عقب صلاة العشاء السبت الفائت ووري جثمان لاعب كرة القدم الحضرمي السابق الشهير الكابتن يسلم صالح، نجم النجوم والجوهرة السوداء التي ظلت تحتفظ بقيمتها لدى محبيها والعارفين بقدرها.. ولم تحظ بالتقدير اللازم من بلد لا يعترف بالموهوبين والمتميزين.. رحل يسلم صالح في هدوء عن هذه الدنيا الفانية ولم يحصل على ما يستحق وهو اللاعب الفذ الذي حفر اسمه بأحرف من نور، وأرغم نادي الإسماعيلي المصري على أن يطلب ودّه للاحتراف في صفوفه. رحل يسلم صالح وفي نفسه غصّات وأوجاع من جحود الجهات المعنية في هذا البلد، وهو الرجل البسيط النزيه العاشق لهوايته وعمله.. فكرة القدم هي كل شيء في حياة هذا الرجل.. لكنها لم تمنحه أي شيء.. وأخذت منه كل شيء. رحل يسلم صالح عند الساعة الخامسة والنصف من عصر السبت، ووري جثمانه الثرى بمقبرة امبيخه بالمكلا بعد الصلاة عليه عقب صلاة العشاء بمسجد ابن سيناء.. رحل متأثراً بالمرض والظروف الصعبة وبحضور بسيط ومتواضع تقدّمه نائب رئيس جامعة حضرموت الدكتور أحمد سهل وحدين، ومدير عام مكتب الشباب بساحل حضرموت محسن العطاس، والمسئول المالي بفرع اتحاد كرة القدم بالساحل علي باسرور، وأعضاء الهيئة الإدارية لنادي شعب حضرموت، وعدد من محبي وأصدقاء وزملاء اللاعب الكبير الذين عاصروه وعرفوه عن كثب. نعاه محافظ حضرموت خالد سعيد الديني، واعتبر رحيله خسارة على حضرموت في المجال الرياضي، مثنياً على ما قدّمه في هذا القطاع الحيوي وإخلاصه في مجال عمله في مكتب السياحة بحضرموت. الكابتن يسلم صالح كان نجماً في سماء كرة القدم اليمنية، أبدع وأمتع ولقب ب"الجوهرة السوداء".. عرفته ملاعب عدن منذ نهاية الخمسينيات.. في البداية كان حارساً للمرمى ثم ظهيراً ثم مهاجماً ووسطاً إلى أن اقترح عليه الخبير الكروي عباس غلام بأن يستقر في مركز المدافع المتأخر. وفي هذا المركز أبدع وذاع صيته في حارة الرزميت في عدن، وفي منتصف الستينيات طلبه نادي الإسماعيلي المصري للاحتراف في صفوفه بعد أن شاهد مستواه في مباراة لعب فيها الإسماعيلي في عدن، وقد شارك يسلم صالح في مباراته أساسي مع الإسماعيلي في مركز الدفاع المتأخر ومنعته الظروف الصعبة لأسرته من المواصلة فعاد إلى عدن، ومنها بعد الاستقلال 1967م رحل إلى المكلا وفيها استقر حتى وفاته.. لعب موسماً لنادي وحدة المكلا ثم مع كوكب الصباح والأحرار وبعد ذلك مع شعب حضرموت لاعباً ومدرباً لأكثر من عشر سنوات. عاش رحمه الله في شقة بالإيجار في حي أكتوبر بالمكلا، وله أسرة قوامها خمسة أفراد وقد ناهز عمره ال66 عاماً وأنهكته السنون.. يسلم صالح الذي كانت صورته تعرض ضمن كبار نجوم كرة القدم والفن مع مطبوعات العلك (اللبان). ظل وضعه –رحمه الله- لا يسر أحداً، فالرجل لم يلق أبسط المراعاة والتقدير، وشكا من اللامبالاة في بلد لا يعترف بالإبداع ولا يهتم بأبنائه المتميزين.. رغم ذلك كان يحضر عصر كل يوم المباريات التي تقام على ملعبي بارادم وملعب تمارين نادي الشعب بحي أكتوبر. في السنوات الأخيرة وهو في طريق عودته بعد صلاة المغرب إلى منزله ماشياً بجانب موقف باناعمه بحي أكتوبر دهسته سيارة وهربت وأصابت المسكين بكسر في مرفق يده اليسري ورضوض في جسمه وظل كما كان طوال حياته هادئاً ساكتاً لا يشكو لأحد. زرته ذات مرة في منزله وتحديداً مساء الثلاثاء 15/7/2009م بمعية عدد من رفاق ماضيه وقد رحب بنا شاكراً هذه الزيارة، ودعونا له بالشفاء، وقال لي عند المغادرة: هذه الزيارة أجمل هدية تقدمونها لي في ظل الجحود الذي نعانيه من الجميع وعلى رأسهم وزارة الشباب والرياضة فقد تكسرنا ولعبنا ولم يذكرنا أحد.. الكابتن يسلم صالح أحمد باعوبلي، أحد نجوم الماضي الكبار وأحد ضحايا زمن قل فيه الوفاء وطغت فيه الماديات على كل شيء.. رحل يسلم صالح وهو يعاني الظروف الصعبة والمرض والنكران.. ولم ينتشل أحد عزيز قوم كانت قدماه تهزان الأرض عند ولوجه أرض الملعب، وأخلاقه تسبق موهبته.