استجوب مجلس النواب، في جلسته المنعقدة أمس، برئاسة رئيس المجلس يحيى علي الراعي، حكومة الوفاق الوطني التي حضرت، وعلى رأسها رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة، تلبية لطلب نواب من المجلس لمساءلتها في قضايا تتعلق بالجوانب الاقتصادية والعسكرية والأمنية والكهرباء. وناقشت الجلسة قضايا الاختلالات والانفلات الأمني والاغتيالات والتقطعات والاختطافات وشحة المشتقات النفطية وتخريب أنابيب النفط وأبراج نقل التيار الكهربائي التي تؤدي إلى انقطاع التيار. وفي بداية الجلسة، تحدث رئيس مجلس الوزراء محمد سالم باسندوة، بالقول إن هذه الحكومة جرى تشكيلها بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، وهي حكومة توافقية تعمل جاهدة للخروج من هذه المشكلات، وتتقبل النقد البناء والموضوعي الهادف إلى تقويم الاعوجاج وتصحيح الأخطاء، منوهاً إلى أن الحكومة تواجه مشاكل اقتصادية وأمنية، وهي صامدة أمام هذه التحديات، حسب تعبيره. وأبدى باسندوة لدى حديثه شديد استيائه مما يدور من حديث عن فساده وحكومته، قائلاً: "أنا أسمع كلاماً عن فساد حكومة باسندوة، فإذا كنت فاسداً فعليكم أن تقولوا ما هو الفساد الذي ارتكبته، وأنا مستعد أن أقدم نفسي للنائب العام ولرئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وللهيئة العليا لمكافحة الفساد". ودافع عن نفسه، وقال إنه رجل قوي، وإن النقد لا يؤثر فيه، ما أثار حفيظة أعضاء مجلس النواب الذين شنوا عليه هجوماً لاذعاً لم يخلُ من السخرية. وقال باسندوة إن الحكومة ليست حكومته، ولم يختر هو أعضاءها، وإنها حكومة الأحزاب: "هذه حكومة توافق، وهي حكومة البرلمان، وليست حكومتي، وتم تشكيلها عبر المبادرة الخليجية التي وقع عليها المؤتمر وحلفاؤه والمشترك وشركاؤه". وأكد استعداده أن يأتي في أي وقت إلى البرلمان، وتوضيح كل ما يطلب منه، منوهاً: "لكن بسبب الإساءات لم آتِ، يجب أن نحترم بعضنا". وخاطب باسندوة المجلس: "أنتم تعلمون من المستفيد من ضرب الكهرباء والنفط"، مضيفاً: "لولا وجودي على رأس مجلس الوزراء، لما عملت هذه الحكومة التي شكلت من عداء سياسي". وساد الجلسة حالة من الضوضاء ومقاطعة بعض أعضاء كتلة المؤتمر لحديث باسندوة، وقام سلطان البركاني من مقعده أكثر من مرة، لطلب الأعضاء التزام الصمت والاستماع للكلمة. وخاطب رئيس مجلس النواب يحيى الراعي، باسندوة، أثناء إلقائه الكلمة، بالقول: "طلبناك تلقي كلمة، فإن كنت قوياً نحن معك، وإن كنت ضعيفاً قويناك". وفي الجلسة، تحدث وزراء الدفاع، الداخلية، الكهرباء، المالية، النفط، التخطيط، التربية والتعليم، التعليم العالي، والمغتربين، كل في ما يخصه من بنود الاستجواب، ونظراً لانتهاء الوقت، أقر المجلس مواصلة مناقشة الاستجواب، اليوم الثلاثاء، حيث من المقرر أن يبدي أعضاء البرلمان تعقيباتهم حول ردود الوزراء، وذلك وفقاً لنصوص اللائحة الداخلية للمجلس المنظمة لعملية الاستجواب. وتحدث وزير الداخلية اللواء عبده الترب، عن أبرز التحديات التي تواجهها الوزارة، وما حققته عن طريق ضبط الانفلات الأمني. وقال الترب: "إن الشريط الساحلي بحاجة إلى عدد من الإمكانيات والوسائل الحديثة، لأنه يتم فيه تهريب الأسلحة والمخدرات، فنحن خط وصل بين القرن الأفريقي ودول أخرى". وتحدث وزير الداخلية عن خطر تنظيم القاعدة وعمليات الاغتيالات التي ينفذونها، كما تحدث عن الحوثيين الذين قال إنهم جماعة مسلحة تمارس سلطات الدولة على الأرض، مشدداً على أهمية أن تتحول إلى حزب سياسي، وتسلم سلاحها للدولة. كما تحدث عن مخاطر ما سماه الحراك الجنوبي المسلح الذي يقوم بنهب المصارف والبنوك ومحلات الصرافة، وقتل الناس المستغلين، حسب قوله. وأكد أن هناك مستفيدين وأصحاب مصالح شخصية يريدون أن تبقى الاغتيالات، وذكر منهم تجار السلاح وغيرهم. وقال الترب: إنه تم استغلال أحداث 2011، وغياب الدولة ودورها الفاعل، فنشط ضرب كهرباء وتهريب الأسلحة والمخدرات، كما كثرت التقطعات، منوهاً: "لا يوجد لدينا قانون يدين الإرهاب". وكشف عن وجود 450 جندياً وضابطاً معتقلين في قضايا مختلفة، أغلبهم كانوا في حملات أمنية، ومتهمون بقتل وجرح أشخاص، منوهاً إلى أن جزءاً منهم محكوم عليهم بالإعدام، وجزءاً عليهم أحكام دية مغلظة. كما كشف عن إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على 40 شخصاً تابعين لتنظيم القاعدة، في العاصمة صنعاء، وإحباط العديد من محاولات الاغتيالات والعبوات الناسفة، بالإضافة إلى إحباط اختطاف مستشار فرنسي. من جانبه، تحدث وزير الدفاع محمد ناصر أحمد، الذي بدأ يخاطب المجلس: "لا شك أنكم مطلعين وعايشين المرحلة الانتقالية منذ بدايتها وحتى اليوم، وما مرت به البلاد من أزمة طاحنة، وانقسام القوات المسلحة نتيجة الثورة الشبابية السلمية". وأضاف: "كنتيجة حتمية للأزمة التي عاشتها البلاد، نتيجة الثورة الشبابية السلمية، كان الاحتراب الذي شهدته العاصمة صنعاء وبعض المحافظات، بين رفاق السلاح الواحد، والذي نجم عنه اصطفاف وتشظٍّ من قيادة الجيش والأمن". وتابع: "هذه الأزمة أدت إلى سحب الوحدات الأمنية إلى عواصمالمحافظات، وظهور ظاهرة السلب والنهب لبعض الأسلحة والمعدات من قبل ضعفاء النفوس". منوهاً: "وأثرت على جاهزية الوحدات العسكرية، واستغلال الفراغ الأمني من البعض للوصول إلى مديريات، والسيطرة على أجزاء كبيرة من المدن، وإعلانها إمارات تابعة للقاعدة، وحدوث حالات اختلال أمني من قبل بعض قطاع الطرق والمهربين والنهابين". وزاد: "كلنا مسؤولون عن الوطن، ليس الجندي وحده أو وزير الدفاع أو الضابط هم المسؤولين عن الدفاع عن الوطن، المجتمع معني بالدفاع عن الوطن من الإرهاب المتمثل بتنظيم القاعدة، والمسمى أنصار الشريعة، كما أن الكل مسؤول عن مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات وكل الممنوعات، وخاصه أن هذه الظاهرة ازدادت". وأكد الوزير أنه في الفترة الأخيرة تم إعادة الوحدات إلى معسكراتها، وإعادة التلاحم، والقيام بعمل التدوير الوظيفي للقادة. وتحدث محمد ناصر عن إعداد وزارة الدفاع خطة لمكافحة التهريب، مخاطباً النواب: "أنتم تشاهدون العمليات التي يقوم بها الجيش، وإلقاء القبض على الأسلحة وغيرها". وأشار وزير الدفاع إلى أن الوزارة عملت على وضع أولويات المهام في ضوء خطورتها، وانطلاقاً من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وأبرزها إيقاف الاحتراب ونزع فتيل التوتر بين رفاق السلاح من أبناء القوات المسلحة والأمن، وإزالة التمترس بين زملاء السلاح، وإعادة الوحدات إلى معسكراتها الدائمة واللحمة الوطنية للوحدات من خلال الإجراءات العملية للهيكلة وفقاً لما هو مرسوم لذلك، والقيام بعملية التدوير الوظيفي للقادة والتنقلات لبعض الوحدات وفقاً لما تقتضيه المهام، وإعادة بناء الثقة في أوساط أبناء القوات المسلحة، واستعادة نسبة من الجاهزية الفنية والقتالية وفقاً للإمكانيات المتاحة لذلك. وقال: "عندما شعرت القوات المسلحة بالتعافي شرعت القيادة العليا لاتخاذ الإجراءات العملية للبدء باقتلاع ما سميت بالإمارات التي أنشأها الواهمون من الإرهابيين في محافظتي أبينوشبوة وغيرهما من المحافظات"، لافتاً إلى أن الجميع يعلم علم اليقين ما قدمه أبناء القوات المسلحة والأمن وأبطال اللجان الشعبية والمواطنون، وما بذلوه لأجل ذلك من تضحيات غالية وجسيمة. وأشار وزير الدفاع إلى أنه تم وضع خطة لمكافحة التهريب الممنهج، حيث تمكنت الوحدات العسكرية والأمنية من تقليص عملية التهريب. وأضاف: "لقد سمعتم من خلال الإعلام ما تم اكتشافه والاستيلاء عليه من أسلحة وبكميات كبيرة، بالإضافة إلى المتفجرات والمخدرات والممنوعات الأخرى، ولا تزال عملية مكافحة التهريب مستمرة حتى اليوم". ونوه الوزير إلى أن الفترة الماضية أعادت جاهزية القوات المسلحة، حيث استعادت هيبتها ومكانتها، وتعمقت وحدتها الوطنية، بالإضافة إلى واحدية القرار والإرادة السياسية الصادقة والجادة، وكذا إرادة وإيمان المقاتلين والقادة بعدالة ما يقاتلون من أجله لتحقيق الأمن والاستقرار في ربوع الوطن. وأضاف: "كما تولدت العزيمة لدى القادة بأن يكونوا في مقدمة الصفوف مع مقاتليهم، مما أعطى دافعاً قوياً لحماة الوطن، والدليل على ذلك ما شاهدتموه وتابعتموه في الحملة العسكرية التي اقتلعت وأزالت معسكرات ومراكز تدريب ومعاقل الإرهابيين في مديرية المحفد بأبين وعدد من مديريات محافظة شبوة، بعد أن بقيت مأوى لهم حوالي 4 سنوات". وخاطب وزير الدفاع أعضاء مجلس النواب بالقول: "إن اليمن قد أعدت قوات مسلحة لخوض الأعمال القتالية الدفاعية والنظامية"، مبيناً أن العالم كله تفاجأ بمثل هذه الأعمال الإرهابية، وقال إن الجيش يخوض حرب عصابات وقطاع طرق. وأكد أن المرحلة القادمة ستشهد مزيداً من التحسن الملحوظ في القدرة على مواجهة التحديات والأخطار الأمنية، لأن القوات المسلحة والأمن اليوم تكتسب الخبرات والتجارب وتعمل بكل جد لتكون في مستوى التحديات. من جهته، تحدث وزير النفط والمعادن خالد بحاح، وقال إن توفير المشتقات النفطية للسوق المحلية هو جزء من سلسلة عمليات تبدأ في المنبع في حقول النفط وعمليات النقل عبر أنابيب إلى موانئ التصدير ومواقع التكرير والتسوق الخارجي والداخلي، وتأمين القدر الكافي من السيولة المالية اللازمة لاستيراد المشتقات النفطية من السوق الدولية لتعويض النقص عن توفير كامل المشتقات من منشآت التكرير المحلية. ولفت بحاح إلى أن القطاع النفطي تأثر تأثيراً كبيرا خلال الأيام الماضية، ولا يزال غير مستقر نتيجة للأحداث التي مرت بها البلاد، وكثرة الاختلالات الأمنية والحراك السياسي والتقطعات والاختطافات بإشكاله المتعددة، إلى جانب عمليات تفجير أنابيب النفط المتكررة وآثارها في توقف الإنتاج، حيث تتطلب أحياناً إعادة تشغيل البئر كما كانت عليه، وخاصة حجم الإنتاج فيه، وقتاً طويلاً. وتشهد العلاقة بين البرلمان والحكومة حالة من التأزم بفعل الخلاف القائم بين الكتل السياسية داخل المجلس، كانعكاس للخلافات بين طرفي حكومة الوفاق (المؤتمر الشعبي العام وحلفائه واللقاء المشترك وشركائه)، والتي تمثلها هذه الكتل في البرلمان. ووجه المجلس خلال الفترة الماضية سلسلة من الاستدعاءات لعدد من أعضاء الحكومة، وفي مقدمتهم وزراء الدفاع والداخلية والمالية والنفط والكهرباء، للإيضاح بشأن الأزمات الأمنية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، ما دفع المجلس إلى استجواب الحكومة بكاملها إثر استمرار تخلف الوزراء المعنيين عن الحضور للرد على أسئلة واستفسارات الأعضاء. وحول مطالبة عدد من أعضاء البرلمان بسحب الثقة من حكومة الوفاق كخطوة تالية للاستجواب في حال عدم اقتناع النواب بردود الحكومة حول القضايا المطروحة في استجوابهم، يرى مراقبون أنه يستحيل على المجلس اتخاذ أي إجراء ضد الحكومة يتجاوز الاستجواب، في ظل انعدام التوافق داخل المجلس، الذي يعد شرطا لصحة القرارات الصادرة عنه، والذي أصبحت قراراته مرهونة بمبدأ التوافق بين الكتل البرلمانية الذي نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.