ليست هذه الزيارة الأولى لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الى لبنان، فقد سبق له ان زار بيروت قبل عامين لحضور حفل تسلم الرئيس ميشال سليمان مقاليد الرئاسة في سياق الدعم الدولي والاقليمي ل«اتفاق الدوحة» الذي كان من ثماره الأولى ملء الفراغ الرئاسي، ولكنها الزيارة الأولى التي تحمل معاني سياسية وتكتسب طابعا خاصا. ورغم ان الزيارة مقررة منذ أشهر وتأجلت تكرارا بسبب أجندة أردوغان المزدحمة، فإن مصادفة الزيارة مع احتدام الأزمة الداخلية على خلفية الخلاف المستحكم حول المحكمة الدولية والقرار الظني الذي يقترب موعد صدوره، هذا التزامن بين الزيارة والظرف اللبناني الحساس أضفى أهمية على توقيتها وأدخل الأتراك بشكل أو بآخر في دائرة الاتصالات والمساعي الناشطة لاحتواء الأزمة ومنع انفجار الوضع، ومن دون ان يعني ذلك ان أردوغان يحمل معه مبادرة أو مشروعا للحل، ذلك ان أنقرة تفضل التعامل مع الوضع في لبنان من خلال دمشق ولديها أفكار عامة تتمحور حول فكرة الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي في هذا البلد مع ما يعنيه ذلك من دعم لحكومة الرئيس سعد الحريري ودعم للجهود الهادفة الى منع حصول صدام شيعي سني الذي لن تبقى تداعياته محصورة في الساحة اللبنانية وانما ستمتد الى دول المنطقة. وبهذا المعنى فإن الاستقرار اللبناني بات جزءا من استقرار المنطقة وهذه المرة من البوابة الخلفية، بوابة الصراع السني الشيعي، وليس من البوابة الأمامية، بوابة الصراع العربي - الاسرائيلي. الزيارة اكتسبت طابعا خاصا، طابعا رسميا شعبيا مزدوجا. في البرنامج الرسمي لقاءات مع أركان الحكم وزيارة تفقدية للقوات التركية العاملة في نطاق «اليونيفيل» في جنوب لبنان. وفي البرنامج الشعبي زيارات الى صيدا لافتتاح مستشفى متخصص ساهمت تركيا في بنائه، والى عكار لتفقد «جالية تركمانية» (لبنانيون من أصل تركي مازالوا يتكلمون اللغة التركية ويتمسكون بالعادات والتقاليد التركية). وفي البرنامجين بدا ان الرئيس سعد الحريري هو محور الزيارة ومحركها الأساسي. فالحفاوة الرسمية تجلت في احتفال السرايا والعشاء التكريمي، والحفاوة الشعبية تجلت في مناطق «الثقل السني» (خصوصا في عكار وصيدا من دون معرفة السبب الذي حدا الى تجاوز محطة طرابلس) وعند جمهور تيار المستقبل الذي نزل الى الشارع ترحيبا بالضيف الكبير. في الواقع، فإن زيارة الزعيم التركي الى لبنان تعيد انتاج المشهد الشعبي الذي رسمته زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الى لبنان، وطبعا مع فوارق واختلافات: ايران احتفلت في بنت جبيل القريبة من الحدود مع اسرائيل، وتركيا تحتفل في «كواشرة» العكارية القريبة من الحدود مع سورية. عبارة «خوش أمديد» (أهلا وسهلا بالفارسية) تحل محلها عبارة «مرحبا» (أهلا بالتركية). صور أردوغان ويافطات الترحيب ب«الطيب رجب» غطت المناطق ذات الكثافة السنية بعدما كانت يافطات الترحيب «بالدكتور نجاد» غطت المناطق ذات الكثافة الشيعية. الاعتراضات «الأرمنية» على زيارة أردوغان سبقتها اعتراضات قوى في 14 آذار على زيارة نجاد مع فارق ان اعتراضات الأرمن لها علاقة بالماضي ومشكلة تاريخية، في حين ان الاعتراضات على زيارة الرئيس الايراني لها علاقة بالحاضر والمشاكل الراهنة. يمكن القول ان زيارة نجاد أعطت زخما شعبيا لزيارة أردوغان التي أتاحت للشارع السني فرصة الرد بالمثل. ويصعب اخفاء هذا «المنحى أو البعد التنافسي» بين زيارتي أردوغان ونجاد الذي أسهم اللبنانيون في استحداثه واضفائه، حيث يحبذون توظيف علاقات ودول خارجية في صراعاتهم وخلافاتهم الداخلية والاستقواء بها. الأنباء الكويتيّة