني إلى اتخاذ جملة من القرارات المتصلة بالقضية الجنوبية من شأنها التمهيد لحوار وطني جاد، وفي مقدمة هذه القرارات توجيه اعتذار رسمي لأبناء الجنوب لما لحق بهم من أضرار جراء السياسات التي انتهجها النظام بعد الحرب. كما صرح قاده جنوبيون آخرون بتأييدهم للحوار إذا كان يعيد الاعتبار للقضية الجنوبية.
القضية الجنوبية والخيارات المطروحة
بعد قيام الثورة الشعبية مطلع العام الماضي تبلورت أكثر من رؤية ومبادرة لحل القضية الجنوبية، وهي رؤى تتراوح بين خيار الانفصال، كما يطرحها بعض المتشددين في الحراك، وبين خيار الحكم المحلي واسع الصلاحيات، وبينهم صيغ مختلفة أخرى من كونفدرالية، وفيدرالية، سواء بإقليمين أوعدة أقاليم. بالنسبة لبعض مكونات الحراك الجنوبي المتشدد والتي تنادي بالانفصال والمدعومة من قبل بعض القيادات التاريخية والسياسية بالنسبة للجنوبيين كعلي سالم البيض، ترى أن الانفصال هو الخيار الأمثل لحل مشاكل الجنوب، وأن الجنوبيين بحسب هذه المكونات فقدوا الثقة في النخبة السياسية الشمالية، وإن من حقهم تقرير مصيرهم استناداً إلى القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن (924) و (931)، في يونيو 1994، حيث جاء في القرارين دعوة لطرفي الصراع لحل مشاكلهم بالحوار وليس من خلال استعمال القوة، ونوها إلى بقاء هذه المسألة قيد النظر.
والواقع أن هذا الفصيل، وعلى الرغم من أنه صاحب الصوت الأعلى في الجنوب مازال كبقية المكونات الأخرى غير قادر على انتزاع تفويض صريح من الجنوبيين بتمثيلهم أو الحديث باسمهم، لا سيما وأن هناك أطرافاً أخرى في الحراك وعلى رأسها المجلس الأعلى للحراك الجنوبي بقيادة العميد عبدالله الناخبي أيدت الثورة الشعبية ودعت إلى اصطفاف وطني لا يستثني أحداً في الشمال أو الجنوب لمواجهة النظام وإسقاطه.
ومن الصيغ الأخرى المطروحة لحل القضية الجنوبية والتي تحظى بفرص جيدة لتطبيقها هي الصيغة الفيدرالية بإقليمين شمالي وجنوبي، وهذه الرؤية تبناها بشكل قوي وصريح المؤتمر الجنوبي الذي عقد في القاهرة من 20 - 22 نوفمبر 2011، وبحضور عدد كبير من أبناء المحافظات الجنوبية وعلى رأسهم الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، ورئيس مجلس الوزراء الأسبق حيدر أبوبكر العطاس.
القضية الجنوبية: التحديات والمعالجات المطلوبة
سبق وأن تم الإشارة إلى أن القضية الجنوبية تعد من أصعب القضايا وأكثرها تعقيداً من بين كل القضايا المزمع مناقشتها في مؤتمر الحوار القادم، والواقع أن أبرز التحديات التي تواجه القضية الجنوبية هو عدم وجود حامل سياسي شرعي ووحيد متفق عليه بين أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، فالحراك الجنوبي منقسم على نفسه، وتشهد مكوناته صراعاً مستمراً حول الزعامة والتمثيل، وهو مازال غير قادر على بلورة رؤية محددة وواضحة لمشروعه ورؤيته المستقبلية للقضية الجنوبية وآليات تحقيقها. فضلاً عن ذلك، فإن الحراك الجنوبي وخصوصاً المنادي بفك الارتباط يعاني عزلة إقليمية ودولية، حيث تشير كل المعطيات إلى أن القوى الإقليمية والدولية غير مستعدة لدعم خيار فك الارتباط، وهذا الخيار غير مقبول بالنسبة لها، لأنه كما ترى تلك القوى سيضر بمصالحها في المنطقة، ومن هنا كان دعمها الواضح والصريح لوحدة اليمن واستقراره.
حتى إيران التي تدور شكوك كثيرة حول دورها في الجنوب، لا توجد لها مصلحة مباشرة في دعم خيار فك الارتباط، وبالتالي لا يعدو دورها الملتبس في الجنوب، سواء عبر الإعلام أو التواصل مع بعض القوى الرافضة للمبادرة الخليجية، أن يكون أكثر من مجرد تشويش على السعوديين والأمريكان أصحاب المبادرة والراعين لها، ومحاولة للابتزاز والمساومة في ملفات أخرى خارج اليمن.
الهوامش
1 - معتز سلامة “هل يؤدي اتفاق نقل السلطة إلى استقرار اليمن”، مجلة السياسة الدولية، العدد 187، يناير 2012، ص115.
2 - العتيببي، سرحان بن دبيل، “الوحدة اليمنية: مقوماتها، اتجاهاتها ومستقبلها”، مجلة شؤون اجتماعية، العدد 82، 2004، ص37.
3 - علي محسن حميد، “ثورة اليمن: بين صراعات الداخل وحلول الخارج”، مجلة شؤون عربية، العدد 149، 2012، ص207.
4 - محمد علي أبو بكر السقاف، “الحراك الجنوبي فاعل غير رسمي في اليمن، الفاعلون غير الرسميين في اليمن: أسباب التشكل وسبل المعالجة”، سلسلة أوراق الجزيرة رقم 26 ، الطبعة الأولى، 2012.
5 - المصدر نفسه
6 - زايد جابر، الأزمة السياسية والأحزاب، ملحق قراءات الشهري، مركز البحوث والمعلومات بوكالة الأنباء اليمنية سبأ، يوليو، 2009.
7 - المصدر نفسه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.