أحداث جسام شهدتها الفترة الماضية في الصراع الطويل بين القوات الشرعية والانقلاب، تغيرت فيها بوصلة المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ أحمد، وبدأ الحوثيون يسمعون كلاماً أمميا "يروق" لهم في ذات الوقت الذي بدأت الشرعية "تتوجس" ريبة من انقلاب أممي أصابه "الحَوَل" وأصبح يرى المليشيا ضحية، والرئيس المنتخب جلادا. قدّم ولد الشيخ ورقة السلام اليمني التي اقترحها الى رئيس المجلس، بعد أن قال كلاماً طويلاً، يجمل في ثناياه تغييراً واضحاً في نظرته للصراع القائم في البلاد، حيث احتشدت مرادفات التعنيف والتوبيخ والتجريم بكثافة شديدة حين يكون الحديث عن جرائم عمليات الشرعية وقوات التحالف، كما انها تخف وتقل حين ينتقل الحديث الى مربع الإجرام المليشياوي، قبل أن يشحذ المبعوث كل طاقته في ختام الكلمة طالباً من جميع أعضاء المجلس "الدعم الكامل" للحل الذي ساقه لطرفي النزاع، والذي يقضي بتقليم أظافر الرئيس هادي، بسحب حليفه القوي من المشهد القادم "الفريق محسن"، وإمعاناً في "تعجيز" مؤسسة الرئاسة تقضي الخطة بجعل هادي "رئيسا" بلا سلطات أو صلاحيات حتى تنظيم انتخابات رئاسية قادمة. غير أن المفاجأة الصاعقة كانت في ردود أفعال الأعضاء ، حيث بدى المجلس "متماهياً" ومتوافقاً مع ما طرحه ولد الشيخ، حيث أكدت كلمات أغلبية الأعضاء على الموافقة التامة على ما جاء في الخطة المقترحة، وكأن لا أحد في المجلس يرى أن اليمن بها "شرعية"، وبها "انقلاب".
لا شك أن الشرعية لم تخطئ المنطق حين تقول أن المبعوث في ورقته أراد مكافأة الانقلاب على انقلابه، لأن ذلك ما حصل فعلاً، إذ تعمّدت الورقة المقترحة إغفال ذكر مصير أهم شخصيتين يمنيتين تسببتا في عرقلة المرحلة الانتقالية وأجهضت المسار التوافقي، وهما الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وكذا زعيم المتمردين عبدالملك بدرالدين الحوثي، وهو ما أشار اليه المحامي والناشط السياسي هائل سلام، قبل ان يضيف: يرى المبعوث الدولي الرئيس هادي مشكلة، حسناً، ماذا عن الشخصيات التي ذكرت بالاسم في قرار أممي سابق (2216)، أليس من الإنصاف – إن صحت ادعاءات ولد الشيخ – اضافتهم الى قائمة المستبعدين من أي دور سياسي قادم؟ لماذا الإصرار على "غرس" أسباب ما يجري من دمار في الحل الأممي؟ وبحسب إفادة المبعوث الأممي، فإن أطراف الأزمة اليمنية لم ترفض أو تقبل (بشكل رسمي) خطته للسلام، ما يعني أن الطرفين يدركان حساسية الموقف، وأن مجلس الأمن ينتظر ما ستسفر عنه الضغوطات الدبلوماسية على الطرفين لقبول المقترح الأممي في قادم الأيام، لذلك يخوض هادي مشاورات كثيفة مع شخصيات عسكرية وسياسية، مؤمناً بأن لا سبيل من الإفلات من هذا المأزق السياسي إلا بتغيير جذري على رقعة الصراع، وهو ما يعني خوض الجيش الوطني معارك أكثر جراءة وشمولية واتساعاً، في سبيل إحداث نصر عسكري كبير، يسمح لمؤسسة الرئاسة الشرعية بإعلان رفض المبادرة بصفتها الطرف الأقوى في المشهد، أما الحوثيون فيدركون أنهم يحققون يوماً بعد يوم انتصاراً سياسياً مع بقاء الطرف الآخر عاجزاً عن كسر المتمردين بشكل حاسم، لذلك فإن وضعهم السياسي يبدو أكثر "فسحة"، خصوصاً مع ازدياد العمليات الخاطئة لطائرات التحالف، مخلفة قائمة ضحايا من المدنيين هي الأكبر والأشد دموية، لذا يفكّر الحوثيون عن إمكانية خلط المشهد بشكل جذري والقيام بضربة عسكرية خاطفة في قلب المملكة السعودية. أما ما يجري فعلاً على الأرض فيشهد ارتفاعاً ملحوظاً في العمليات القتالية بين الطرفين، إذ لا تكاد تخمد جبهة حتى تشتعل الأخرى، في نهم، وتعز، والحديدة، وحرض، وميدي، وشبوة، وغيرها من مناطق التماس، وفي الوقت الذي يبحث فيه كل طرف عن "رصاصة فضية" يصرع بها الآخر، يبحث ملايين اليمنيين عن لقمة عيش تسد لهيب جوعهم.