تصاعدت حدة التوتر الإقليمي القائم بين قطبي الصراع الرئيسيين، السعودية وإيران، على خلفية ما يجري في اليمن، حيث تجاوز يوم أمس نقطة التصعيد الكلامي بين الطرفين، لينتقل إلى الميدان داخل الأرض اليمنية، بعدما اختارت الرياض الردّ على التصريحات النارية الصادرة من المسؤولين في طهران، برسائل ميدانية، من شأنها ان تقود إلى مزيد من توتير الأجواء الإقليمية، وهو ما تبدّى في قيام التحالف الذي تقوده المملكة النفطية بتدمير مطار صنعاء الدولي، غداة منع طائرة ايرانية من الهبوط على مدرجاته، في تطوّر سبقه قيام الطائرات السعودية بإلقاء مناشير من أجواء اليمن تحذّر مما وصفته ب «المد الفارسي»، ما استدعى رداً ايرانياً وصف التصرّف السعودي بعبارات من قبيل «المتهوّر» و «المتخلّف». وفي خضمّ التوترات الناتجة عن العمليات العسكرية التي تشنها دول التحالف بقيادة السعودية ضد مواقع المتمردين الحوثيين وفلول القوات الموالية للرئيس السابق في اليمن، اعترضت البحرية الإيرانية، يوم أمس، سفينة تجاريّة أميركية قرب مضيق هرمز، في تطوّر طرح تساؤلات كثيرة، سواء في توقيته او في ترافقه مع تطوّرات اخرى في العلاقات الايرانية الاميركية، بالرغم من أن ايران وضعت الواقعة في إطار اجراء قانوني واداري وليس عسكرياً او سياسياً. وفي معرض تفسيرها لهذه الواقعة، اشارت وكالات الانباء الايرانية، الى ان القوات البحرية اعترضت السفينة الاميركية واقتادتها الى احد الموانئ الايرانية، مشيرة الى ان ذلك حصل على خلفية مخالفات مالية للسفينة مع دائرة الموانئ الايرانية. من جهتها، سارعت وزارة الدفاع الأميركية إلى الإعلان أنّ البحرية الإيرانية أرغمت السفينة «مايرسك تيغريس»، التي ترفع علم جزر مارشال، على التوجه إلى جزيرة لاراك الإيرانية، بعدما أطلقت باتجاهها طلقات تحذيرية. وقال المتحدث باسم البنتاغون ستيف وارن إنّ السفينة «رضخت للطلب الإيراني ودخلت المياه قبالة الجزيرة»، مضيفاً «للوهلة الأولى يبدو الأمر عملاً استفزازياً.. ولكن ليست لدينا كل الحقائق بعد». وتزامن هذا الحادث مع تصاعد التوتّر بين إيران والسعودية على خلفيّة مناشير ألقتها طائرات «التحالف»، على مدى أسبوعين، وتضمّنت الفقرة التالية: «أخي في اليمن، إن الهدف الحقيقي للتحالف هو دعم الشعب اليمني ضدّ المدّ الفارسيّ»، مذيّلة بتوقيع «القيادة المشتركة لقوّات عاصفة الحزم»، الأمر الذي دفع الأمين العام لمجلس الأمن القومي الايراني علي شمخاني إلى الردّ، متهماً السعودية باستخدام تكتيكات «فترة الحرب الباردة» في اليمن. وفي كلمة ألقاها خلال «ملتقى الحكومة والشعب والمستقبل المشترك» المنعقد في طهران، قال شمخاني إنّ هذا التصرّف يعدّ «تكراراً لعقيدة الغرب الفاشلة من قبل السعودية، ومؤشّراً على تخلّفها العقليّ». واعتبر أنّ «السعودية قامت بهذا الإجراء بشكل متهوّر»، متّهماً إيّاها بأنّها تريد «بث الرعب والخوف، في حين أنّ الشعب اليمني أعلن بأنّ الأشقاء الإيرانيين هم الذين قدّموا له الدعم ونقلوا جرحاه لتلقّي العلاج» في إيران. وحول ما إذا كانت إيران ستقوم بالرد على التصرف السعودي، أكّد أنّ «الوقت لم ينقض بعد للرد». وأشار إلى أنّ السعودية «تجاوزت كل المعايير الأخلاقية والإسلامية بعدوانها على اليمن»، مؤكداً أنّ الشعب اليمني - يعني الحوثيين فقط-، «أصبح أكثر تماسكاً ووحدة جراء العدوان وسيوجه صفعة قوية للمعتدين». وأكد شمخاني أنّ «طهران دمّرت مجموعات إرهابية تكفيرية مدعومة من السعودية والإمارات في مهدها قبل أن تتمكن من تنفيذ أيّ عمليات»، مضيفاً «أرسلنا رسائل إيجابية للسعودية وضبطنا الإعلام، لكن للأسف الردّ كان سيئاً جداً من خلال سلوكهم». اما رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء حسن فيروز آبادي، فذهب في تصريحاته أبعد من ذلك، اذ اعتبر أنّ «جرائم آل سعود ضدّ الشعب اليمني المسلم والثوري والمظلوم، مروعة وتستحق عقاباً قاسياً»، في إشارة منه إلى العمليات العسكرية ضد معاقل المتمردين الحوثيين-، مضيفاً أنّهم-أي السعوديين-ن «كما الصهاينة يمنعون وصول المساعدات الإنسانية من خلال قيام طائرة حربية باعتراض طائرة نقل تجارية». وفي ما يعكس تصاعد التوتر، منعت السعودية مجدداً طائرة ايرانية من نقل مساعدات الى اليمن، لكن المملكة النفطية لم تكتف هذا المرّة باعتراض الطائرة تنفيذاً لقرار المنع، كما فعلت خلال المرات السابقة، بل اقدمت على قصف مدرج مطار صنعاء، ما أدى إلى تدمير المطار بشكل كامل، واستهداف طائرة تملكها شركة طيران داخلي. وكانت غارات جوية عنيفة قد استهدفت، أمس، قاعدة الديلمي العسكرية، المحاذية لمطار صنعاء، والتي يسيطر عليها المسلحون الحوثيين، بالإضافة إلى المطار المدني الذي يستهدف بشكل مباشر، للمرة الأولى، منذ بدء «عاصفة الحزم». هذا «الإنجاز» الجديد، تكلّم عنه المتحدث باسم «التحالف» أحمد عسيري، مشيراً إلى أنّ «الطائرة لم تنسق مع سلطات التحالف والطيار تجاهل تحذيراً طالبه بالعودة». وأضاف عسيري أنّ قصف المدرج جعله غير قابل للاستخدام من جانب الرحلات الجوية لنقل المساعدات. وكان المدير العام للنقل الجوي في هيئة الطيران اليمنية مازن غانم قد أكّد نبأ القصف، مشيراً إلى أنّه تم اعتماد مطار الحديدة في غرب اليمن، بديلاً عن مطار صنعاء. وقالت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية – «إرنا» إنّ طائرات سعودية حاولت إجبار طائرة مساعدات على العودة، بعدما دخلت المجال الجوي اليمني، لكن الطيارين تجاهلوا تلك «التحذيرات غير القانونية»، مؤكدة أنّ الطائرة التابعة للهلال الأحمر، والتي حصلت على تصريح بالمرور من عُمان، كانت تحمل أغذية ومساعدات طبية. وطالبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن إسماعيل ولد شيخ أحمد باتخاذ خطوات مؤثرة من شأنها وقف العمليات العسكرية التي تستهدف البلاد، واصفة الغارات الجوية ب «الخطأ الكبير الذي تم التخطيط له بشكل سيئ». ومع استمرار العملية العسكرية، أعلنت الأممالمتحدة أنّ عدد النازحين جراء القصف تجاوز 300 ألف، محذرة من أنّ مخزونات الوقود تنفد، ما سيؤدي إلى توقف محطات المعالجة التي تمدّ سكان العاصمة بالمياه، وكذلك عمليات توزيع الغذاء التي تقوم بها وكالات الإغاثة الإنسانية التي وفّرت الطعام لنحو نصف مليون شخص في الأسبوعين الماضيين.