استيقظت التلميذة ألطاف طلال أحمد 11 عاماً.. ساعدت أمها في إعداد الطعام رغم صغر سنها ثم اتجهت إلى مدرستها مدرسة الوحدة أسرار الكائنة خارج المدينة. وحين دق جرس الدخول.. اتجهت الطالبات إلى قاعات الاختبار، وما هي إلا ساعة حتى بدأت الطالبات يغادرن المدرسة والعودة الى منازلهن. وصلت الطالبة ألطاف منزل أسرتها بعد أن ودعت زميلاتها بحرارة، وكأنها تودعن الوداع الأخير.. زال عنها هم الاختبار، ولكن ذلك لا يمنعها من الدخول في هم جديد.. ساعدت ألطاف أمها في إعداد غداء للأسرة، وفي الساعة الثانية اتجهت نحو أطراف القرية.. هناك حيث يتوفر الماء والعشب لتخفف عن أمها بعض أعمال المنزل. وصلت ألطاف إلى المكان المعتاد.. وبدأت تجمع العشب بيدها الصغيرة.. وجمعت بما فيه الكفاية من العشب وقبل أن تغادر المكان لفت انتباهها جذوة من العشب الأخضر الطويل على حافة البئر القابعة بجوارها.. فاتجهت نحو العشر لتجمعه لتشبع أغنامها، وبينما هي كذلك تدحرجت نحو الأسفل لتستقر أسفل البئر المفتوح. كانت ألطاف تستنجد بأحجار البئر وحاولت أن تتشبث بالحياة لكن الموت كان لها بالمرصاد، ولكن دون جدوى فما هي إلا لحظات حتى فارقت الحياة، إلاّ أن يديها استمرت قابضتان على ذلك الشعب الأخضر الذي كانت تحلم أن تطعمه أغنامها. في هذه اللحظة أرتفع صوت الأغنام عالياً، ليس جوعاً وإنما استنجاداً لإنقاذ حياة الطفلة ألطاف، سمعت الأم صوت الأغنام غريباً فتذكرت طفلتها الصغيرة.. تأملتها من على البعد ولم ترها، فتسرب الخوف إلى قلبها.. اتجهت الأم نحو المكان حيث العشب لتساعد ابنتها الصغيرة في جمع وحمل العشب.. كانت تمشي بخطوات مرتبكة وقلبها يخفق أمامها.. واصلت السير وطيف ألطاف مختفياً.. أسرعت أكثر فأكثر.. وما أن وصلت إلى فوهة البئر حتى كاد يزيغ عقلها.. بحثت الأم عن ابنتها فلم تجدها.. تصرخ للمرة الألف تناديها من فوهة البئر.. ارتفع صياحها أكثر ليصل إلى إذن القرية بأسرها، وعندما رأت قطعة القماش المليئة بالعشب، وحذاء ألطاف أدركت أن ابنتها تقبع في قاع البئر.. لم تتمالك الأم نفسها وبدون شعور رمت بجسمها إلى داخل البئر بحثاً عن ابنتها الصغيرة، وبعد أن لمست جسمها سحبتها إلى صدرها بقوة ضمتها حاولت رفعها وإخراجها لكن دون جدوى هي أيضاً لم تكن تجيد السباحة.. أدركت الأم نهايتها وبدأ الموت يغازلها من كل زاوية من زوايا البئر فتمسكت بابنتها بقوة أكبر وكأنها لا تريد أن تفارقها فكان لها ما أرادت حيث دخلت في غيبوبة لم تفق منها. وصل أهالي القرية إلى فوهة البئر بعد أن سمع أهالي صراخ الأم قبل أن ترمي بنفسها إلى داخل البئر فأندفع أحدهم إلى الأسفل وبمساعدة الآخرين تمكن من إخراج الأم وابنتها.. كانت الأم في غيبوبة الموت والابنة كالعصفور الميت.. كانت باردة كالحديد، وقابضة بيدها الصغيرة على العشب الأخضر.. حملت القرية ألطاف على دراجة نارية إلى المفرق ثم حولت إلى مستشفى الرفاعي ولكن الموت كان أقرب إليها من الحياة، بينما كتبت الحياة لأمها بعد أن كانت في أعماق فم الموت. غادرت ألطاف القرية تاركةً بعدها ثلاثة أخوان وأخت وأباً مريضاً وأماً مجنونة لفراقها فبكاها الجميع.. نعم أسدل الستار على جسد ألطاف في مقبرة القرية ضرابة الأسرار وبموتها مات العشب وماتت الماشية.