غير أن ذلك الحوار وذلك الجهد افشل بتقرير استخباراتي بأن هلال أرسل (بنت الصحن) للحوثي فاستقال الرجل بكبرياء وثقة بالنفس وقناعة.. ولا ندري كيف يسمح لأجهزة أن تراقب وزيراً مكلفاً من رئيس الدولة؟! الآن هلال يمتحن للمرة الثانية في (ردفان) وكما قيل فأنه يبذل وقته وجهده لنزع فتيل الانفجار بإيقاف الاستحداث العسكرية وإعادة الأوضاع الى ما كان عليه العام الماضي،سيما في جبل (الأحمرين). ويبدوا أن جهوده بدأت تنجح في خلق تفاهم بين الجميع سلطة ومشائخ وشخصيات، غير أن نجاح هلال مرهون بدرجة رئيسية بمدى مصداقية السلطة في تنفيذ ما يتفق عليه بعيدا عن المماطلة أو تدخل أجنحة معلنة أو غير معلنة لإفشال ما يتم، كما كان يحدث في صعدة بالضحك على الدقون. كل من يشعر بمسئوليته الوطنية في وضع كهذا وأبعاده الأكثر خطورة، يدرك قيمة الحوار الصادق، والاعتراف بحق الآخرين في قول مواقفهم وشرح مطالبهم، وهو الأمر الذي لم تعطه السلطة اهتمامها، وتجاهلته باعتبار أن ما يحدث انتهى بمجرد إعادة أعداد من الضباط والجنود إلى معسكراتهم، متجاوزة صلب المشكلة وعمقها التي تتجاوز الأفراد، إلى الحق في المشاركة في السلطة والثروة لجزء من وطن كان له شرف إعلان الوحدة الاندماجية. كما أن محاولة تجاهل الفساد والاستكبار في مايمارسه كثير من المسئولين وقواد المعسكرات على سبيل المثال كأكثر الظواهر خطورة وإجحافا في حق المواطنين. فمنذ أن سلم الوزيران (هلال وباصرة)تقريرهما حول 15نافذاً يعبثون فسادا بأراضي المواطنين والدولة، دون رقيب أو حسيب ويمتلك أحدهم 150ألف لبنة ، فيما المواطن الجنوبي يتمنى الحصول على أمتار في أرضه ، والتسويف بالتقرير وإحالته إلى نائبه الذي لا يستطيع فعل شيء فان الوضع ما زال كما هو، بل وتحدى النافذون التقرير ومن كلف به. لعل كل مواطن يتذكر التنبيه والتحذير الذي أطلق باصره حينها بأنه على الرئيس الاختيار بين 15نافذا وبين الوحدة.. وهي الأهم غير أن شيئا لم يحدث. الآن .. هلال في المحك والرئيس في المحك بشكل رئيسي.. فإذا أراد للجنة الرئاسية برئاسة (هلال) النجاح، فليبعد عنها غول النافذين، والمتجنحين وأولئك الذين لا يريدون لهلال النجاح فيحاولون من الخلف إفشاله بطرق ملتوية ومعروفة من صعدة حتى ردفان والضالع. إذا أراد فخامته إنجاح المهمة فليعترف بان هناك فعلاً قضية جنوبية وأن هناك ظلم .. وفساد واحتقار لإنسانية المواطنين في التعامل، وتحد بسلاح الدولة وإمكانياتها وبدعم رسمي ، وثقافة سائدة، من أن أولئك مجرد مدنيين يمكن السيطرة عليهم بالقوة وبالكثرة العددية وهو أسلوب غير وطني ولا وحدوي لأنهم شركاء الوحدة وصناعها لا مستثمريها. إذاً .. والحال كذلك فليبدأ الرئيس بنفسه بتنفيذ ماودر في تقرير(هلال وباصرة) أولا حتى يثبت مصداقية البحث عن حل، وحتى تشعر أن هلال يستطيع ضمان النجاح هذه المرة، وأنه لا تنسف الاتفاقيات النهارية بألغام ليلية مدبرة سلفاً. الوضع هناك يحتاج إلى محاسبة الفاسدين النافذين أولا ، وإيقاف العبث والعابثين بالأراضي وبحياة البسطاء، واستغلال ظروفهم بانتزاع حقوقهم بكل السبل رغماً عن أنفهم وإشعارهم بالانتقاص. الحلول لا يمكن أن تكون من فوهات المدافع وأزيز الطائرات، ونشر المعسكرات، وإنما بتفهم الوضع والاعتراف بالحقيقة المرة بأن هناك استئثار بكل شي بعد حرب 1994م وتدمير لكل ما كان قائم من مزارع وتعاونيات وما يقارب 140مصنعاً ومنشأة وبدون ذلك تغدو المسكنات بصرف سيارات وملايين لشخوص في كل منطقة وأسلحة وغيرها، مجرد مهدئات مؤقتة لا تستطيع الصمود ولا الحفاظ على روح الوحدة في النفوس.. لا بالشعارات الرسمية . ان السلطة.. أمام مفترق طرق أحلاهما مر لها.. فالمواطن يسأل: إلى متى هذا الفساد؟ إلى متى هذا التسلط؟ إلى متى بيع الثروات براً وبحراً .. لما فوق الأرض وما تحتها؟ إلى متى إذلال وغبن؟ إلى متى استئثار بكل شيء من قلة متحكمة ؟ أسئلة الآن تبرز بشكل آخر واكثر وضوحا س كانت السلطة تحتقرها ولا تأبه بها ولو لمجرد سماعها. فحين كانت نبوة ، أو تنبؤ الدكتور ياسين سعيد نعمان أمين عام الاشتراكي، وتحذيره من ظهور (مشاريع صغيرة) فان السلطة هاجمته بأقذع الأوصاف والشتائم .. واعتبرته خارجا عن بيت الطاعة ، التي الفت عليها السلطة ممن يقولون لها (كل شيء تمام يا أفندم )وها نحن اليوم نجني نتائج تلك الأساليب التي لم تعد مجدية، وتلك العقول التي لم تعد تسمع مشورة أو رأيا لذوي الحكمة والتجربة والأكثر شعوراً بمعاناة الوطن والمواطن. نحن الآن أمام معضلة حقيقية فبدون الاعتراف بالقضية التي فجرت الأوضاع ومعالجتها بصدق ومسئولية فان النتائج ستكون وخيمة مهما قال إعلام السلطة وردد من عبارات ، وعبأ خطباء مساجد ودعاة وفتاوى. فهل ينجح (هلال) في مهمته ابتداء من ردفان أم أن هناك من يترصد له بتهمة جديدة تقترب من وصفة (بنت الصحن) ولا نملك التنبؤ بتسميتها الان!! الأيام القادمة ستؤكد حقيقة.. هل السلطة جادة في الحوار مع أبناء الجنوب.. والحوار حول قضايا الوطن .. أم أنها ستكابر بالمدفع والدبابة.. وتحت الرماد شعلة تتوقد ان الوقت لا يدعو إلى الانتظار طويلاً فالأمور بحاجة إلى الاعتراف بان الأوضاع وصلت أعماق النفق المظلم.. سواء رضيت السلطة أم أبت. وستثبت الأيام صحة ذلك الاستنتاج فعلاً .. لا قولاً.