بعد اجتياح صنعاء في 21 من سبتمبر من العام 2014م تدخل المجتمع الدولي وصدر القرار الأممي الذائع الصيت (2216) وتم وضع اليمن تحت البند السابع، وبفعل تداخل المصالح للأطراف الدولية والإقليمية ظهر التعامل الناعم مع الانقلابيين, ليلعب دوراً مهماً في إطالة أمد الحرب في اليمن لأكثر من عام ونصف, التي امتدت إلى محافظات عدة شمال اليمن وجنوبه, منها الجوف ومأرب, اللتين تتصلان بصنعاء العاصمة والمحافظة, لتظهر معركة صنعاء على السطح تخفت أحياناً وتسطع أحياناً أخرى, وتسيطر على المشهد كله. معارك قوية شرق صنعاء, سيطرة شبه كاملة على مديرية نهم, مديريات مجاورة لها أصبحت مرشحة لدخول الجيش الوطني إليها في خطة أعلنت عنها في وقت سابق قيادات في المقاومة الشعبية وأركان الجيش في إطار التحضير للمعركة الكبرى والتي أسميت (التحرير موعدنا). تزامن ذلك مع تحركات لقيادات من الصف الأول في الجيش اليمني, لعل أبرزها زيارات ميدانية للواء ركن على محسن الأحمر, نائب الرئيس اليمني إلى جبهات القتال في نهم ومأرب وغيرها فسرت بأنها تأتي وفق ترتيبات لحسم المعركة والدخول صنعاء بقوة السلاح.
يقول ناشطون ل"مُسند للأنباء": "تجرع اليمنيون وما زالوا ويلات الدمار والتنكيل الذي لم يشهد له التاريخ اليمني من قبل، في تلك اللحظة الفارقة من حياة اليمنيين فمن حق قيادة الشرعية وبدعم من قيادة التحالف العربي القيام بخطوات للحسم العسكري, الذي أصبح ضرورة إنسانية لإنقاذ حياة ملايين البشر, الذين تحولوا إلى سجناء بعد انقضاض المليشيا على مؤسسات الدولة كاملة"
لماذا يتدخل المجتمع الدولي دائماً لإيقاف أي حسم, هكذا يتساءل متابعون.. إذ في أي تحرك تتعرض الحكومة الشرعية لضغوطات "أممية" لمنع الحسم العسكري بذريعة وجود حلول سلمية، وهو الخيار الذي قتله الانقلابيون لأكثر من مرة، كان آخر ذلك التمرد الصريح والعلني على قرار مجلس الأمن ورفض التوقيع على مشروع خارطة الطريق, التي اقترحها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ وتم التوقيع عليها من قبل الفريق المحاور للشرعية برغم كل التحفظات والملاحظات على بعض تفاصيله الملغمة لكن التوقيع كان رسالة واضحة للداخل والخارج بأن قيادة الشرعية ترغب في السلام وتثبت للجميع تمرد الآخر على أي حل سياسي سلمي.
الطاولة الرباعية ومحاولة إعادة الحياة لميت
مؤخراً أعلنت الخارجية الأمريكية عن وصول كيري وزير الخارجية الأمريكي إلى السعودية في زيارة تستغرق يومين يتم خلالها اللقاء في جدة بين الرباعي (الأمريكي – البريطاني – السعودي – الإماراتي ) لمناقشة المعضلة اليمنية, فيما تحدثت مصادر إعلامية أخرى تابعها "مُسند للأنباء" عن توسيع قائمة الحضور في الاجتماع من مسؤولين عرب, وأيضاً تمثيل لروسيا الاتحادية بنائب وزير الخارجية وأيضاً المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد شيخ، تلتفت الأنظار إلى نتائج هذه الاجتماعات من حيث أهمية الأطراف الممثلة فيه وأيضاً لحساسية اللحظة الزمنية التي ينتظر فيها اليمنيون الخلاص من زمن الانقلاب. غير بعيد من ذلك يرى مراقبون أن هذا الاجتماع إذا لم ينتج عنه شيء يمكنه إلزام وإجبار طرفي الانقلاب بالانصياع للقرارات الأممية والتوقيع على مشروع خارطة الطريق, الذي تقدم به المبعوث الأممي, أو إعلان واضح وصريح عن الطرف المعرقل للحل السياسي السلمي في اليمن وإصدار المزيد من العقوبات اللازمة بحقه، دون ذلك يعتبر إعطاء الفرصة مجدداً ومنحها للمتمردين للتوسع أكثر والبحث عن فرص أخرى سيعاني منها اليمنيون كثيراً.
الحرب الاقتصادية وسقوط الانقلاب
متابعون قالوا ل"مُسند للأنباء" إن تحديات كبيرة واجهت وتواجه سلطات الشرعية خصوصاً تلك المتعلقة بالتزاماتها تجاه المواطنين من توفير الأمن والخدمات بعد الخروج من جولة حرب أصابت الحياة كلها في مقتل، العديد من الأسباب دفعت بأصوات من داخل حكومة الشرعية تنادي بنقل البنك المركزي اليمني إلى عدن لممارسة مهامه الوطنية حتى استعادة صنعاء العاصمة، لكن الولاياتالمتحدة لها رأي آخر، عملت بكل قوة للضغط على الحكومة اليمنية بالتنازل على ذلك المطلب والقبول بما سمي حينها "بالهدنة الاقتصادية" التي تقضي بتحييد البنك المركزي اليمني عن الحرب الدائرة، وأن يبقى في صنعاء دون نقل صلاحياته إلى مدينة أخرى بشرط الإبقاء على إدارته وعدم إجراء أي تغييرات التي هي من صلاحيات رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، وأن تسمح الحكومة الشرعية بتدفق الموارد المالية إليه شريطة التزام البنك المركزي بتغطية نفقات الحكومة ومنها رواتب الموظفين بلا استثناء وهذا ما لم يحدث حيث عملت ما تسمى اللجنة الثورية على إجراء تعديل في إدارة البنك وإصدار توجيهات بالحجز عن مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية, علاوة على ذلك أعلنت الحكومة في تصريح سابق عن انخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك إلى نحو 1.1 مليار دولار من أصل 4.7مليار دولار كانت في خزينة البنك نهاية العام 2014م.
معضلة البنك المركزي
تعنت المتمردين دفع برئيس الحكومة الشرعية أحمد عبيد بن دغر بدعوة المؤسسات الدولية للامتناع بالتعامل مع المركزي اليمني في صنعاء حفاظاً على ما تبقى من أموال الشعب التي نهبها الانقلابيون وأيضاً توجيه المسؤولين بالمحافظات التي تخضع لسيطرة الحكومة بعدم توريد أية مبالغ إلى صنعاء، رافق ذلك توجيه رئيس الجمهورية ببيع النفط والاستفادة من عوائده في تغطية التزامات الحكومة تجاه المواطنين والموظفين، وفي ظل هذا التطور الواضح في الحرب تصبح الورقة الاقتصادية أداة فعالة في زيادة حصار الانقلاب وإسقاطه وهذا ما بدا واضحاً حيث بدأ الموظفون في قطاعات واسعة للدولة في صنعاءوالمحافظات التي تخضع لسيطرة الانقلاب بالإضراب الكلي والشامل عن العمل حتى الإفراج عن حقوقهم المنهوبة, التي يقولون أنها محتجزة من وكلاء عبدالملك في المؤسسات. وقد تناولت وسائل إعلامية لمسؤول في وزارة الاتصالات أمام المحتجين بصنعاء بأن البنك المركزي, غير قادر على دفع مرتبات الموظفين لهذا الشهر، وهو ما ينبئ عن حالة انهيار كلي وشامل لسلطان الانقلاب الدموي للحوثي صالح.
في وقت سابق تداولت وسائل إعلامية تصريحاً لمسؤول عسكري أمريكي يقول إن دعمها (أي أمريكا ) للتحالف في اليمن أصبح متواضعاً وأنه ليس شيكاً على بياض وإنما لمساعدة الشركاء الإقليميين في الدفاع عن النفس، رافق هذا التصريح تقليص الخبراء العسكريين الأمريكيين في السعودية إلى أدنى مستوى حيث كان عددهم من بداية عاصفة الحزم ما يقارب من 45 مستشاراً عسكرياً لكن العدد اليوم لا يتجاوز 5 مستشارين فقط حسب تصريح المسؤول الأمريكي. قد تبدو بعض المبررات التي تنثرها وسائل إعلام أمريكية لهذا الإجراء بأن وراءه الاستياء من تكرار أخطاء ضربات التحالف التي تستهدف المدنيين إلا أن مراقبين يرون ذلك تبريراً واهياً وأن السياسة الأمريكية تقضي بالحفاظ على كيان سياسي لصالح والحوثي في صنعاء يمكن من خلاله لعب دور أكبر بالتأثير على الوسط الخليجي وإبقاء الجغرافيا اليمنية والنظام السعودي تحت التهديد المتواصل، وأنه في حين استمرار الحسم العسكري واجتياح صنعاء من قبل قوات الشرعية, وبدعم من التحالف العربي فإن ذلك سيقضي على الحوثي صالح وذلك يفقد أمريكا أوراق كانت بحوزتها.