وطن تُذبح فيه الحقيقة ويُقدَّس فيه الفساد    خوفا من العقوبات الدولية.. هائل سعيد يقدم تخفيضات جديدة (كشف)    القيادة العليا للانتقالي تواصل الاستعداد لمؤتمرات دولية تنموية    القنبلة التوراتية بدل القنبلة النووية    سيطرة العليمي والحوثيين على الانترنت خطر جسيم على أمن الجنوب وأبنائه    شبوة: الأمن السياسي بمأرب يمنع طفلتان وجدهما من زيارة أبيهما المعتقل منذ 8 سنوات    من يومياتي في أمريكا .. أيام عشتها .. البحث عن مأوى    أفضل وأحسن ما في حلف حضرموت أن أنصاره اغبياء جدا(توثيق)    العميد جمال ديان آخر الرجال المهنيين والأوفياء    أكاذيب المطوّع والقائد الثوري    مصر تستعيد من هولندا آثارا مهربة    تعز .. تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي الشريف للعام 1447ه    شركات هائل سعيد أنعم تعلن عن تخفيضات جديدة في أسعار الدقيق بدءًا من هذا اليوم السبت    تواصل الحملة الرقابية بالمحفد لضبط أسواق المحال التجارية والخضار والأسماك    المؤرخ العدني بلال غلام يكتب عن جولة أضواء المدينة "جولة الفل"    جمعية حزم العدين التعاونية في إب... تجربة رائدة في التمكين الاقتصادي    الثائر علي بن الفضل الحميري    مأرب.. اعتقال صحفي بعد مداهمة منزله    مسؤولة أممية: الأزمة الإنسانية تتفاقم في اليمن والبلاد تواجه شبح كارثة انسانية    ترامب: اللقاء مع بوتين كان ممتازا    حكومة التغيير والبناء.. أولويات ملحة في حماية الأمن القومي والاقتصادي والأتمتة    الارصاد يتوقع امطار رعدية مصحوبة بحبات البرد على اجزاء من المحافظات الجبلية والساحلية    تخفيض رسوم المدارس الأهلية في العاصمة عدن 30%    إدارة مكافحة المخدرات تضبط مروج للمخدرات وبحوزته 60 شريطا من حبوب البريجبالين    السيول تقطع حركة النقل بين ساحل ووادي حضرموت    أبو بارعة: مسؤولون في حجة يحوّلون الأجهزة الطبية إلى غنيمة    الرئيس الزُبيدي يعزي العميد عادل الحالمي في وفاة والدته    النصر السعودي يضم الفرنسي كومان رسميا من بايرن ميونخ    قائد اللواء الثاني حزم يتفقد الخطوط الأمامية لجبهة كرش الحدودية    وقفة وإضراب جزئي لصيادلة تعز لمطالبة شركات الأدوية بخفض الأسعار    رايو فاليكانو يصدم جيرونا بثلاثية    اختتام الدوري التنشيطي لكرة القدم في نادي شمسان    جواريولا يجهز رودري.. ويتمسك بسافينيو    تقرير أممي: الالاف يواجهون خطر المجاعة في حجة    موقع صهيوني: اليمنيون مستمرون في إطلاق الصواريخ    صحيفة عبرية تكشف استعداد حكومة الخونة للقتال مع الكيان الصهيوني    توترات غير مسبوقة في حضرموت    أضرار في تعز وتحذيرات من السيول بالمرتفعات    وفاة 23 شخصا بتعاطي خمور مغشوشة في الكويت    كسر طوق الخدمات.. الرئيس الزُبيدي يقود معركة فرض الاستقرار    هل يُحسم أمر التشكيلات العسكرية الخارجة عن إطار الدولة في حضرموت؟    تريم على العهد: وقفة للمطالبة بالعدالة لدم الشهيد #يادين (بيان)    الاشتراكي "ياسين سعيد نعمان" أكبر متزلج على دماء آلآف من شهداء الجنوب    فنانة خليجية شهيرة تدخل العناية المركزة بعد إصابتها بجلطة    "الريدز يتألق".. ليفربول يستهل حملة الدفاع عن لقبه بفوز مثير على بورنموث    ثمرة واحدة من الأفوكادو يوميا تغير حياتك.. وهذه النتيجة    العثور على جثمان لاعب شعب إب خالد الجبري قرب الحدود اليمنية–السعودية    مارسيليا يسقط بالوقت القاتل ضد رين    بمعنويات عالية شعب إب يستعد لمباراته أمام السهام الحالمي    بين القصيدة واللحن... صدفة بحجم العمر    ذمار.. محاولة جديدة لاختطاف طفلة والسلطات تتلقى بلاغات عن فقدان أطفال    منذ قرابة 20 ساعة.. مئات المسافرين عالقون بين إب وصنعاء بسبب انقلاب شاحنة    تعز.. سيول جارفة في قدس تلحق اضرارا فادحة بالممتلكات وتهدد قرى بالجرف والاهالي يوجهون نداء استغاثة    مدقق مالي: شركات الادوية الكبرى تسعر الدواء في صنعاء بسعر يتجاوز السعر الرسمي للدولار باكثر من 40٪    ندوة ثقافية بذكرى المولد النبوي في كلية العلوم الإدارية بجامعة ذمار    حالة من الذعر تهز الأرجنتين بسبب "كارثة" طبية أدت لوفاة العشرات    تحضيرات مبكرة لاستقبال ذكرى المولد النبوي بامانة العاصمة    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ولاية عدن».. أهلاً بالفوضى
نشر في يمنات يوم 09 - 10 - 2015

عبد الله زغيب : تختلف الصورة داخل عدن، عاصمة الجنوب اليمني، كثيراً عما يُقال أو يُنقل أو يُكتب. فالمدينة لم تعد كما كانت، وواقعها أصبح شديد التعقيد حتى على مَن امتهن العمل في ادارة شؤونها لنحو عقدين ونصف، اي منذ الوحدة الاندماجية بين الشمال والجنوب العام 1990.
ومع إعلان تنظيم «الدولة» مسؤوليته عن التفجيرات التي استهدفت مقرّ «الحكومة اليمنية»، ومقر القيادة المركزية ل «التحالف العربي» في قلب عدن، دخلت المدينة فصلاً جديداً يُضاف على ما سبقه من تراكمات حقب الاندماج والحرب الاهلية والصراع الداخلي وصولاً الى الحرب الأهلية الجديدة التي تصاحبها حرب السعودية على النصف الآخر من البلاد.
عدن اليوم ليست عدن الأمس. هناك وفي مثل هذا الوقت من العام 2014، وبرغم مرور ايام على «الانقلاب الحوثي»، كانت الامور تسير برتابة سلسة، بدت مقبولة من جميع المنخرطين في «النضال» السياسي الجنوبي، حيث دأب الحراك الجنوبي ومعه مكوّنات مختلفة على تنظيم احتفالات وفعاليات واعتصامات شبه يومية داخل المدينة، وبالتحديد في ساحة العروض في منطقة خورمكسر. فهناك كانت الأمور تشبه الى حد بعيد، صرفاً شبه يومي لطاقة شبابية اقتربت من النفاد. وكان الاعتصام المفتوح وقتها قريباً من الفشل. واستعدّت النخب السياسية المحلية للدخول في فصل أهدأ من التعاطي مع الحكومة المركزية في صنعاء، بما أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي كان الأكثر دراية بأهل الجنوب، حيث عمل على تذويب العضلة الشبابية للحراك الجنوبي والجمعيات الأهلية في بوتقة واحدة من الأجهزة، كاللجان التابعة له وكذلك في الأجهزة الأمنية او تلك التابعة لمحافظة عدن بإشراف مباشر من شقيقه ناصر منصور ومحافظ عدن وقتها عبدالعزيز بن حبتور.
وعلى هذا المنوال لم يتوقع أحد صورة مشابهة لما سارت إليه مصائر أهل عدن في الشهور الأخيرة. وفي هذا الجانب، وبمعزل عن سياسات «أنصار الله» والرئيس السابق علي عبدالله صالح، تبدو المدينة بما تمثل من «قضية جنوبية» أكثر ميلاً نحو الدخول في دوامة عنف لم تعهدها من قبل. فالخلافات العقائدية والمذهبية والسياسية وحتى التاريخية، بدأت تطفو في شوارع عدن وأزقتها. ولشدة ما أعطتها سياسة «عاصفة الحزم» من زخم ومدلول، ولكثرة الحديث عن جعلها بديلاً «آمناً» و «موقتاً» من صنعاء، أضحت الوجهة الأكثر استقطاباً لكل المنخرطين في القتال ولكل المتسلقين والطامحين.
دخول «تنظيم الدولة» بفرعه اليمني على خط المواجهة، يؤشر الى مسار الأحداث في الفترة المقبلة، وهو الذي تسرّب على ما يبدو الى قلب «عاصفة الحزم» مستخدماً تكتيكات «القاعدة» القائمة على «تعويم» الذات من خلال العمليات «النوعية»، خاصة بعد أن أصيب التنظيم في مقتل إثر تخفيف الداخل والخارج من حجمه ومستوى تأثيره عقب العملية التي استهدف فيها مساجد في صنعاء خلال آذار من العام الجاري، والتي شككت الولايات المتحدة وكذلك أقطاب عربية في حقيقة وقوفه وراءها. هذه الحادثة دفعت قادة التنظيم على ما يبدو للتفكير جدياً بنقل عملياتهم من منطقة العبر في محافظة حضرموت الى أماكن أكثر «شعبية» من أطراف الصحراء، وبالتالي تنطلق العمليات من خلف خطوط «القاعدة» وهي المنافس الأول لتنظيم «الدولة»، على «الكعكة السلفية الجهادية» في اليمن.
يحاول تنظيم «الدولة» من خلال إعلانه المسؤولية عن هجمات عدن، استباق كل محاولة ممكنة ل «القاعدة» لإنشاء خلايا او معسكرات، وبالتالي استثمار بيئة حاضنة ربما باتت جاهزة بعد الزخم الطائفي الهائل الذي وصلها من «ايديولوجية» الحرب السعودية على اليمن، وكذلك أخطاء الحوثيين وحلفائهم في معارك سابقة كالضالع مثلاً. وهكذا، فإن انشغال قاسم عبده محمد أبكر الريمي «أبو هريرة» أمير «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» بإعادة هيكلة تنظيمه ودراسة موقعه الحالي في قلب الحرب الدائرة، شكل الفرصة التاريخية لتنظيم «الدولة» للعمل داخل التجمّعات السكنية الكبرى بدلاً من استخدام تكتيكات التنظيم في الشام والعراق، والقائمة على إيجاد معقل محصّن والتوسّع في كل اتجاه ممكن انطلاقاً منه. وهي السياسة التي استخدمها أمير القاعدة السابق في اليمن ناصر الوحيشي الذي قُتل في 12 حزيران 2015 بغارة لطائرة من دون طيار في مدينة المكلا.
في قلب عدن، تبدو الأمور أكثر استعداداً لتقبل التنظيم وأدبياته، فقد أغرقت وسائل الدعاية المصاحبة للحرب السعودية، النوادي والجمعيات الأهلية المحلية وبطبيعة الحال الميليشيات المناوئة لصنعاء، بسيل من الأدبيات الطائفية «شاحذة» الهمم، وباتت الحرب مع «الشماليين» من حوثيين وجيش يمني «جهاداً مقدساً» مفروضاً على الجنوبيين، كما هو الحال على افراد الجيش السعودي. وعادة ما تفضي هذه الأجواء الى خلق بيئة حاضنة ل «القاعدة» ومثيلاتها. وبرغم عدم انخراطه بالقتال المباشر الى جانب القوات الخليجية والمحلية في قتال الجيش و «انصار الله»، يستعدّ تنظيم «الدولة» لحصد غلاله من معترك الدم اليمني، خاصة في ظل الأسباب التي مهدتها له الفوضى وصنّاعها والتي يمكن اختصارها بثلاثة.
السبب الأول تفتيت الأجهزة الأمنية للدولة المركزية في محافظة عدن. وهنا نعود إلى الاشتباكات الأولى التي وقعت في المدينة، عندما حاول الرئيس عبدربه منصور هادي في الثالث من آذار الماضي إقالة العميد عبد الحافظ السقاف من قيادة فرع قوات الأمن الخاصة الموالي للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتعيين العميد ثابت جواس الموالي للسعودية بديلاً منه. وهذا ما افضى الى معركة المطار الشهيرة وما تلاها من هجوم على «معسكر الصولبان» وهو معسكر قوات الأمن الخاصة المجاور للمطار في منطقة خور مكسر بقيادة وزير الدفاع الموالي لهادي محمود الصبيحي. فيما كان اعتماد هادي في هذه المعركة على رجال «اللجان الشعبية» التي أسسها شقيقه ناصر وأحضر معظم عناصرها من منطقة أبين. وبهذا فإن الممثل الأول «للشرعية» المركزية في اليمن شرّع الباب أمام استهدافها وجعلها كياناً خارجاً عن محيطها الجنوبي، مطبقاً أيديولوجية «غلاة» الحراك الجنوبي القائلة بوجود احتلال شمالي في الجنوب اليمني، وفي الوقت ذاته معطياً الضوء الأخضر لتشكيل تنظيمات مسلحة بديلة بمعزل عن خلفياتها العقائدية.
السبب الثاني فشل إدارة الإمن في عدن بعد السيطرة عليها، وبالتحديد مقترح «الإدارة الأمنية» الذي قدمه القائد الفعلي لميليشيات الحراك الجنوبي العميد عيدروس الزبيدي، والذي يقضي بتسليم «الإدارة الاماراتية» في عدن مسؤولية إعداد خطة أمنية عاجلة لحماية امن المدينة بحيث تتكفل قوات «الحراك» بتنفيذها، وهذا ما أقلق الإماراتيين ومن خلفهم الرياض. فالعلاقة مع «الحراك الجنوبي» ما زالت مرتبكة حتى في ظل الدور الكبير للأخير في العمليات العسكرية البرية، فيما تؤكد قيادات جنوبية أن العيدروس عاد وقدم خطة أعدّها مع ضباط أمنيين سابقين لإدارة عدن وحمايتها من اي توغل «غير مرغوب». لكن رفض «التحالف الخليجي» لها جاء بسبب تركيزها على مكافحة خلايا ومجموعات «حزب التجمع اليمني للإصلاح»، وهذا يتعارض مع مصالح السعودية وقطر في إدارة الحرب اليمنية، برغم إظهار ابوظبي حماسة لتطبيقها.
السبب الثالث الإدارة الفاشلة للحرب على الإرهاب في زمن عبدربه منصور هادي. وبمعزل عن إمكانية حدوث تآمر او تواطؤ، فإن النتيجة النهائية لحرب الجيش اليمني على «القاعدة» خلال منتصف صيف العام 2014 في مناطق أبين وشبوة، كانت كارثية بامتياز، حيث أسهمت في إعادة انتشار عناصر «القاعدة» في محافظة حضرموت، بعدما سُمح للتنظيم بالخروج الآمن من المنطقتين تلبية لما قالت صنعاء وقتها إنها وساطة قبلية. وهذه الوساطة بطبيعة الحال أفضت إلى شرعنة موقتة للتنظيم في عدد من المناطق، وسمحت له بالعمل والتواصل مع قيادات محلية بحجج مختلفة منها صفقات تحرير المخطوفين ودفع الفديات، وهذا ما مهّد الطريق أمام «القاعدة» ولاحقاً تنظيم «الدولة»، للتحوّل الى جهة تمتلك «شرعية اجتماعية».
لا تظهر في الأفق أي ملامح لاقتراب تسوية بين المتقاتلين، كما لا تبدو فكرة الحسم العسكري قابلة للتحقيق وعلى جانبَي الخندق. لكن الواضح أن الأمور تسير بخطوات سريعة نحو إنتاج تعقيدات إضافية أكثر دموية. فصل «القاعدة» في اليمن، خاصة في مغامراتها في أبين معقل الرئيس عبدربه منصور هادي، وكذلك جرائمها المتنقلة في السابق من حضرموت إلى البيضاء، يبدو نزهة امام القادم. فعملية «كي الوعي» الجارية على قدم وساق في الجنوب اليمني لتحويل الاشتراكيين الى تكفيريين، في سبيل استثمار «غلوّهم» الجاهلي في قتال الآخر، هذه العملية قد ترسم خطوط تماس جديدة، او تفضي الى اختراقات عسكرية نسبية، لكنها في الوقت ذاته تؤسس لثورة مجتمعية قد تحيي مع الوقت فكرة ربط العراق باليمن، إنما بفعل «تنظيم الدولة»، وليس بفعل نظام بعثي على الحدود الشمالية لشبه الجزيرة العربية واشتراكي في جنوبها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.