خمسة أشهر وبضعة أيام مرت من العام الحالي وتبنت القاعدة أكثر من 7 عمليات إرهابية بمعدل يزيد عن عملية إرهابية كل شهر، كان آخرها في 31 مايو المنصرم استهدف معسكر في الأمن المركزي أسفر عن حريق مخزن للسلاح وإصابة جنديين، ولم تعلن عنه السلطات اليمنية وأعلنت كتائب التوحيد التي تتكون من 11 كتيبة مسئوليتها عن الحادث الذي أشارت فيه إلى أن سرية من كتيبة القعقاع التابعة لكتائب التوحيد القاعدية نفذت الهجوم بنجاح نصرة «للمجاهدين والمستضعفين» حسب تعبير البيان. وكان تنظيم القاعدة في اليمن «كتائب التوحيد» تبنى أكثر من 6 عمليات إرهابية قبل العملية السالفة الذكر وتفرقت تلك العمليات على عدد من محافظات الجمهورية كان نصيب العاصمة صنعاء 3 عمليات استهدفت سفارتي الولاياتالمتحدة وإيطاليا ومجمعاً سكنياً يقطنه خبراء نفط أمريكيين، باقي العمليات تفرقت على محافظات حضرموتوعدن ومأرب وكان آخرها في أبين في نهاية الشهر المنصرم. القاعدة وهابية الأصل ذات جذور نجدية سعودية، تسللت إلى اليمن التي تتبنى فكرين إسلاميين غير منتجين وفعالين لتطرف إسلامي قاعدي، وفتحت الأبواب للوهابية المتسللة إلى اليمن بعد اغتيال الرئيس «إبراهيم الحمدي» من أجل القضاء على الفكر الناصري في اليمن الذي حظي برواج كبير في أوساط الجماهير اليمنية، وازداد الفكر الوهابي المنتج للتطرف القاعدي قوة عند تحالفه مع الأمريكان من أجل الجهاد في أفغانستان، وتمكن من خلال هذا الجهاد من بناء خلايا وسفارات في جميع الدول الإسلامية، وبالذات في الوطن العربي لكن كان وضع اليمن مختلف، فقد تبنى تنظيم القاعدة قيادات عسكرية ومشائخ قدم لهم الدعم من أجل ترويج فكر التطرف القاعدي؛ وتمكن من تبني تلك القيادات والمشائخ باطنياً وهي تبنته ظاهرياً تحت حجة احتوائه. عند إعلان دولة الوحدة اليمنية بدا الهم جلياً وواضحاً عند مشائخ هذا الفكر في تصدير الفكر الوهابي إلى جنوب اليمن.. كان الشيخ عبد المجيد الزنداني أبرز من قام بالمهمة وتم الترويج بحديث نسب إلى للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قال بأن جيش يخرج من عدنوأبين سوف يحرر المسلمين، فتم تكوين كتائب جيش عدنأبين الإسلامي عن طريق استقطاب أبناء عدنوأبين، وتم الاستعانة بمن كانوا يعرفون في تلك الأيام بالأفغان العرب، كان أغلبهم يسكنون في منزل الشيخ الزنداني وكان حزب الإصلاح رديف للمؤتمر الشعبي، فأخذت الاغتيالات طريقها نحو قيادات جنوبية تمهيداً لابتلاع أسس دولة من قبل (الدوغمائية). كانت نتائج الانتخابات مؤلمة للحزب الاشتراكي الذي كان يعتبره الكثير صمام أمان الديمقراطية. التحالفات المشائخية والسلاطينية والفتاوى التكفيرية وإعطاء الزنداني حجم أكبر من حجمه كان سبب تلك النتيجة المؤسفة التي أدت إلى تصرفات وتوجهات قادت البلاد إلى حرب صيف 94، وقدم فيها الدعم الوهابي السخي لطرفي الحرب، للجنوب عن طريق الجفري لتقسيم اليمن وللشمال عن طريق الزنداني وشيخ قبلي كبير من أجل تعميم الفكر والرضا بترسيم الحدود على هوى الجيران. انتهت الحرب بانتصار اللادولة على الدولة، وشارك الإصلاح في الحكم كحليف إستراتيجي لحزب المؤتمر، وازدادت الفرقة الأولى مدرع بروزاً عن طريق قائدها الفعلي الذي كان بمنصب أركان حرب الفرقة علي محسن الأحمر الذي استوعب عن طريق معسكره كافة المتطرفين الدوغمائيين وبحجة الفيد من المعسكرات الجنوبية. تم تزويد الخلايا القاعدية بالسلاح والمتفجرات، وما زالت تملك منه الكثير حتى اليوم. جامعة الإيمان والفرقة الأولى مدرع حليفان إستراتيجيان لفكر القاعدة المتطرف؛ الجامعة استقبلت الكثير من الطلاب الوافدين من الجزائر وليبيا وتونس، بعضهم جاءوا من بلدانهم مباشرة والبعض الآخر جاء عن طريق ظاهرة تزوير الجوازات في تلك الفترة بشكل غير معهود، ومن العوامل المساعدة التي ساعدت بشكل كبير عدم كشف تحركات قيادات قاعدية بارزة من اليمن إلى دول أخرى بجوازات يمنية هو اختراق القاعدة للأمن السياسي وخضوع القيادات الوسطية فيه لأوامر قيادات عسكرية تبطن الولاء للقاعدة فبقى الأمر غائباً عن القيادات العليا في الدولة والتي استحسنت ذلك الأمر فيما بعد. الجناح التكفيري في حزب الإصلاح والجناح المؤتمري الأمني والجناح الوهابي العسكري هو ثلاثي ارتكاز تنظيم القاعدة في اليمن. يعتمد عليهم الرئيس في تصفية الحسابات مع الخصوم ويحيدهم في بعض الأوقات بسبب عدم انسحابهم مع الجناح الثوري في المؤتمر «حزب الرئيس». لكن خوض الصراعات التكتيكية وصفقات المصالح تفرض عليهم بقوة الانسجام مع بعضهم. لم يأتِ اختيار محافظة أبين بعد حرب صيف 94 لتكون بؤرة نشطة لتنظيم القاعدة من فراغ، فأبين تمتد في شريط ساحلي طويل على بحر العرب وتمتد فوق هضاب صحراوية باتجاه محافظة شبوة، وتسيطر على مناطق جبلية في اتجاه محافظة البيضاء في الشمال الشرقي وجبال مناطق يافع (رصد) منطقة الحصون. كانت مقراً لتخزين الأسلحة المنهوبة في حرب 94 ومركز استقطاب وتصدير الطلاب إلى المراكز السلفية التي تقع في محافظة أخرى منها معبر ودماج صعدة من أجل دراسة العقيدة الوهابية. وتحولت محافظة أبين إلى محور عملياتي هام لتنظيم القاعدة، واستقطب هذا المحور عناصر من المناطق الجنوبية، وعن طريق الصحراء تمكن عناصر التنظيم من نقل الأسلحة ولوازم التفجير وبناء الخلايا في حضرموت ومأرب وشبوة ليطبق قبضته على المناطق البترولية، ولتمتد قبضته إلى مدينة عدن القريبة جداً من أبين من أجل توسيع قبضته إلى منفذ بحري هام «خليج عدن وباب المندب». في ديسمبر 95 أقدمت دولة أرتيريا على احتلال أرخبيل «حنيش»، ولهذا كان عام 96 هادئاً ولم ينفذ تنظيم القاعدة أي هجوم على أي جهة، وكان مشغولاً ببناء خلاياه، وفي 97 وقعت الحكومة على معاهدة الإستراتيجية العربية على مكافحة الإرهاب المقرة في تونس وبدأت الحكومة بالتعاون مع الأمريكان في برنامج أمني لمكافحة الإرهاب. في بداية عام 98 وقعت الحكومة في يناير 98 على الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية، وفي نهاية العام نفسه قامت جماعة أبي الحسن المحضار باختطاف ستة عشر سائحاً أجنبياً، قتلت منهم أربعة، فتعاونت الحكومة أمنياً مع الأمريكان وهوجمت قرية الحصون في أبين، ولكن كان فيها خلايا انتقلت إلى أماكن أخرى، وتم التفاوض مع بعض القيادات القاعدية واحتويت في الفرقة الأولى مدرع وتم صرف رتب عسكرية لبعضهم، وفي تلك الفترة شهدت العاصمة صنعاء سلسلة من الهجمات على سفارات الأجنبية. تم القبض على بعض المشتركين في تلك الهجمات وإيداعهم السجون ثم تم التصالح معهم واحتوائهم في الفرقة الأولى مدرع فقد كان لا بد من رد الجميل لهم لدورهم في حرب 94. حزب الإصلاح كان يعاني في تلك الفترة من حالة تصدع وتكتل الأجنحة فيه.. جناح الإخوان المسلمين كان بقيادة اليدومي ضابط أمن مخابرات سابق، وجناح الوهابيين بقيادة الزنداني والآنسي، والجناح القبلي برئاسة الشيخ عبد الله الأحمر. جميع هؤلاء تم تحييدهم من المشاركة في الحكم باستثناء الشيخ الأحمر الذي ظل رئيساً لمجلس النواب، وأصبح جناحاً بمفرده بقوة ثقله القبلي وهو الذي استطاع أن يطيح بنائبين هامين في الانتخابات البرلمانية هما عبد الله صعتر والعماد اللذين كانا قد تعملقا في تلك الفترة، وبدأ حزب الإصلاح يطرح نفسه كتنظيم ليبرالي بواسطة جناح الإخوان المسلمين، حتى يتبرأ من فتوة التكفير التي أصدرها في حق أبناء المحافظات الجنوبية وأجاز اغتنامهم وتفيدهم. الجناح التكفيري في الحزب بقي على علاقة قوية بالرئيس والجناح الوهابي العسكري، ولم يتخذ هذا الجناح موقف مع حزبه «التجمع اليمني للإصلاح» الذي خرج إلى شارع المعارضة وتحالف مع أحزاب المعارضة الوطنية الاشتراكي والوحدوي الناصري والحق واتحاد القوى الشعبية. في أوائل عام 2000 شهدت العلاقات الأمريكية اليمنية تقارباً في وجهات النظر، وفي أكتوبر من نفس العام وقع حادث تفجير المدمرة الأمريكية «يو إس إس كول»، وسارت عملية مطاردة مرتكبي الحادث ببطء، ولم يكتمل عام على وقوع الحادثة حتى فوجئ العالم بأحداث 11 سبتمبر 2001، وعقب الأحداث بثمانية أيام قال مسؤول بوزارة الخارجية اليمنية أن السلطات اليمنية اعتقلت عدداً من اليمنيين لدى وصولهم المطار للاشتباه في ارتباطهم بهجمات إرهابية، وفي 6 أكتوبر عام 2003جرى تفجير ناقلة النفط الفرنسية ليمبورج، وبعد 27 يوما من تفجير الناقلة في 3 نوفمبر أطلقت طائرة بريداتور بدون طيار تابعة للمخابرات الأمريكية صاروخاً على سيارة كانت تقل يمنيين بينهم الشيخ «أبو علي الحارثي» الذي تتهمه أمريكا بالإرهاب، وفي الشهر الذي يليه من نفس العام تم اغتيال «جار الله عمر» الذي اتهم من قبل الجماعات بتزويد الأمريكان بتقارير عن تنظيم القاعدة، وقد كان الرئيس من قبل الحادث لوح بأن هناك جهات يمنية تزود الأمريكان بالتقارير وأنهم يترددون على السفارات؛ وكان قاتل جار الله عمر يحمل رتبة ضابط في الفرقة الأولى مدرع. العلاقات القاعدية والحكومية في اليمن عودتنا تقديم التنازلات مقابل أي ضرر يلحق بتنظيم القاعدة، من ذلك الإفراج عن السجناء، أو تسهيل هروبهم من السجون، أو منحهم مساجد خاصة بهم، فهم يملكون عدداً من المساجد داخل صنعاء، ولهم عدد من المدارس المتفرقة جميعها تتغذى من جامعة الإيمان، وبعد تخرجهم تستوعبهم معسكرات التنظيم أو يرتب وضعهم في الفرقة الأولى مدرع. في الأيام الأخيرة من هذا العام تقدما الشيخ «عبد المجيد الزنداني» و«حمود الذارحي» وآخرين من أجل إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الهيئة ستكون شبه ميليشا تتعقب الناس، وتفرض عليهم الفكر الوهابي وعاء تنظيم القاعدة وسيكون هذه الهيئة لها فروعاً في جميع المحافظات، وقد تم بناؤها مسبقاً وهي جاهزة فقط تسعى للإعلان عنها رسمياً ليتم تشكيلها بقرار جمهوري من أجل أن تكون رافداً ومنبعاً جديداً لضخ الأفراد إلى تنظيم القاعدة.