عدن .. سوق مفتوح للوجع والفاقة    خبير في الطقس يتوقع هطول أمطار غزيرة على مناطق واسعة من اليمن ويحذر من سيول وعواصف رعدية    صحيفة أمريكية: الديون المتراكمة واليمن يتسببان بإغلاق ميناء إيلات    مشائخ ووجهاء مديرية برع بالحديدة يطالبون بضبط المعتدين على الطفل ضياء العامري وتقديمهم للعدالة    أمن العاصمة عدن يلقي القبض على متهم بسرقة مركبات في خور مكسر    الإسلاموية السياسية طائفية بالضرورة بغض النظر عن مذهبها    الإسلاموية السياسية طائفية بالضرورة بغض النظر عن مذهبها    الترب يعزي في وفاة عضو مجلس النواب زيد أبو علي    سريع يعلن عن عملية عسكرية في يافا المحتلة والجيش الاسرائيلي يتحدث عن اعتراض صاروخ    كهنة الجمهورية وأوهام الطهر    وكالة: أحد أفراد طاقم السفينة اليونانية الغارقة يتلقى العلاج في صنعاء    مَن الفار مِن وجهِ مَن؟! .. العدالة حين تفرُّ من وجه المواطن بدلًا من أن تُلاحقه    كهنة الجمهورية وأوهام الطهر    غزة من تحت الركام: مقاومة تُربك الحسابات وصمتٌ يفضح العالم    أمين عام الإصلاح يعزي النائب المعمري في وفاة شقيقه    احتكار الأمارات للغاز يجبر السكان في سقطرى على قطع الأشجار النادرة    استهداف مطار اللد بصاروخ باليستي فرط صوتي نوع "فلسطين 2"    اعتراف صهيوني بصعوبة تفكيك التهديد اليمني أو ردعه    شبوة تشيّع مدير "كاك بنك" أحمد الجبيلي    في معاشيق لن تجد مصحف بل آيات من سورة المنافقون    CNN: الصين تتحدى رسوم ترامب الجمركية وتسجل نموا أفضل في الربع الثاني    حضرموت تغرق في الظلام    الذهب يستقر ويتجه لتسجيل خسائر أسبوعية مع أستمرار قوة الدولار    وحدة مكافحة التهريب بتعز تضبط كمية من الأدوية المهربة والمخدرة    مجلس كلية الإعلام بجامعة عدن يشيد بمشاريع التخرج ويعلن تأسيس ملتقى الخريجين    ليفربول يفتح باب التفاوض لضم الجزائري محمد عمورة من صفوف فولفسبورغ    الانتقالي والواقعية السياسية    بعد انسحاب نيوكاسل.. ليفربول يقترب من إيكيتيكي    السيتي عينه على تير شتيجن    ب 70 مليونا.. يونايتد ينتظر وصول مبويمو    صحفيو وادي حضرموت يدينون التهديدات التي طالت الصحفي الكثيري    ثقافة المقهور وذاكرة القهر: لماذا لم يتحرر اليمن الأسفل من هذه الثقافة؟    اختصروا الطريق وأعلنوا إلحادكم    كله حقك يا فلاح.. الانتفاضة الفلاحية في حضرموت 15 يوليو 1972    رئيس وزراء قطر.. "تقسيم سوريا" سيلحق الضرر بدول مجلس التعاون    تغير المناخ وأثره على انقراض النمور ذات الأسنان السيفية    أهلي جدة يقتحم أزمة الريال وفينيسيوس بعرض قياسي    ريال مدريد يُحقق إيرادات تاريخية رغم غياب الألقاب    الاتحاد الأوروبي يزيد وارداته النفطية من روسيا إلى أعلى مستوى في ثلاثة أشهر    انتقالي رضوم يحيي حفلاً تأبيناً للفقيد سالم عوض قسيبة    السقاف يبحث مع نائب وزير الأوقاف سُبل تعزيز التعاون المشترك    انتقالي وادي حضرموت يناقش مع هيئة الاستثمار جهود تحسين بيئة الاستثمار في الوادي    "وثيقة" سلطات ذمار تضيق على مصانع البلك وتشترط ترخيص لكل عملية بيع    شكرًا لكم يا أصدقائي    نهب شركات الصرافة تجاوز كل الحدود    إلى الإنسان عمار المعلم..    الخطر القادم من العملة المزورة    السيد القائد يدعو لخروج مليوني غدا نصرة للشعب الفلسطيني    تعز .. إرتفاع حالات الاصابة بالامراض الوبائية وتسجيل حالات وفيات    اسباب وعلاج الذبحة الصدرية    بمشاركة اليمن.. الإعلان عن موعد قرعة بطولة كأس الخليج العربي لفئة الشباب    عمرو دياب يحيي ثاني حفلات مونديال الرياضات الإلكترونية    قيادة انتقالي أبين تبحث مع مسؤولي زنجبار أوضاع المديرية    خواطر سرية.. ( الشهداء يضعون الاختبار )    الفلفل الأسود بين الفوائد الغذائية والمحاذير الدوائية    فتاوى الذكاء الاصطناعي تهدد عرش رجال الدين في مصر    اسباب ارتفاع الضغط وعلاجه بلاعشاب    أخطاء شائعة في تناول الأدوية قد تعرض حياتك للخطر!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة المُسدّس الذي أرادَ صالح إرساله لي إلى لندن..
نشر في يمن برس يوم 07 - 12 - 2017

اتّفقنا مع الرئيس اليمني الرّاحل علي عبد الله صالح واختلفنا مَعه أكثر، حول العَديدِ من القضايا اليمنيّة والعربيّة، وكان بَيننا وبينهُ حواراتٍ ساخنةٍ، ولكنّها لم تُعكّر أجواء الوِد والاحترام المُتبادل التي استمرّت لعُقود.
التقينا على أرضيّة مُعارضة المَشروع الأمريكي في العِراق، و"عاصفة الصّحراء" التي أدّت إلى تَدمير هذا البَلد العربي الأصيل، وجَمعنا سويًّا مع عربٍ آخرين ما سُمّي في حينِها "مُعسكر الضّد"، الذي ضَمّ دُولاً مثل السودان والجزائر والأردن وموريتانيا وتونس، مِثلما جمعنا أيضًا الوقوف في الخَندق المُواجِه ل"عاصفة الحزم"، وعُدوان التّحالف العَربي بقيادةِ السعوديّة على اليمن، ولكنّنا اختلفنا معه عِندما قَرّر الانضمام إلى هذا التّحالف قبل ثلاثةِ أيّامٍ من مَقتلِه، وهو المَوقف الذي صَدمنا والكثيرين مِثلنا، خاصّةً أنّه لم يُسعفنا الوَقت لنَعرف أسراره وخَفاياه.
آخر مَرّة زُرت صنعاء كانت في أيّار (مايو) 2000 تَلبيةً لدعوةٍ شخصيّةٍ منه لحُضور الاحتفال بالذّكرى العاشرة للوحدة اليمنيّة التي كان الرئيس صالح يَعتبرها أبرز إنجازاتِه، ولكنّني التقيته عدّة مرّات أثناء زياراته للندن وبرلين وعواصم أوروبيّةٍ أُخرى، قبل عام 2011 الذي شَهِد الاحتجاجات الشعبيّة الضّخمة التي قادت إلى نِهاية حُكمِه.
***
اللّقاءات الصحافيّة مع الرئيس صالح كانت مُمتعةً، لأن الرجل يَحظى بعفويةٍ مُحبّبة، ويتحدّث على سَجيّته، ويُجيب عن الأسئلةِ بصراحةٍ نادرًا ما تُوجد لدى العَديد من الزّعماء العَرب الآخرين، ممّا يُوفّر للصّحافي عناوين رئيسيّةً جذّابةً للقارِئ، وتوزيعًا لافتًا لصحيفتِه أو مَطبوعتِه.
آخر لِقاء أجريته مع الرئيس صالح كان في عام ألفين، على ما أذكر، لم يَكن، وكان الرّجل مُتحفّظًا في أجوبته على غير عادتِه، فقرّرت ان أعزّزه، أي الحِوار، بإضافةِ مُقدّمةٍ طويلةٍ تناولت فيها انطباعاتي عن مَعرض التّحف والهدايا التي تلقّاها من زُعماء العَرب والعالم أثناءِ زِياراته الرسميّة، حيث كان من أبرز بروتوكلاتها تبادل الهداية، حيث كان المَتحف يَحتلّ مَكانًا بارزًا في مُجمّع القصر الجُمهوري في منطقة السبعين.
عِدّة هدايا لفتت نظري، الأولى كانت سفينةً من الذّهب مُقدّمةً من الشيخ زايد بن سلطان، ومَبخرة ذهبيّة ضَخمة من العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز، وسيفًا ذهبيًّا من المُناضل الكبير جورج حبش، زعيم الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، وكان سيفًا مُتواضعًا على كُل حال بالمُقارنةِ مع الهدايا الأُخرى، وساعة روليكس من الزّعيم الليبي معمر القذافي.
هديّتان تَوقّفت عِندَهُما طويلاً، الأولى من الرئيس الفِلسطيني ياسر عرفات، وكانت عبارةً عن مُجسّم لقبّة الصخرة مَصنوعة من الخزف، وقد احتلّت رُكنًا كاملاً من أركان المتحف الرئاسي الأربعة، ممّا يُوحي بأن الرئيس عرفات في كل مرّة كان يزور اليمن، وما أكثر زياراته لها في فترة التسعينات، لأن مُعظم العواصم العربيّة والخليجيّة كانت مُغلقةً في حينها أمامه بسبب مَوقفه من حَرب الكويت، وكان يُقدّم الهديّة نفسها لمُضيفه وصَديقه اليمني، ويَنسى أنّه قَدّم مِثلها في الزّيارات السّابقة.
الهديّة الثانية كانت من القِيادة الصينيّة وعبارة عن قارورتين زُجاجيتين ضَخمتين من المَشروبات الكُحوليّة المُعتّقة، وتحويان إلى جانب الكُحول البيضاء زواحف وسحالي وقوارض مَجهولة بالنّسبة لي.
كتبت مُقدّمة التقرير في قِمّة الصّفحة التي نُشرت فيها المُقابلة، مُتوقّعًا توزيعًا كبيرًا في اليمن، واستحسانًا من القارِئ والقِيادة معًا، لطَرافة المَوضوع الذي كان غير مَطروق وغير مَسبوق، ولكن مُراسلنا في اليمن الأستاذ خالد الحمادي، أخبرني أن آلاف النّسخ جَرى سَحبها من الأسواق بعد ساعات، لأن حزب الإصلاح اليمني السّلفي، ودُعاةٍ آخرين، احتجّوا على قُبولِ رئيس الدّولة هديّةً من الخُمور وهو المُسلم، وكان عليه أن يَرفضها لأن كُل من يَمسّها مَلعون.
المُوزّعون اليمنيون صوّروا التّقرير دون نَص المُقابلة مع الرئيس، وباعوا آلاف النّسخ من هذهِ الصّور للقُرّاء اليَمنيين المُتعطّشين، الأمر الذي يُؤكّد للمَرّة المَليون ذكاء "أبو يمن" وعَبقريّته التجاريّة، وحُبّه للقراءة ولا غَرابةَ في ذلك، ولا نُبالغ إذا قُلنا أن أعداد مُثقّفيه ومُبدعيه في عالم الشّعر والمُوسيقى هُم من بين الأضخم في الوَطن العَربي.
الرئاسة اليمنيّة أصدرت بيانًا قالت فيه أنها حَطّمت القارورتين، تجاوبًا مع انتقادات رجال الدين، واحترامًا لتعاليم العقيدة الإسلاميّة، ولكن المرحوم عبد العزيز عبد الغني، الرّجل الدمث، ورئيس الوزراء لعِدّة مرّات، واحدٌ من أبرز المُقرّبين من الرئيس صالح قال لي روايةً أُخرى ربّما أسردها في يَومٍ ما.
أحد الذّكريات الأُخرى الطّريفة التي لا أنساها، جَرت وقائعها في قصر سَبأ الرئاسي وَسط صنعاء، حيث ذَهبت للقاءِ الرئيس صالح وتلبيةً لدعوة غَداء، جَلسنا نَتبادل الحديث في غُرفةٍ جانبيّةٍ من هذا القَصر الأثريّ بمِعماره اليمني الرائع، وفَجأةً جاء من يقول لنا أن السفرة جاهزة، فقام الرئيس صالح وخَلع بنطاله وارتدى الوزرة، فسَقط مُسدّسه فالتقطّه من بابِ الفُضول، ونَظرت إليه، أي المُسدّس، بإعجاب، فقال لي بعفويّةً إنّه هديّةٌ مِنّي إليك.
قُلت له ماذا أفعل بِه؟ سيّدي الرئيس أنا أعيش في لندن وليس في أبين أو الجوف، واعذرني فإنّني لا أستطيع قُبول هذهِ الهديّة التي يُمكن أن تَقودني إلى مَتاعبٍ كثيرة من بَينها السّجن، فكَيف سأحمِلها في المَطار حيث التّفتيش الدّقيق، فقال لي أنّه سيَتولّى الأمر في مطار صنعاء، وعليّ أن لا أقلق، فقُلت وماذا أفعل بهذهِ الهديّة المَلغومة في مطار هيثرو عند وصولي إلى لندن؟ أجاب بسُرعةِ البديهة: يا سيدي أنا أرسلها لك في الحَقيبة الدبلوماسيّة.. قلت له: سِيادة الرئيس أرجوك اعفيني من هذهِ "المُصيبة" فلديّ من المَشاكل في لندن وغَيرها ما يَكفيني.
***
في أحد المرّات اصطحبني بسيّارَتِه إلى أحدِ القواعد العَسكريّة خارج صنعاء، وقال لي أنّه يُريد أن أُشاهد عَرضًا ل"أوبريت" من تأليفه ويُشرف على إخراجه، وسَيكون من ضِمن فَقرات الاحتفال بذِكرى الوِحدة، فضَحكت وخاصّةً عندما وقف مثل المايسترو يُعطي الإشارات لمَجموعة الجُنود المُشاركة وسط موسيقى عالية، فقال لي ما أضحكك، قلت يا سيدي نَقبل أن تكون رئيسًا، وشيخًا قبليًّا، وخبيرًا عَسكريًّا، وداهية سياسيًّا، لكن لا مُؤلّفًا ومُخرجًا لأوبريت فَنّي فهذهِ كبيرةٌ عليّ.. أرجوك اترك هذا الأمر لأصحابِه.. فلم يَقبل هذهِ المَزحة وبَدأ الغَضب على وَجهه، حيث ارتسمت الكَشرة (نُمرة 11) على جَبينه، وهي أحد القَواسم المُشتركةِ بَيننا.
خَزّنت معه القات أكثر من مَرّة (كنت أمضغه بطريقةٍ بدائيّةٍ من قبيل المُجاملة) في حُضور مَجموعةٍ من أصدقائِه ورِجال دَولته، أمثال الرّجل الداهية عبد الكريم الأرياني، وعبد العزيز عبد الغني، رَحمهما الله، وفي إحدى المَرّات كان الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي من بين الحُضور، وكان يَرتدي بِذلةً زرقاء فاتحة، لم يُشاركنا التّخزين، على ما أذكر، وكان نائبًا للرئيس في حينِها، وكان قليل الكلام.
رَحِم الله الرئيس علي عبد الله صالح، وغَفرَ له ذُنوبه، فالكمال لله وحده، والجُعبة مليئةٌ بمَواقف وذِكريات أُخرى كثيرة لا تَصلُح للنّشر، وستَظل مَحفورةً في ذاكِرتي والكَثيرين الذين كانوا قريبين من الرّجل طِوال فَترة حُكمِه التي امتدت لأكثرَ من 33 عامًا.
رأي اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.