نتفهم ما كان عليه فرح المدريديين من هيستيرية وفريقهم الملكي يضع النجمة ال32 على صدره متوجا بقلب الليجا الإسبانية. نتفهم أن يقيم مناصرو النادي الملكي وهم بالملايين حول العالم الاحتفالات كما لم يقيموها في أي مرة، فهذا اللقب يختلف عن كل الألقاب، لقب له طعم خاص، لقب أشبه ما يكون بقطعة ألماس لا تماثلها في السحر والروعة والتفرد أي قطعة أخرى. إنه بعبارة توجز جبلا من الكلمات لقب مأخوذ من فم السبع. قبل أربع سنوات أطل برشلونة الغريم الأزلي مثل الإعصار، لا ليضع اليد فقط على ألقاب يضيفها لخزائنه الملأى بالتيجان احتراما لنظام المداورة في ممالك الإبداع ولكن ليؤسس لزمن خرافي، حيث ستسافر متعته لكل أرجاء الدنيا، وحيث ستكبر إمبراطوريته وتفتح مدنا وأرخبيلات وتتربع على عروش العاشقين لكرة القدم الجميلة. كان برشلونة قد هيأ شفرة الإبداع على نار هادئة، فقد أخذت منه وقتا طويلا واستوجبت من كل فعالياته خاصة تلك المؤتمنة على الأسرار الفنية الكبيرة، وعندما طرحها على رقعة التباري لم يكن بمقدور أحد أن يفكها، فقد كانت شفرة غير قابلة للتقليد أو حتى الاستنساخ، بدليل أن برشلونة تحصل في سنواته الثلاث أو الأربع الأخيرة على 13 لقبا من أصل ستة عشر لقبا ممكنا. كان ما يحققه برشلونة على مسرح التباري من إبداع متفرد ورائع أشبه بالقنفذ الذي أرعب ريال مدريد، ما جعله يستنجد بمدرب داهية هو جوزي مورينيو ليضع للفريق الملكي مقاسا وأنيابا ويعطيه أجنحة بها يحلق في ممالك الليجا التي كان برشلونة قد ملك مفاتيحها. أخرج مورينيو كما هي عادته وكما هو أصل الخلطة السحرية التي يملك تفاصيلها ريال مدريد من حالة الهذيان التي تملكته ذات وقت عندما خضع تحت الإكراه لسلطة المتاجرة باسم الكونية التي كان يملك خاتمها، لم يتمكن ريال مدريد في سنة مورينيو الأولى من أن يظفر بأكثر من لقب وحيد، تركه برشلونة تحت الضغط وليس تحت الإشباع، لقب كأس الملك، ولكن كان هناك ما يؤشر بفجر جديد سيطلع على إسبانيا، فقد توصل مورينيو بالفكر النقدي إلى فهم أصل المحاكاة التي لا تعني التقليد بكل صوره الممسوخة ولكنها تعني القوة الذاتية التي تعاكس تيار الآخر، إلى تقديم ريال مدريد بصورة ملحمية خاضت هذا الموسم معارك ضارية في ساحة الإبداع، معارك بجولات أسطورية ضبطتنا على موجات الإثارة أكنا من مناصري برشلونة بفنه الكروي الراقي والحديث أو كنا من عاشقي ريال مدريد بما هو مسجل له من جاذبية تأسر باسم الوله والعشق الملايين. وعندما يتوصل ريال مدريد تحت إمرة الداهية جوزي مورينيو إلى استعادة تاج الليجا والجلوس مجددا على عرش كرة القدم الإسبانية، فإن ذلك يعطي كامل الجدارة للفلسفة التي جاء بها مورينيو، فلسفة لا تقوم على أنقاض ما تداعى في بناء الفريق الملكي وفلسفة لا تروم الإجهاز على إمبراطورية إبداع برشلونة، بل إنها فلسفة تطابق ريال مدريد مع ذاته، مع تاريخه، مع مرجعيته وأكثر من ذلك مع ما يفرضه الوصول إلى لقب الليغا من جهد فكري وتكتيكي وذهني خارق. ومع تقديري الكامل أن فرح المدريديين أينما كانوا بالتتويج للمرة ال32 بلقب الليجا لم يكن مبالغا فيه بالنظر إلى ما يمثله كقيمة فنية في وجود جيل أسطوري أعطى لبرشلونة ما لم يعطه أي جيل قبله، فإنني أختلف مع الكثيرين ممن ذهبوا تحت تأثير الإنجاز الذي تحقق لريال مدريد إلى القول بأن برشلونة كتب آخر الأسطر في إلياذته وأنه مع صعود الغريم الريال إلى أعلى درج في هرم المجد وضع نهاية لزمن البطش الكتالوني أو حتى أن فرضية خروج برشلونة خالي الوفاض، لطالما أن الأمر مستبعد مع إمكانية الظفر بكأس الملك ورحيل بيب غوارديولا صانع الملحمة يمكن أن يعتبرا معا إيذانا بسقوط صرح تعلقنا به جميعا ليس حبا وافتتانا ولكن حفظا للسحر الملازم لكرة القدم، السحر الذي هو أصل وجود وأزلية رياضة ليست ككل الرياضات. رائع أن يصل ريال مدريد إلى هذه الهلامية التي لا تسحب قمر برشلونة من سماء المتعة، ورائع أن يستمر الناديان في التنافس بأبلغ الصور، ففي ذلك حلقات إثارة تضاف لأصل أجمل حكاية.