قرار بنقل عدد من القضاة .. اسماء    الانكماش يضرب الاقتصاد البريطاني في أكتوبر.. وتراجع حاد في قطاعي الخدمات والبناء    "ذا تايمز" : لقاءات بين قيادات الانتقالي والاسرائيليين للتنسيق ضد صنعاء    أيها الكائن في رأسي    سياسة في الرياض وعمل على الأرض.. الانتقالي أمام مهمة بناء الدولة قبل إعلانها    الإصطفاف الجماهيري من أجل استعادة استقلال الجنوب    إدانة أممية: المستوطنات باطلة.. وغوتيريش يحذّر من تصاعد عنف المستوطنين في الضفة    الرئيس المشاط يعزي في وفاة العميد عبدالجليل علي الشامي    بيان العار المسيّس    خبير في الطقس يتوقع هطول أمطار متفاوتة الغزارة على بعض المناطق    وزير الشطحات 4×1    زلزال بقوة 6.7 درجة يضرب شمال شرقي اليابان وتحذير من تسونامي    اليوم ..العراق في مواجهة الاردن والجزائر مع الامارات    عدن تختنق بغلاء الأسعار وسط تدهور اقتصادي متسارع    طائرات مسيرة تستهدف مليشيا الانتقالي في شبوة    واشنطن تندد باستمرار احتجاز موظفي سفارتها في صنعاء    الصحفي والقيادي الإعلامي الكبير ياسين المسعودي    الصحفية والإعلامية الكبيرة الدكتورة رؤوفة حسن    أغلبها من حضرموت.. الهجرة الدولية تسجل نزوح 338 أسرة خلال الأسبوع الماضي    إب.. سبعة جرحى في تفجير قنبلة إثر خلافات عائلية وسط انفلات أمني متزايد    كبار الوطن.. بين تعب الجسد وعظمة الروح    إتلاف 180 طناً من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في أمانة العاصمة    الدولار يتراجع إلى أدنى مستوى له    المغرب يهزم سوريا ويبلغ نصف نهائي كأس العرب 2025    غوتيريش: مركز الملك سلمان للإغاثة يُعد نموذجًا بارزًا على السخاء وجودة الخدمات الإنسانية    الأمين العام للأمم المتحدة: "ما حدث في محافظتي حضرموت والمهرة تصعيد خطير"    الرئيس الزُبيدي يتفقد سير العمل بديوان عام وزارة الزراعة والري والثروة السمكية وقطاعاتها    المحرّمي يطّلع على أداء وزارة الأوقاف ويشدد على نشر ثقافة التسامح والوسطية    الدولة أولا.. اصطفاف سياسي ودعم إقليمي لحماية القرار السيادي    ثلاث عادات يومية تعزز صحة الرئتين.. طبيب يوضح    شهد تخرج 1139 طالبا وطالبة.. العرادة: التعليم الركيزة الأساسية لبناء الدولة واستعادة الوطن    ضحايا جراء سقوط سيارة في بئر بمحافظة حجة    منظمة اممية تنقل مقرها الرئيسي من صنعاء إلى عدن    النفط يواصل الارتفاع بعد التوتر المتصاعد بين واشنطن وكاراكاس    نتائج الجولة السادسة من دوري الأبطال    الجنوب راح علينا شانموت جوع    لا مفر إلى السعودية.. صلاح يواجه خيبة أمل جديدة    اليونسكو تدرج "الدان الحضرمي" على قائمة التراث العالمي غير المادي    إسرائيل تحذر واشنطن: لن نسمح بوجود تركي في غزة    فعالية حاشدة للهيئة النسائية في صعدة بذكرى ميلاد فاطمة الزهراء    المنتخب الوطني تحت 23 عاما يغادر بطولة كأس الخليج بعد تعادله مع عمان    ندوة بصنعاء تناقش تكريم المرأة في الإسلام وتنتقد النموذج الغربي    بيان مرتقب لقائد الثورة في اليوم العالمي للمرأة المسلمة    "اليونسكو" تدرج الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي غير المادي    نبحوا من كل عواصم العالم، ومع ذلك خرجوا من الجنوب.    مباراة حاسمة.. اليمن يواجه عمان مساء الغد على بطاقة التأهل لنصف نهائي كأس الخليج    اجتماع موسع بصنعاء لتعزيز التنسيق في حماية المدن التاريخية    60 مليون طن ركام في غزة بينها 4 ملايين طن نفايات خطرة جراء حرب الإبادة    اكتشاف أكبر موقع لآثار أقدام الديناصورات في العالم    إتلاف 8 أطنان أدوية مخالفة ومنتهية الصلاحية في رداع    حضرموت.. المدرسة الوسطية التي شكلت قادة وأدباء وملوكًا وعلماءً عالميين    شبوة.. تتويج الفائزين في منافسات مهرجان محمد بن زايد للهجن 2025    المثقفون ولعنة التاريخ..!!    ضرب الخرافة بتوصيف علمي دقيق    ميسي يقود إنتر ميامي للتتويج بلقب كأس الدوري الأمريكي    إب.. تحذيرات من انتشار الأوبئة جراء طفح مياه الصرف الصحي وسط الأحياء السكنية    رسائل إلى المجتمع    في وداع مهندس التدبّر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة المُسدّس الذي أرادَ صالح إرساله لي إلى لندن..
نشر في يمن برس يوم 07 - 12 - 2017

اتّفقنا مع الرئيس اليمني الرّاحل علي عبد الله صالح واختلفنا مَعه أكثر، حول العَديدِ من القضايا اليمنيّة والعربيّة، وكان بَيننا وبينهُ حواراتٍ ساخنةٍ، ولكنّها لم تُعكّر أجواء الوِد والاحترام المُتبادل التي استمرّت لعُقود.
التقينا على أرضيّة مُعارضة المَشروع الأمريكي في العِراق، و"عاصفة الصّحراء" التي أدّت إلى تَدمير هذا البَلد العربي الأصيل، وجَمعنا سويًّا مع عربٍ آخرين ما سُمّي في حينِها "مُعسكر الضّد"، الذي ضَمّ دُولاً مثل السودان والجزائر والأردن وموريتانيا وتونس، مِثلما جمعنا أيضًا الوقوف في الخَندق المُواجِه ل"عاصفة الحزم"، وعُدوان التّحالف العَربي بقيادةِ السعوديّة على اليمن، ولكنّنا اختلفنا معه عِندما قَرّر الانضمام إلى هذا التّحالف قبل ثلاثةِ أيّامٍ من مَقتلِه، وهو المَوقف الذي صَدمنا والكثيرين مِثلنا، خاصّةً أنّه لم يُسعفنا الوَقت لنَعرف أسراره وخَفاياه.
آخر مَرّة زُرت صنعاء كانت في أيّار (مايو) 2000 تَلبيةً لدعوةٍ شخصيّةٍ منه لحُضور الاحتفال بالذّكرى العاشرة للوحدة اليمنيّة التي كان الرئيس صالح يَعتبرها أبرز إنجازاتِه، ولكنّني التقيته عدّة مرّات أثناء زياراته للندن وبرلين وعواصم أوروبيّةٍ أُخرى، قبل عام 2011 الذي شَهِد الاحتجاجات الشعبيّة الضّخمة التي قادت إلى نِهاية حُكمِه.
***
اللّقاءات الصحافيّة مع الرئيس صالح كانت مُمتعةً، لأن الرجل يَحظى بعفويةٍ مُحبّبة، ويتحدّث على سَجيّته، ويُجيب عن الأسئلةِ بصراحةٍ نادرًا ما تُوجد لدى العَديد من الزّعماء العَرب الآخرين، ممّا يُوفّر للصّحافي عناوين رئيسيّةً جذّابةً للقارِئ، وتوزيعًا لافتًا لصحيفتِه أو مَطبوعتِه.
آخر لِقاء أجريته مع الرئيس صالح كان في عام ألفين، على ما أذكر، لم يَكن، وكان الرّجل مُتحفّظًا في أجوبته على غير عادتِه، فقرّرت ان أعزّزه، أي الحِوار، بإضافةِ مُقدّمةٍ طويلةٍ تناولت فيها انطباعاتي عن مَعرض التّحف والهدايا التي تلقّاها من زُعماء العَرب والعالم أثناءِ زِياراته الرسميّة، حيث كان من أبرز بروتوكلاتها تبادل الهداية، حيث كان المَتحف يَحتلّ مَكانًا بارزًا في مُجمّع القصر الجُمهوري في منطقة السبعين.
عِدّة هدايا لفتت نظري، الأولى كانت سفينةً من الذّهب مُقدّمةً من الشيخ زايد بن سلطان، ومَبخرة ذهبيّة ضَخمة من العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز، وسيفًا ذهبيًّا من المُناضل الكبير جورج حبش، زعيم الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، وكان سيفًا مُتواضعًا على كُل حال بالمُقارنةِ مع الهدايا الأُخرى، وساعة روليكس من الزّعيم الليبي معمر القذافي.
هديّتان تَوقّفت عِندَهُما طويلاً، الأولى من الرئيس الفِلسطيني ياسر عرفات، وكانت عبارةً عن مُجسّم لقبّة الصخرة مَصنوعة من الخزف، وقد احتلّت رُكنًا كاملاً من أركان المتحف الرئاسي الأربعة، ممّا يُوحي بأن الرئيس عرفات في كل مرّة كان يزور اليمن، وما أكثر زياراته لها في فترة التسعينات، لأن مُعظم العواصم العربيّة والخليجيّة كانت مُغلقةً في حينها أمامه بسبب مَوقفه من حَرب الكويت، وكان يُقدّم الهديّة نفسها لمُضيفه وصَديقه اليمني، ويَنسى أنّه قَدّم مِثلها في الزّيارات السّابقة.
الهديّة الثانية كانت من القِيادة الصينيّة وعبارة عن قارورتين زُجاجيتين ضَخمتين من المَشروبات الكُحوليّة المُعتّقة، وتحويان إلى جانب الكُحول البيضاء زواحف وسحالي وقوارض مَجهولة بالنّسبة لي.
كتبت مُقدّمة التقرير في قِمّة الصّفحة التي نُشرت فيها المُقابلة، مُتوقّعًا توزيعًا كبيرًا في اليمن، واستحسانًا من القارِئ والقِيادة معًا، لطَرافة المَوضوع الذي كان غير مَطروق وغير مَسبوق، ولكن مُراسلنا في اليمن الأستاذ خالد الحمادي، أخبرني أن آلاف النّسخ جَرى سَحبها من الأسواق بعد ساعات، لأن حزب الإصلاح اليمني السّلفي، ودُعاةٍ آخرين، احتجّوا على قُبولِ رئيس الدّولة هديّةً من الخُمور وهو المُسلم، وكان عليه أن يَرفضها لأن كُل من يَمسّها مَلعون.
المُوزّعون اليمنيون صوّروا التّقرير دون نَص المُقابلة مع الرئيس، وباعوا آلاف النّسخ من هذهِ الصّور للقُرّاء اليَمنيين المُتعطّشين، الأمر الذي يُؤكّد للمَرّة المَليون ذكاء "أبو يمن" وعَبقريّته التجاريّة، وحُبّه للقراءة ولا غَرابةَ في ذلك، ولا نُبالغ إذا قُلنا أن أعداد مُثقّفيه ومُبدعيه في عالم الشّعر والمُوسيقى هُم من بين الأضخم في الوَطن العَربي.
الرئاسة اليمنيّة أصدرت بيانًا قالت فيه أنها حَطّمت القارورتين، تجاوبًا مع انتقادات رجال الدين، واحترامًا لتعاليم العقيدة الإسلاميّة، ولكن المرحوم عبد العزيز عبد الغني، الرّجل الدمث، ورئيس الوزراء لعِدّة مرّات، واحدٌ من أبرز المُقرّبين من الرئيس صالح قال لي روايةً أُخرى ربّما أسردها في يَومٍ ما.
أحد الذّكريات الأُخرى الطّريفة التي لا أنساها، جَرت وقائعها في قصر سَبأ الرئاسي وَسط صنعاء، حيث ذَهبت للقاءِ الرئيس صالح وتلبيةً لدعوة غَداء، جَلسنا نَتبادل الحديث في غُرفةٍ جانبيّةٍ من هذا القَصر الأثريّ بمِعماره اليمني الرائع، وفَجأةً جاء من يقول لنا أن السفرة جاهزة، فقام الرئيس صالح وخَلع بنطاله وارتدى الوزرة، فسَقط مُسدّسه فالتقطّه من بابِ الفُضول، ونَظرت إليه، أي المُسدّس، بإعجاب، فقال لي بعفويّةً إنّه هديّةٌ مِنّي إليك.
قُلت له ماذا أفعل بِه؟ سيّدي الرئيس أنا أعيش في لندن وليس في أبين أو الجوف، واعذرني فإنّني لا أستطيع قُبول هذهِ الهديّة التي يُمكن أن تَقودني إلى مَتاعبٍ كثيرة من بَينها السّجن، فكَيف سأحمِلها في المَطار حيث التّفتيش الدّقيق، فقال لي أنّه سيَتولّى الأمر في مطار صنعاء، وعليّ أن لا أقلق، فقُلت وماذا أفعل بهذهِ الهديّة المَلغومة في مطار هيثرو عند وصولي إلى لندن؟ أجاب بسُرعةِ البديهة: يا سيدي أنا أرسلها لك في الحَقيبة الدبلوماسيّة.. قلت له: سِيادة الرئيس أرجوك اعفيني من هذهِ "المُصيبة" فلديّ من المَشاكل في لندن وغَيرها ما يَكفيني.
***
في أحد المرّات اصطحبني بسيّارَتِه إلى أحدِ القواعد العَسكريّة خارج صنعاء، وقال لي أنّه يُريد أن أُشاهد عَرضًا ل"أوبريت" من تأليفه ويُشرف على إخراجه، وسَيكون من ضِمن فَقرات الاحتفال بذِكرى الوِحدة، فضَحكت وخاصّةً عندما وقف مثل المايسترو يُعطي الإشارات لمَجموعة الجُنود المُشاركة وسط موسيقى عالية، فقال لي ما أضحكك، قلت يا سيدي نَقبل أن تكون رئيسًا، وشيخًا قبليًّا، وخبيرًا عَسكريًّا، وداهية سياسيًّا، لكن لا مُؤلّفًا ومُخرجًا لأوبريت فَنّي فهذهِ كبيرةٌ عليّ.. أرجوك اترك هذا الأمر لأصحابِه.. فلم يَقبل هذهِ المَزحة وبَدأ الغَضب على وَجهه، حيث ارتسمت الكَشرة (نُمرة 11) على جَبينه، وهي أحد القَواسم المُشتركةِ بَيننا.
خَزّنت معه القات أكثر من مَرّة (كنت أمضغه بطريقةٍ بدائيّةٍ من قبيل المُجاملة) في حُضور مَجموعةٍ من أصدقائِه ورِجال دَولته، أمثال الرّجل الداهية عبد الكريم الأرياني، وعبد العزيز عبد الغني، رَحمهما الله، وفي إحدى المَرّات كان الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي من بين الحُضور، وكان يَرتدي بِذلةً زرقاء فاتحة، لم يُشاركنا التّخزين، على ما أذكر، وكان نائبًا للرئيس في حينِها، وكان قليل الكلام.
رَحِم الله الرئيس علي عبد الله صالح، وغَفرَ له ذُنوبه، فالكمال لله وحده، والجُعبة مليئةٌ بمَواقف وذِكريات أُخرى كثيرة لا تَصلُح للنّشر، وستَظل مَحفورةً في ذاكِرتي والكَثيرين الذين كانوا قريبين من الرّجل طِوال فَترة حُكمِه التي امتدت لأكثرَ من 33 عامًا.
رأي اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.