د. عامر الكريمي في جنازة اتسمت بالهيبة والوقار، تقدّم الشيخ حمير عبد الله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ حاشد واليمن، جموع المشيعين في الطويلة (المحويت) مودِّعًا الشيخ زيد بن محمد أبو علي لروحه السلام والأمان. هذا الحضور المتميز بعث رسالة واضحة: عمودا همدان حاشد وبكيل أدركا اليوم أن تثبيت السِّلم الأهلي ورأب النسيج الوطني والجمهوري يبدأ بوحدة الصف القبلي. فسنوات التيه كشفت لنا كيف أن الصراعات الحزبية والمذهبية تفتك بالمجتمعات، وتفتح الأبواب واسعًا أمام قيم غريبة ودخيلة، هددت رصيد اليمنيين من التسامح والترابط، كقطع الطرقات، وانتهاك حرمة المسافرين، وملف الأسرى، والنصرة والنجدة في الكوارث.. لكن القبيلة أثبتت مؤخرًا أنها، حين تتجاوز الاصطفافات الضيقة، تستطيع ترميم ما تصدّع. ودليل ذلك ما سمعنا عن الوساطة التي قادها الشيخ حمير الأحمر والشيخ سلطان السامعي قبل أسابيع، فأنهت سنوات من إغلاق الطريق الدولي بين صنعاء وعدن، وأعادت شريانًا حيويًا للحياة. إنّ كل خطوة تُعزّز الوعي القبلي الجامع استثمارٌ مباشر في حاضر اليمن ومستقبله.. فحين تتشارك القبلية اليمنية إحساسًا وطنيًا صادقًا، تُدرأ الصراعات، وتُصان الهوية الجمهورية الوطنية الوحدوية، ويُمهَّد الطريق لانطلاقة جديدة نحو مصالحة حقيقية راسخة تتجاوز ضيق الانقسامات. أثق جدًّا في دور القبيلة في استعادة ما أفسده دهاقنة الأحزاب والمذاهب، فقط اتركوها تقول قولها وتضع بصمتها، لا أحد سيخسر غير تجار الأزمات.. وأثق كذلك بشيخ مشايخ اليمن، والذي لا شك أنه استلهم الدروس والعِبر من فترة الانقسامات والتجاذبات السلبية في الفترات الماضية، وسيعمل جاهدًا مع كل القبائل للتصحيح والتجاوز، وجمع كلمة القبيلة لتقول كلمتها في إنهاء هذه الدوامة، وتجنيب البلاد الخيارات الكارثية.