مقتل 6 وإصابة نحو 20 بانفجار داخل مسجد في حمص    اشتباكات في هضبة حضرموت وطيران حربي يستهدف وادي نحب    ريال مدريد يعير مهاجمه البرازيلي إندريك إلى ليون الفرنسي    الأرصاد: صقيع متوقع على أجزاء من المرتفعات ونصائح للمزارعين ومربي الماشية والنحل والدواجن    مفتاح: جمعة رجب محطة إيمانية تجسد هوية الأنصار وجاهزية اليمن للجولات القادمة    الصحفية والمذيعة الإعلامية القديرة زهور ناصر    صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    طيران العدوان السعودي يستهدف "أدواته" في حضرموت وسقوط قتلى وجرحى    عاجل: إصابة 12 جنديًا في عملية تطهير هضبة حضرموت من المتمردين المطلوبين للعدالة    كاتب حضرمي يطالب بحسم الفوضى وترسيخ النظام ومعاقبة المتمردين    اليمن يتوعد الكيان المؤقت بما هو أشدّ وأنكى    ترامب يعلن تنفيذ ضربات "فتاكة" ضد تنظيم القاعدة بنيجيريا    ما بعد تحرير حضرموت ليس كما قبله    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة المُسدّس الذي أرادَ صالح إرساله لي إلى لندن..
نشر في يمن برس يوم 07 - 12 - 2017

اتّفقنا مع الرئيس اليمني الرّاحل علي عبد الله صالح واختلفنا مَعه أكثر، حول العَديدِ من القضايا اليمنيّة والعربيّة، وكان بَيننا وبينهُ حواراتٍ ساخنةٍ، ولكنّها لم تُعكّر أجواء الوِد والاحترام المُتبادل التي استمرّت لعُقود.
التقينا على أرضيّة مُعارضة المَشروع الأمريكي في العِراق، و"عاصفة الصّحراء" التي أدّت إلى تَدمير هذا البَلد العربي الأصيل، وجَمعنا سويًّا مع عربٍ آخرين ما سُمّي في حينِها "مُعسكر الضّد"، الذي ضَمّ دُولاً مثل السودان والجزائر والأردن وموريتانيا وتونس، مِثلما جمعنا أيضًا الوقوف في الخَندق المُواجِه ل"عاصفة الحزم"، وعُدوان التّحالف العَربي بقيادةِ السعوديّة على اليمن، ولكنّنا اختلفنا معه عِندما قَرّر الانضمام إلى هذا التّحالف قبل ثلاثةِ أيّامٍ من مَقتلِه، وهو المَوقف الذي صَدمنا والكثيرين مِثلنا، خاصّةً أنّه لم يُسعفنا الوَقت لنَعرف أسراره وخَفاياه.
آخر مَرّة زُرت صنعاء كانت في أيّار (مايو) 2000 تَلبيةً لدعوةٍ شخصيّةٍ منه لحُضور الاحتفال بالذّكرى العاشرة للوحدة اليمنيّة التي كان الرئيس صالح يَعتبرها أبرز إنجازاتِه، ولكنّني التقيته عدّة مرّات أثناء زياراته للندن وبرلين وعواصم أوروبيّةٍ أُخرى، قبل عام 2011 الذي شَهِد الاحتجاجات الشعبيّة الضّخمة التي قادت إلى نِهاية حُكمِه.
***
اللّقاءات الصحافيّة مع الرئيس صالح كانت مُمتعةً، لأن الرجل يَحظى بعفويةٍ مُحبّبة، ويتحدّث على سَجيّته، ويُجيب عن الأسئلةِ بصراحةٍ نادرًا ما تُوجد لدى العَديد من الزّعماء العَرب الآخرين، ممّا يُوفّر للصّحافي عناوين رئيسيّةً جذّابةً للقارِئ، وتوزيعًا لافتًا لصحيفتِه أو مَطبوعتِه.
آخر لِقاء أجريته مع الرئيس صالح كان في عام ألفين، على ما أذكر، لم يَكن، وكان الرّجل مُتحفّظًا في أجوبته على غير عادتِه، فقرّرت ان أعزّزه، أي الحِوار، بإضافةِ مُقدّمةٍ طويلةٍ تناولت فيها انطباعاتي عن مَعرض التّحف والهدايا التي تلقّاها من زُعماء العَرب والعالم أثناءِ زِياراته الرسميّة، حيث كان من أبرز بروتوكلاتها تبادل الهداية، حيث كان المَتحف يَحتلّ مَكانًا بارزًا في مُجمّع القصر الجُمهوري في منطقة السبعين.
عِدّة هدايا لفتت نظري، الأولى كانت سفينةً من الذّهب مُقدّمةً من الشيخ زايد بن سلطان، ومَبخرة ذهبيّة ضَخمة من العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز، وسيفًا ذهبيًّا من المُناضل الكبير جورج حبش، زعيم الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، وكان سيفًا مُتواضعًا على كُل حال بالمُقارنةِ مع الهدايا الأُخرى، وساعة روليكس من الزّعيم الليبي معمر القذافي.
هديّتان تَوقّفت عِندَهُما طويلاً، الأولى من الرئيس الفِلسطيني ياسر عرفات، وكانت عبارةً عن مُجسّم لقبّة الصخرة مَصنوعة من الخزف، وقد احتلّت رُكنًا كاملاً من أركان المتحف الرئاسي الأربعة، ممّا يُوحي بأن الرئيس عرفات في كل مرّة كان يزور اليمن، وما أكثر زياراته لها في فترة التسعينات، لأن مُعظم العواصم العربيّة والخليجيّة كانت مُغلقةً في حينها أمامه بسبب مَوقفه من حَرب الكويت، وكان يُقدّم الهديّة نفسها لمُضيفه وصَديقه اليمني، ويَنسى أنّه قَدّم مِثلها في الزّيارات السّابقة.
الهديّة الثانية كانت من القِيادة الصينيّة وعبارة عن قارورتين زُجاجيتين ضَخمتين من المَشروبات الكُحوليّة المُعتّقة، وتحويان إلى جانب الكُحول البيضاء زواحف وسحالي وقوارض مَجهولة بالنّسبة لي.
كتبت مُقدّمة التقرير في قِمّة الصّفحة التي نُشرت فيها المُقابلة، مُتوقّعًا توزيعًا كبيرًا في اليمن، واستحسانًا من القارِئ والقِيادة معًا، لطَرافة المَوضوع الذي كان غير مَطروق وغير مَسبوق، ولكن مُراسلنا في اليمن الأستاذ خالد الحمادي، أخبرني أن آلاف النّسخ جَرى سَحبها من الأسواق بعد ساعات، لأن حزب الإصلاح اليمني السّلفي، ودُعاةٍ آخرين، احتجّوا على قُبولِ رئيس الدّولة هديّةً من الخُمور وهو المُسلم، وكان عليه أن يَرفضها لأن كُل من يَمسّها مَلعون.
المُوزّعون اليمنيون صوّروا التّقرير دون نَص المُقابلة مع الرئيس، وباعوا آلاف النّسخ من هذهِ الصّور للقُرّاء اليَمنيين المُتعطّشين، الأمر الذي يُؤكّد للمَرّة المَليون ذكاء "أبو يمن" وعَبقريّته التجاريّة، وحُبّه للقراءة ولا غَرابةَ في ذلك، ولا نُبالغ إذا قُلنا أن أعداد مُثقّفيه ومُبدعيه في عالم الشّعر والمُوسيقى هُم من بين الأضخم في الوَطن العَربي.
الرئاسة اليمنيّة أصدرت بيانًا قالت فيه أنها حَطّمت القارورتين، تجاوبًا مع انتقادات رجال الدين، واحترامًا لتعاليم العقيدة الإسلاميّة، ولكن المرحوم عبد العزيز عبد الغني، الرّجل الدمث، ورئيس الوزراء لعِدّة مرّات، واحدٌ من أبرز المُقرّبين من الرئيس صالح قال لي روايةً أُخرى ربّما أسردها في يَومٍ ما.
أحد الذّكريات الأُخرى الطّريفة التي لا أنساها، جَرت وقائعها في قصر سَبأ الرئاسي وَسط صنعاء، حيث ذَهبت للقاءِ الرئيس صالح وتلبيةً لدعوة غَداء، جَلسنا نَتبادل الحديث في غُرفةٍ جانبيّةٍ من هذا القَصر الأثريّ بمِعماره اليمني الرائع، وفَجأةً جاء من يقول لنا أن السفرة جاهزة، فقام الرئيس صالح وخَلع بنطاله وارتدى الوزرة، فسَقط مُسدّسه فالتقطّه من بابِ الفُضول، ونَظرت إليه، أي المُسدّس، بإعجاب، فقال لي بعفويّةً إنّه هديّةٌ مِنّي إليك.
قُلت له ماذا أفعل بِه؟ سيّدي الرئيس أنا أعيش في لندن وليس في أبين أو الجوف، واعذرني فإنّني لا أستطيع قُبول هذهِ الهديّة التي يُمكن أن تَقودني إلى مَتاعبٍ كثيرة من بَينها السّجن، فكَيف سأحمِلها في المَطار حيث التّفتيش الدّقيق، فقال لي أنّه سيَتولّى الأمر في مطار صنعاء، وعليّ أن لا أقلق، فقُلت وماذا أفعل بهذهِ الهديّة المَلغومة في مطار هيثرو عند وصولي إلى لندن؟ أجاب بسُرعةِ البديهة: يا سيدي أنا أرسلها لك في الحَقيبة الدبلوماسيّة.. قلت له: سِيادة الرئيس أرجوك اعفيني من هذهِ "المُصيبة" فلديّ من المَشاكل في لندن وغَيرها ما يَكفيني.
***
في أحد المرّات اصطحبني بسيّارَتِه إلى أحدِ القواعد العَسكريّة خارج صنعاء، وقال لي أنّه يُريد أن أُشاهد عَرضًا ل"أوبريت" من تأليفه ويُشرف على إخراجه، وسَيكون من ضِمن فَقرات الاحتفال بذِكرى الوِحدة، فضَحكت وخاصّةً عندما وقف مثل المايسترو يُعطي الإشارات لمَجموعة الجُنود المُشاركة وسط موسيقى عالية، فقال لي ما أضحكك، قلت يا سيدي نَقبل أن تكون رئيسًا، وشيخًا قبليًّا، وخبيرًا عَسكريًّا، وداهية سياسيًّا، لكن لا مُؤلّفًا ومُخرجًا لأوبريت فَنّي فهذهِ كبيرةٌ عليّ.. أرجوك اترك هذا الأمر لأصحابِه.. فلم يَقبل هذهِ المَزحة وبَدأ الغَضب على وَجهه، حيث ارتسمت الكَشرة (نُمرة 11) على جَبينه، وهي أحد القَواسم المُشتركةِ بَيننا.
خَزّنت معه القات أكثر من مَرّة (كنت أمضغه بطريقةٍ بدائيّةٍ من قبيل المُجاملة) في حُضور مَجموعةٍ من أصدقائِه ورِجال دَولته، أمثال الرّجل الداهية عبد الكريم الأرياني، وعبد العزيز عبد الغني، رَحمهما الله، وفي إحدى المَرّات كان الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي من بين الحُضور، وكان يَرتدي بِذلةً زرقاء فاتحة، لم يُشاركنا التّخزين، على ما أذكر، وكان نائبًا للرئيس في حينِها، وكان قليل الكلام.
رَحِم الله الرئيس علي عبد الله صالح، وغَفرَ له ذُنوبه، فالكمال لله وحده، والجُعبة مليئةٌ بمَواقف وذِكريات أُخرى كثيرة لا تَصلُح للنّشر، وستَظل مَحفورةً في ذاكِرتي والكَثيرين الذين كانوا قريبين من الرّجل طِوال فَترة حُكمِه التي امتدت لأكثرَ من 33 عامًا.
رأي اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.