عبد الوهاب قطران في صنعاء، المدينة التي طالما عُرفت ببرودتها المسائية، بات صيفها هذا العام يختبر صبر ساكنيها. لا نسيم في الأفق، ولا مكيفات تكفي، والحر يسري في الجدران كما تسري الحكايات في المجالس. في مثل هذه الليالي، يصبح السطح ملاذًا، والهواء رزقًا، والناموس خصمًا لا يُقاوَم. "أنين الصيف في صنعاء" يا إلهي، ما أشد القيظ الليلة، وما أضيق هذه الكُتمة الخانقة! إذا كان هذا حال صنعاء المعتدلة والمنعشة، فكيف هو حال التهايم؟ قبل يومين، استبقت شدة القيظ، فاستدعيت من الورشة ابن خولان الطيال بماكينة لحام، وطلبت منه أن يفصّل نافذة على تلة باب بيت الدرج. تجاوبت مع النافذة الشرقية، فدخل النسيم، وشعرنا بارتياحٍ مؤقت. لكن الليلة؟ لا شيء نفع… لا ريح، لا راحة. صعدتُ إلى السطح، نصبتُ المصباح تحت المخيم، وجلستُ أمام شجرة الكافور الباسقة. همس النسيم، فانتعشتُ قليلًا. لكن… ما يجتمع الكعك مع الأسنان! تهافت الناموس من كل حدب وصوب، وبدأ ينهشني بلا حياء، تحت ضوء المصباح. أطفأته، وهرولت عائدًا إلى مجلسي، مفضّلًا أهون الشرين: الكتمة والحر، على لذع الناموس! وهكذا، بين قيظ لا يُحتمل وناموس لا يُحتمل، تظل صنعاء تُربّينا على الصبر، وتذكّرنا — رغم كل شيء — أن الهواء النقي قد لا يُشترى، وأن أبسط النِعَم قد تكون أعظمها.