من ناحية أنصار الله؛ فإنهم لم يدخروا جهدا في محاولات إقناع التجمع اليمني للإصلاح ب"سلامٍ دائمٍ" أو بصلح أو حتى بتحالف، غير أن الإصلاح كان يرفض في كل مرة، وأحيانا يرفض بعد أن يكون الحوار قد قطع شوطا. كنتُ شاهدا على مساعي بذلها الرئيس عبد ربه منصور هادي قبل أشهر، للوصول إلى توقيع اتفاق تفاهمٍ نهائي بين الطرفين، وكان أنصار الله جاهزين ومتحمسين، لكن قيادات الإصلاح ترددت وماطلت حتى مات المسعى. وكنت شاهدا مرة ثانية على مطالبة من أنصار الله لهادي بتجديد مسعاه ذلك، وذلك قبل سقوط عمران، ولكن لم تحدث أية استجابة. سأكشف هنا جديدا، للمرة الأولى: أخبرني السيد عبد الملك الحوثي أنه لم يخض معركة إسقاط الفرقة الأولى مدرع (معركة صنعاء)، إلا بعد أن أرسل مشروع اتفاق "سلمٍ" موقع من قبله إلى قيادت الإصلاح، ينص على عدم تعرض أيٍ من الطرفين للآخر في أي وقت.. "أرسلت إليهم بالاتفاق مع علي العماد.. لكنهم رفضوا توقيعه، ثم قاتلوا مع محسن وظلوا يقاتلوا حتى آخر لحظة".. حسب تعبير زعيم أنصار الله. قال لي أيضاً أن اتفاقا مماثلاً أرسله إلى السلفيين في صنعاء، جناح الحجوري، ووقعوا على الاتفاق بالفعل. كما أن تفاهمات مماثلة تمت مع أطراف أخرى، وكان غرض زعيم الحوثيين منها جميعا ضمان أن تكون معركة "الفرقة" وإسقاط "محسن" سريعة ومضمونة، وبعد عزل الهدف كلياً من أية مساندة محتملة من لدن أي طرف. والأمر الآخر رغبته في أن يجعل من معركة صنعاء معركة "نظيفة" حسب تعبيره: أي عدم تعدد الجبهات، بمايعقد الحرب أولا وبما يحولها لحرب شاملة داخل العاصمة ثانيا. لكن ذلك ليس كل شيء، فهو أراد من هذه "التفاهمات" أن يقول للجميع من خصومه "لستم العدو" لا أثناء المعركة ولا بعدها، وأننا لم نأتِ للانتقام، كما قال ذلك نصا في أحد خطاباته المواكبة للمعركة. خلاصة الأمر أن الحوثيين جادون في بحثهم عن تفاهمات مع مختلف القوى، كما لمستُ أنا مباشرة وأكثر من مرة، وخلاصته أيضا أنهم ليسوا بصدد بناء تحالفات "انتقامية" تستهدف طرفا ثالثا أو رابعا. لقد كانت التفاهمات المرسلة من زعيم جماعة الحوثيين عشية معركة صنعاء، "شاملة"، أي لم تطرق أبواب الإصلاح والسلفيين فحسب، بل المؤتمر الشعبي أيضا، ولقصة المؤتمر الشعبي حكاية أخرى.. في تناولة ثانية.