في وقت متأخر من إحدى ليالي الخريف الماضي، جلستُ على فراش يكاد يلتهمه العفن في ساحة مهجورة في بلدة حرض شمالي اليمن، بينما كان طالب بالمدرسة الثانوية يبلغ من العمر 20 عاماً، من بلدة ريفية إثيوبية - سأدعوه باسم «شيكوري» يخبرني حكايته. كان شيكوري قد ترك منزله بحثاً عن عمل في المملكة العربية السعودية، ولكن عندما وصل اليمن في طريقه، وجد نفسه محاصراً في رعب لا يمكن تصوره.
اختطفه متجرون في البشر واقتادوه إلى معسكر معزول في الصحراء حيث يقومون بتعذيب المهاجرين الأفارقة للحصول على المال فديةً من أقاربهم وأصدقائهم. دفع فديته ولكن تم بيعه إلى مجموعة ثانية، وأيضاً دفع الفدية مرة أخرى، ليفرجوا عنه، لتختطفه بعدها مجموعة ثالثة.
علقت المجموعة الثالثة شيكوري بالأسلاك المعدنية من إبهاميه كل يوم لمدة تصل إلى خمسة عشر دقيقة في كل مرة، ربطوا أعضائه التناسلية بحبل وعلقوا زجاجة ماء مملوءة بالحبل. كل هذا لإجباره على اعطائهم رقم هاتف أحد أفراد أسرته الذين يمكن أن يرسلوا المال من أجل إطلاق سراحه، بعد 15 يوماً من رفض إعطاء جلاديه أي رقم، وصل من الضعف مبلغا، فلم يعد قادراً على تناول الطعام أو الكلام والحركة. جره التجار من رجليه وألقوا به في أقرب طريق حيث أنقذته مجموعة تساعد المهاجرين.
حرض هي بلدة صغيرة تقع على بعد سبعة كيلومترات إلى الجنوب من الحدود السعودية، وقدّر مسؤول محلي في الحكومة أن نحو ثمانين في المئة من اقتصاد المدينة يعتمد على الاتجار وتهريب البشر والبضائع.في السنوات الأخيرة، أنشأ المتجرون اليمنيون معسكرات التعذيب هذه في الصحراء حول حرض في السنوات الأخيرة، ووصف مسؤول محلي اثني عشر من هذه المعسكرات، وقدّر أنه قد يكون هناك حوالي ثلاثين معسكراً في المنطقة.
يعلم المسؤولون الحكوميون جيداً بوجود هذه المعسكرات، وقاموا بمداهمتها بشكل متقطع فقط وآخر مرة كانت قبل عام، وقالوا إنه بسبب إخفاق الحكومة في مقاضاة المتجرين يعاد إقامة المعسكرات وتشغيلها مرة أخرى في غضون أسبوع.
ينتظر المتجرون على شواطئ البحر الأحمر وخليج عدن المهاجرين الذين دفعوا مبالغ كبيرة للمهربين من أجل عبور آمن إلى المملكة العربية السعودية، وهي البلد الغني حيث يأملون في العثور على عمل. ويعمل المتجرون مع طواقم القوارب والمهربين وغيرهم من الشبكات التي تمتد غالباً من جيبوتي والصومال وإثيوبيا وصولا إلى المملكة العربية السعودية، ويطلبون المال من المهاجرين حال مغادرتهم القوارب، ويأخذون من لا يستطيع أو يرفض الدفع إلى المعسكرات الصحراوية الخاصة بهم.
قال شيكوري إنه واجه قوات حكومية تتواطأ مع التجار، فبعد إطلاق سراحه من معسكر التعذيب الثاني، كان شيكوري يسير في اتجاه الحدود السعودية مع تسعة أثيوبيين آخرين عندما وصلوا إلى نقطة تفتيش خارج حرض، حيث أمسك بهم أربعة من عناصر نقطة التفتيش يرتدون الزي العسكري وسرقوا أموالهم وأجبروهم على الصعود في شاحنة من نوع تويوتا هايلكس بيضاء دخلت نقطة التفتيش، وعندما مرّت الشاحنة عبر نقاط التفتيش باتجاه حرض، رأى شيكوري السائق يدفع النقود للحراس، عندها خشي شيكوري أن الشاحنة كانت تسير مباشرة إلى معسكر تعذيب.
عندما تباطأت السيارة عند نقطة التفتيش الأخيرة قبل حرض، تمكن شيكوري والعديد من أصدقائه من القفز، وحين رآهم عنصر نقطة التفتيش أخبرهم أنهم سيتعرضون لخطر الخطف مرة أخرى، وأن زملائه يريدون أخذهم إلى الصليب الأحمر، فصعدوا في مركبة عليها إشارة الشرطة وكان يقودها أحد الضباط لكنه اقتادهم إلى معسكر آخر للمتجرين في الصحراء.
كان شيكوري واحداً من ثمانية عشر مهاجراً قابلتُهم من أجل إعداد تقرير حول معسكرات التعذيب في اليمن. كما أنني تحدثت مع عمال إغاثة ومسؤولين محليين ومهربين ومتجرين. وقال المهاجرون إنهم شهدوا حالات اغتصاب وتعرضوا للتعذيب وغيره من الانتهاكات، وأشارت روايات المهاجرين والمسؤولين والمهربين والمتجرين على حد سواء إلى أن عصابات الاتجار تعمل بحصانة وتواطؤ مع الحكومة اليمنية.
من المقرر أن يفتح البرلمان اليمني باب النقاش لمدة يومين في الأسابيع المقبلة حول مشروع قانون مكافحة الاتجار بالبشر الذي يمكن أن يزيد الحماية لضحايا الاتجار بالبشر بشكل كبير.
وعلى اليمن تمرير قانون يشتمل على عقوبات جنائية للمتجرين والمتواطئين معهم، ويجب تنفيذ حملة رفيعة المستوى لمعاقبة المسؤولين المتورطين على كافة المستويات في معسكرات التعذيب.
أمضى اليمن العامين الماضيين في محاولةٍ لخلق نظام جديد يحترم سيادة القانون وحقوق شعبه، ويجب أن يكون احترام وحماية حقوق المهاجرين جزءاً من هذا الجهد.