لم يمر وقت طويل حتى نمت تجارة أبو خلود، وحقق أرباحاً متزايدة، واستطاع بالأموال التي حصل عليها أن يشتري أرضية مناسبة، وبنى عليها منزلاً وبعد فترة استطاع أن يبني الدور الثاني، فأصبحت حياته مستقرة، وأموره متيسرة وتمضي على ما يشتهي ويريد ، وكان دائم التفكير في تطوير تجارته وتوسيعها باحثاً عن الوسيلة المناسبة لتحقيق ذلك، فاستغل أحد جلسائه هذه الرغبة والطموح إلى التوسع فعرض عليه فكرة أن يصبح وكيلاً لبعض منتجات العطور، وأخبره أن شخصاً معروفاً لديه يعمل في هذا المجال ويقيم في مدينة دبي.. لم يتجاوب أبو خلود مع هذه الفكرة بسرعة، إلا أن صاحبه ظل يطرح عليه الفكرة كلما التقى به، حتى اقتنع بعد ذلك بالفكرة، ليس ذلك فحسب، بل اقتنع أيضاً بتكليف هذا الشخص بالسفر إلى مدينة دبي بحجة التنسيق والترتيب للصفقة التجارية الجديدة.
خيانة صديق
تحمل أبو خلود تكاليف سفر صديقه إلى دبي، وبعد وصول الصديق إلى هناك ظل يتواصل مع التاجر، بل أرسل إليه بمجموعة عيّنات من العطور مرفقة بعروض الأسعار، من أجل أن يختار أبو خلود المنتج الذي يمكنه تسويقه في اليمن، وفي المقابل ظل هذا الشخص بعد وصوله إلى دبي يطلب مبالغ مالية بمبررات مختلفة منها ضرورة فتح حساب بأحد البنوك في دبي لاستخراج ضمانة تجارية من البنك، ومبالغ على أساس أنها عمولات، وأخرى تكاليف متابعة، وكان أبو خلود يحول بكل المبالغ المطلوبة والتي كان آخرها مبلغاً مالياً كبيراً زعم ذلك الشخص أنه قيمة الدفعة الأولى من العطور والتي لابد أن تكون نقداً لأنها أول مرة، لم يستطع التاجر الرفض فقد انفق الكثير من الأموال لإتمام الصفقة، وقام بتحويل هذا المبلغ الكبير.. وانتظر من صاحبه مكالمة بشأن إجراءات استقبال كمية العطور وموعد استلامها، بصفته وكيلاً معتمداً للشركة المنتجة، إلا أن المكالمة لم تصل، فحاول الاتصال بذلك الشخص لكن هاتفه كان مغلقاً، أنتظر بعض الوقت لكن دون جدوى، وأدرك أنه وقع ضحية لعملية نصب واحتيال من ذلك الشخص..
أبو خلود في مأزق
وجد أبو خلود نفسه أمام مأزق كبير، فالتجار الذين يزودونه بالبضائع يطالبونه بتسديد الديون التي عليه، لكنه كان عاجزاً عن التسديد بعد أن تعرض للاحتيال، فبدأ التجار بملاحقته، وفي طليعتهم تاجر كبير يعمل وكيلاً لإحدى البيوت التجارية الكبرى، وكان والد خلود مديناً له بمبلغ كبير من المال، ورغم علاقة الصداقة التي تربطهما والزيارات الأسرية المتبادلة بينهما، إلا أن هذا التاجر وضع أبو خلود أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يزوجه ابنته خلود ليعفيه من الملايين التي عليه بل وسيدعمه ببضاعة لينهض من جديد، وإما اقتياده إلى السجن إن لم يدفع ما عليه من الديون..
خلود أو السجن
“خلود” البالغة من العمر 17 عاماً هي أكبر أبنائه الأربعة إلى جانب بنت أخرى وولدين، وكانت على قدرٍ كبير من الجمال والذكاء.. عاد الوالد إلى منزله مساءٍ وملامح اليأس والهموم تطغى على وجهه، أخبر زوجته بالأمر، فابتسمت وقالت له هذا الحل أحسن من دخولك السجن بقية عمرك، وطمأنته بقدرتها على إقناع خلود بالأمر، ذهبت الأم إلى ابنتها فأخبرتها بالأمر وهنا كانت المفاجأة، إذ رفضت خلود الأمر بشدة، وأخذت تبكي وتتهم والديها بالأنانية، وقالت أنها تريد اكمال تعليمها، في ظل إصرار الأم وإلحاحها على تقبل الأمر، أمام الأب فقد أخبر التاجر الكبير بالموافقة على الزواج..
العروس تختفي
بدأت الاستعدادات بسرعة لا تمام الزواج، وسط بكاء وصياح خلود وفي يوم الزفاف كانت المفاجأة الكبرى التي لم يتوقعها أحد، فقد اختفت خلود من البيت، ولم يجدوها في أي مكان.. حينها غضب التاجر العريس وهدد والد خلود بالسجن، فتوسل إليه والدها بأن يعطيه مهلة لبعض الوقت للبحث عنها واستدراك الأمر..
قصة حب لم يعلم بها أحد
مرت عدة أيام قبل أن يتلقى الوالد اتصالاً من الجهات الأمنية يفيد بأن ابنته موجودة، فغمرت الفرحة قلبه وذهب مسرعاً إلى الأمن، لكن وكما يقال “يا فرحة ما تمت” فقد تفاجأ بالضابط يخبره أن ابنته موجودة فعلاً،لكنها متزوجة وعلى ذمة شاب يدعى (ح. م)، لكنه أصر على رؤيتها، وعندما رآها سألها هل صحيح أنك متزوجة، فأجابته “نعم”، حينها أغمي عليه وفقد الوعي.. أخذت أحداث القضية منعطفاً درامياً غير متوقع، لم يكن رفض خلود الزواج من التاجر الكبير بسبب أنانية والدها، أو أنها تريد إكمال تعليمها كما زعمت.. كانت تخفي في أعماق قلبها قصة أخرى مثيرة للشجون، كانت تخبئ حباً متمرداً تصعب السيطرة عليه، حب نما وترعرع في حناياها وأعماقها الوجدانية لمدة سنتين، منذ تلك اللحظة الاستثنائية التي التقت فيها عيناها بعيني شاب متخصص في هندسة الكمبيوتر.. حيث كان يعمل مدرساً في معهد لتعليم الكمبيوتر واللغات، وهو المعهد الذي درست فيه خلود عدة دورات في تعلم الحاسب الآلي واللغة الأنجليزية، ظلت قصة الحب سراً بينهما، ولم يعلم بخفاياها أحد من المقربين لهما، وكلما مر يوم كان الحب يكبر ويكبر، ويتوغل أكثر من أعماقهما، حتى غدا كلً منهما ظلاً للآخر، وجزءاً لا يتجزأ منه..
خلود في عش الزوجية
عندما أراد أبو خلود تزويجها على التاجر الكبير بسبب الديون، لم يكن يعتقد أن ابنته ذات ال 17 ربيعاً قد صارت مسكونة بالحب، وأن شاباً قد سكن قلبها بعد أن أخذ عقلها وتفكيرها، وعندما أخبرتها أمها بأمر الزواج من التاجر أظلمت الدنيا في عينيها وظنت أن حب عمرها في خطر، وأن فارس أحلامها يوشك أن يضيع ويصبح جزءاً من الماضي، فلم تستسلم للأمر الواقع، قاومت ورفضت الأمر، وعندما علمت أن رفضها لن يفعل لها شيئاً وأنها سوف تساق عروسة إلى شخص بينها وبينه فارق كبير في السن، قررت أن تأخذ زمام المبادرة، وأن تتخذ قراراً جريئاً فأخبرت خالها المعروف بتعاطفه معها، وأسرت له بقصة حبها العميق، فتفاعل خالها معها سريعاً. وبينما كانت الاستعدادات جارية لاتمام مراسيم الزفاف دبر لها خالها خطة الهروب من المنزل، بعد أن أتفق مسبقاً مع الشاب الذي تحبه على تزويجهما بطريقة سريعة انقاذاً لقصة حبهما، ومن خلال معرفة الخال بأحد الأمناء الشرعيين، استطاع اقناعه بضرورة العقد نظراً لمشكلتها الكبيرة، ومن ثم عقد بها خالها للشاب لدى هذا الأمين الشرعي، ومن ثم إبلاغ الجهات الأمنية بالأمر، وعرض عقد الزواج الرسمي عليهم.
المواجهة الصاخبة
بمجرد أن علم التاجر الكبير الذي أراد الزواج بخلود، بتفاصيل القصة وزواجها بالشاب، حتى سارع إلى إبلاغ الجهات المختصة بأمر الديون التي على والدها الذي يعاني الإفلاس، والذي لم يكد يفيق من غيبوبة الصدمة التي تعرض لها، ليتم اقتياد أبو خلود وإيداعه السجن.. ولا يظن أحد من المطلعين والمقربين بأنه سيخرج عن قريب، بسبب أن المبلغ الذي عليه كبير جداً ولا يوجد سبيل لتسديده، أما المنزل الذي يمتلكه أبو خلود والمكون من دورين فقد تم رهنه لدى تاجر آخر، حيث تسير عبر القضاء حالياً إجراءات عرضه للبيع في مزاد علني، وفقاً لما هو متعارف عليه بالتعامل مع ممتلكات من يتعرضون للإفلاس.. ليسدل الستار عن قصة تاجر تعرض للاحتيال ولم يتعاطف معه أحد..