تستعد مدينة تعز اليمنية لاحتضان الاحتفالات اليمنية بالذكرى العشرين للوحدة اليمنية المقرر إجراؤها في 22 الشهر الجاري، هذه المدينة التي يقترن اسمها دائما في وسائل الإعلام ب'المدينة الحالمة'، ربما لكبر أحلامها وكثرة احتياجاتها للمشاريع التنموية وقلة الانجازات التي تحققت فيها. كان القرار الحكومي قبل ثلاث سنوات بإقامة الاحتفالات اليمنية بالذكرى العشرين للوحدة اليمنية في مدينة تعز هذا العام مصدر سعادة لأبنائها، كونها أخيرا ذُكرت ومُنحت فرصة احتضان هذه المناسبة العظيمة لتحقيق أحلامها التي كثيرا ما تطلعت إليها من مشاريع البنية التحتية الأساسية التي تفتقر إليها والتي غالبا ما تنجز في المدن التي تعقد فيها الاحتفالات. ومؤخرا تفاءل الناس خيرا عندما اعلن محافظ تعز حمود خالد الصوفي أن مدينة تعز ستكون 'حاجة ثانية' عند احتضانها للاحتفال بذكرى الوحدة اليمنية، غير أن الكثير من زوارها هذه الأيام تفاجأوا بعدم وجود أي جديد طارئ عليها يستحق الذكر، سوى صيانة بعض الشوارع الموجودة أصلا وإجراء بعض (الترقيعات) عليها بطريقة اسعافية خيّبت الآمال وبخّرت الأحلام. فكرة إقامة الاحتفالات الوحدوية في المدن اليمنية بدأت تسويقية وإنعاشية للمدن النائية قبل نحو عشر سنوات، عندما قررت الحكومة اليمنية إقامة الاحتفالات بذكرى الوحدة كل سنة في مدينة وكانت تضخ لها ميزانية كبيرة لتحسين واستكمال بنيتها التحتية وتسليط الأضواء عليها أمام العالم الخارجي من قبيل التعريف بأن هناك مدنا مهمة أخرى غير العاصمة صنعاء. في الاحتفال الأخير بذكرى الوحدة الذي أقيم في مدينة إب قبل ثلاث سنوات شعرت الحكومة أن تنفيذ المشاريع هناك تم على عجل بطريقة (الكم) دون الالتفات ل(الكيف) نظرا لضيق الوقت، فقررت تأجيل الحفل المقبل في تعز ثلاث سنوات، لإتاحة الفرصة لها لتنفيذ كافة مشاريعها الكثيرة والكبيرة بتأنّ ونوعية عالية، غير أن هذه السنوات الثلاث مرتّ مرور الكرام ولم تبدأ السلطة المحلية بتنفيذ، لا أقول المشاريع، ولكن بعض الترميمات إلا قبل ثلاثة اسابيع فقط من يوم الاحتفال وكأن المحافظ الصوفي يريد القول اننا تمكنا من إنجاز الكثير لاستقبال هذا الحفل خلال وقت قياسي. التعليقات كثيرة في الشارع التعزي على المحافظ الصوفي وعلى احتفالات تعز الوحدوية، منها (كيف تعد لحفل كبير في خمسة أيام) و(كيف تبني مشاريع في خمسة أيام) و(كيف تحفر بئرا في خمسة أيام)، هذه التعليقات تضاعفت على المحافظ أيضا إثر انشغاله الدائم بقضايا منطقة شرعب التي ينتمي إليها، لدرجة أن البعض يطلق عليه لقب (محافظ شرعب) بدلا من محافظ تعز، حيث شعروا أنه انشغل بمشروعه (الشرعبي الصغير) على حساب (مشروع محافظة تعز الكبير) وفقا للعديد من المراقبين. سكان تعز ممن التقيت بهم خلال اليومين الماضيين في هذه المدينة يؤكدون أنهم لم يلاحظوا أي شيء جديد أو مختلف هذه الأيام غير كثرة العسكر والنقاط الأمنية التي انتشرت في كل ركن من أركان الشوارع ومداخل المدينة، خاصة مع قدوم الرئيس علي عبد الله صالح إليها السبت الماضي، على الرغم من أنها من أكثر المدن اليمنية أمانا وأقربها إلى قلب الرئيس صالح، حيث كانت آخر منطلق له للصعود إلى كرسي الرئاسة نهاية السبعينات من القرن الماضي. كان أبناء تعز وغيرهم (يحلمون) أن يتحقق في هذه المدينة الكثير من المشاريع مثلما تحقق في مدن أخرى سبقتها في احتضان الاحتفالات بذكرى الوحدة، كمدن عدن، المكلا، الحديدةوإب التي تحوّلت جميعها فعلا إلى مدن غاية في الجمال والروعة ونقلتها نقلة نوعية إثر تنفيذ مشاريع عملاقة فيها من سفلتة الشوارع وإعادة تأهيل القديم منها وتوسيعها ونشر أعمدة الإنارة في كل مكان فيها بالإضافة إلى تنفيذ المشاريع الخدماتية والجمالية الأخرى. كان الجميع ينتظر أن تتحول مدينة تعز إلى (حاجة ثانية) أي أن تتحول إلى شيء آخر غير وضعها الحالي، كما وعد المحافظ بذلك، لكن كل هذه الوعود تبخرت على أرض الواقع وكأن الأحلام محرمة على هذه المدينة الحالمة، خشية من تلاشي هذا اللقب الذي أطلق عليها منذ أمد بعيد. المشاريع الطموحة التي كانت تنتظرها مدينة تعز بهذه المناسبة، تتمحور حول رصف وسفلتة الشوارع وفتح طرق جديدة في الأطراف للتخفيف من الازدحام فيها والاختناق المروري الدائم في شوارعها الضيقة، بالإضافة إلى وضع حل نهائي لأزمة مياه الشرب فيها، حيث تعتبر المدينة 'العاطشة' في اليمن منذ قيام الثورة وحتى اليوم، كما أن هذه المدينة بحاجة ماسة لتوسيع شبكة الإنارة لشوارعها وطرقها، وللمشاريع الجمالية والمتنفسات لسكانها، نظرا لأن محافظة تعز تجيء في المرتبة الأولى يمنيا بالتعداد السكاني. كان الكثير يطمحون أن يكون احتفال الوحدة بمدينة تعز احتفالا نوعيا بكل المقاييس، كونه سيكون بالذكرى العشرين للوحدة، وكونه جاء بعد ثلاث سنوات من التوقف الاحتفالي، وكون تعز من المدن اليمنية القليلة التي تتميز بمكانة مميزة ومتميزة في قلوب اليمنيين، بتضاريسها الخلابة التي تجمع بين السهل والجبل وبطقسها المعتدل طوال العام وبعاداتها وتقاليدها الخاصة والثرية، وبتراثها الغنائي والأدبي الذي يحاكي كل جزئية وكل مفردة من مفردات حياتها اليومية وبالذات حياتها الريفية التي تغنى بها كثيرا الثنائي النادر، الشاعر الراحل عبد الله عبد الوهاب نعمان والفنان الغنائي أيوب طارش عبسي، وفوق هذا وذاك كانت تعز سابقا حلقة الوصل بين الشطر الشمالي والشطر الجنوبي من اليمن قبل قيام الوحدة عام 1990 كما كانت عاصمة الحكم الملكي الإمامي قبل قيام الثورة اليمنية في الشمال عام 1962. كافة الاحتفالات السابقة بذكرى الوحدة اليمنية في المدن المختلفة كانت مناسبة لإنعاش وضخ كم هائل من المشاريع لتلك المدن لتحريك المياه الراكدة فيها وتسليط الأضواء عليها وتنشيط حركة السياحة فيها وحوّلتها من مدن ثانوية مهملة ومفتقرة لأدنى المشاريع، إلى مدن غاية في الجمال والروعة غير أن الحال في تعز لم يبارح مكانه وكأنه محرم عليها أن (تحلم). تعز 'القدس العربي':خالد الحمادي