سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ماذا تعني زيارة مشعل للرياض واستقباله من قبل العاهل السعودي..؟ وماذا يمكن أن تقدم السعودية لمشعل؟ وما هو دور قطر في كسر الجمود؟ من سيزور الرياض بعده وهل قطعت شعرة معاوية مع طهران
المملكة العربية السعودية تتغير .. و حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تتغير أيضا، و في هذا الإطار يمكن النظر إلى اللقاء المفاجئ بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز و رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي تم في العاصمة السعودية الرياض، و كسر حالة من القطيعة بين الجانبين استمرت عدة سنوات. التغيير في المملكة العربية السعودية بدأ في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، أي بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز و تولى شقيقه الأمير سلمان العرش، و انعكس هذا التغيير في انضمام السعودية في عهد الملك الجديد إلى المحور التركي القطري المناهض للمحور المصري الإماراتي الذي خرجت منه المملكة، و بشكل مفاجئ في تحول استراتيجي إقليمي لافت. في زمن العاهل الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز انضمت السعودية إلى مصر والإمارات و البحرين في إعلان الحرب على حركة "الاخوان المسلمين" المدعومة قطريا، بدءا بوضعها على "لائحة الإرهاب"، و دعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في انقلابه عليها، و الإطاحة برئيسها محمد مرسي، و الزج بأكثر من عشرين ألفا من قياداتها و أنصارها في السجون، و تقديم ما يقرب من عشرين مليار دولار كمساعدات للرئيس السيسي لدعم الاقتصاد المصري المنهار. حركة "حماس" أيضا تغيرت، و بات مسؤولون فيها يتحدثون عن مفاوضات غير مباشرة مع الإسرائيليين لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، والتوصل إلى هدنة طويلة قد تصل إلى عشر سنوات يتم خلالها البدء في عملية إعادة الإعمار، و فتح ميناء بحري يقلص اعتماد مليونين من أبناء القطاع على معبر رفح شبه المغلق طوال العام، و تجنيبهم أعمال الإذلال و المهانة التي يتعرضون لها، سواء على جانبي المعبر، أو على أيدي رجال الأمن في مطار القاهرة، بمعنى آخر باتت "حماس" أكثر قربا لأيديولوجية و سياسات "محور الاعتدال" العربي الذي تتزعمه المملكة العربية السعودية، و أكثر ميلا للهدنة و "تجميد" أعمال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. الإطار الأشمل لهذا التقارب بين حركة "حماس" و المملكة العربية السعودية هو رغبة الأخيرة في إقامة "تحالف سني" طائفي يقف في وجه النفوذ الإيراني "الشيعي" المتمدد في المنطقة العربية، و هو تمدد يمكن أن تتسارع وتيرته بعد توقيع الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني، و هذا التحالف يحتاج إلى غطاء فلسطيني، و ليس هناك أفضل من حركة "حماس" لتقديم هذا الغطاء، و يجب أن لا ننسى أن السيد مشعل طار إلى الرياض من العاصمة القطرية الدوحة، و لا نستبعد أن تكون القيادة القطرية التي تعتبر الأقرب خليجيا إلى الرياض في الوقت الراهن، بعد سنوات من الجفاء و الحروب الإعلامية، و قد لعبت دورا كبيرا في تحقيق هذا التقارب، و نقل حركة "حماس" من قائمة "الإرهاب" السعودية، إلى قائمة الحلفاء أو غير الأعداء على الأقل. ما زال من غير المعروف ماذا ستقدم القيادة السعودية إلى السيد مشعل و حركة "حماس"، و من المؤكد أن الأسلحة و الصواريخ و الخبرات العسكرية الأخرى ليست من بين أي مساعدات مستقبلية، و ربما يكون المال، و الكثير منه، هو عنوان هذا التقارب الأبرز، و لكن السؤال هو كيفية عبور هذا المال في حال تقديمه إلى قطاع غزة، إذا ما انتقلت العلاقات السعودية المصرية إلى خانة التوتر، و هناك مؤشرات عديدة في هذا الصدد أبرزها الترحيب المصري "الحار" بالاتفاق النووي الإيراني، الذي جاء على لسان وزير الخارجية سامح شكري، و استضافة القاهرة لوفد يمثل حزب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عدو السعودية الأول في اليمن، و احتضانها معرضا حوثيا يقدم صورا عن ويلات الحرب السعودية في اليمن و ضحاياها. حركة "حماس" نقلت مكتبها و قيادتها من دمشق إلى الدوحة عام 2012، و قالت بشكل غير مباشر، إنها قررت الانضمام إلى "الحلف السني"، و الثورات التي انطلقت باسمه في أكثر من عاصمة عربية بزعامة، أو مشاركة، حركة "الاخوان المسلمين"، و ها هي تفتح قنوات مع الرياض انطلاقا من التوجه نفسه، و قاطعة بذلك كل، أو معظم خيوطها، أو ما تبقى منها، مع حليفها الإيراني الذي قدم لها السلاح و المال لسنوات عديدة، في وقت تخلى عنها "أهل السنة" و حكوماتهم. لا شك أن الخناق المصري الذي ضاق على عنق حركة "حماس" لعب الدور الأكبر في تحولها إلى "ورقة طائفية"، و لا نعتقد أن أي دعم سعودي مالي لا يمكن أن يأتي بدون شروط، اللهم إلا إذا قررت القيادة السعودية الجديدة احتضان المقاومة الإسلامية الفلسطينية، و الإحلال محل إيران، في تزويدها بالسلاح للدفاع عن نفسها أولا، و تنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، و لا يلوح في الأفق أي مؤشر في هذا المضمار يمكن رصده هذه الأيام على الأقل. زيارة السيد مشعل، و الوفد المرافق له، إلى الرياض، و استقباله من قبل العاهل السعودي نفسه و في حضور نجله الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع، و الرجل الأقوى في البلاد بعد والده، يشكل تطورا كبيرا مهما في العلاقات بين الجانبين، فجميع لقاءات السيد مشعل السابقة اقتصرت إما على الأمير سعود الفيصل، عندما كان وزيرا للخارجية، أو قادة الأجهزة الأمنية، و استقباله من قبل العاهل السعودي يوحي بأنه عومل معاملة رؤساء الدول، مثل معاملة القيادة السعودية للرئيس الفلسطيني محمود عباس و من قبله الرئيس الراحل ياسر عرفات، و هذه لفتة مهمة تنطوي على معان كثيرة لا يمكن تجاهلها، أو عدم التبصر بمعانيها. من الصعب علينا استباق الأحداث و القفز إلى النتائج، فهذه العلاقة ما زالت في بداياتها، و كانت نواتها الرئيسية تأييد حركة حماس ل"الشرعية في اليمن" و "عاصفة الحزم" بطريقة أو بأخرى، و ربما من الحكمة التحلي بفضيلة التريث و مراقبة تطورات هذه العلاقة، و الموقف المصري منها، و بعدها لكل حادث حديث. افتتاحية رأي اليوم