مر عام كامل منذ أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قراراً بنقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء، القابعة تحت سطوة المليشيات، الى مدينة عدن، باعتبارها العاصمة المؤقتة للشرعية. قرار حاز على إشادة شعبية واسعة، فيما عده سياسيون ونشطاء ضربة قاصمة وجهتها الحكومة لجماعة التمرد، والتي اعتمدت على تمويل عملياتها الحربية من احتياطيات النقد بمركزي صنعاء، ما أدى الى إعلان إفلاسه في العام 2016م.
وساقت الشرعية وعوداً واسعة للمواطنين بأن قرار نقل البنك الى عدن سيحرر الدولة من السطوة المالية للانقلاب، وسيمكنها من إعادة صرف المرتبات للموظفين في عموم أنحاء الجمهورية، في غضون الأشهر القليلة اللاحقة، غير أن عملية النقل صاحبها عراقيل كثيرة، ما أدى الى توقف أغلب وظائف البنك، واقتصاره على مهمة إصدار العملة النقدية، حيث كانت أول خطوة قام بها مركزي عدن طباعة مبلغ 400 مليار ريال يمني، وذل تمهيداً لضخها كمرتبات للموظفين.
وعلى الرغم من تأخر تشغيل نظام "سويفت"، المخصص للربط بين البنك والعالم، إلا أن رئيس الحكومة، الدكتور عبدالعزيز بن دغر قام مؤخراً بتدشين النظام، في مؤشر هام لتمكن البنك من أداء بعض مهامه الرئيسية كبنك مركزي فعلي.
* من يسيطر على البنك ؟
قبل يومين أعلن رئيس الحكومة، الدكتور عبدالعزيز بن دغر أنه أشرف بنفسه على تسليم مصرف الكريمي للصرافة المبالغ المخصصة لمرتبات محافظة تعز مبلغاً وقدرة خمسة مليار وخمسمائة وسته مليون وسبعمائة واثنين وأربعون الف ريال ، بناءاً على توجيهات الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية.
وفيما كان مقرراً قيام بنك عدن بتوزيع المخصصات المعتمدة على جميع فروع الكريمي في تعز، توقف البنك عن القيام بهذا الإجراء، دون إبداء أية أسباب.
ذلك الإجراء دفع محافظ تعز، علي المعمري، الى التوجه يوم أمس مباشرة الى مركزي عدن، والاستفسار عن سبب عرقلة البنك توزيع المخصصات المالية، وحينما لم يجد سبباً مقنعاً، قرر تنفيذ اعتصام مفتوح أمام بوابة البنك، وانتشرت صوره وهو قاعد أمامه، قبل أن يفاجئ المحافظ الجميع بإعلان استقالته من منصبه نظراً لما وصفه ب "تعنت البنك، وتمنعه من صرف مستحقات مدينة تعز".
غير أن أخطر ما ورد في نص استقالة المعمري قوله أن البنك رفض بشكل غريب أوامر صريحة وبماشرة من الرئيس هادي وكذا من رئيس الحكومة بن دغر لصرف المرتبات، على الرغم من توفر السيولة، مشيراً بأن ذلك الرفض "غير مبرر" على الإطلاق.
استقالة المعمري حملت أيضاً معلومة في غاية الخطورة، حيث قال بالنص أن البنك "يصر على عرقلة كل أمر مالي خاص بتعز"، وهو ما دفع مراقبين الى طرح تساؤلات هامة حول سياسة البنك تجاه تعز بالذات، وما سر كل هذا التمنع عن منح المحافظة بعض حقوقها المستحقة أصلاً، في حين لا يقوم البنك بذات الإجراء إزاء أي محافظة من المحافظات الخاضعة تحت سيطرة الشرعية.
وفي هذا الصدد قال مصدر خاص ل "المشهد اليمني" أن مركزي عدن يحاول - بعد كل تلك التوجيهات والعراقيل - صرف مبلغ أقل من المشمول بتوجيهات رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس مجلس الوزراء حيث والمبلغ المأمور به بعد خصم الضريبة يصل إلى 4 مليار و300 مليون ريال بينما يحاول البنك إقناع المحافظ بقبول 3مليار فقط .
مضيفاً: بعد إعلان المحافظ استقالته اليوم حاول نائب وزير المالية إقناعه بقبول المبلغ المراد صرفه من قبل البنك بعد رفعه قليلاً على أن يصرف باقي المبلغ آجلاً ، غير أن المعمري أصرّ على استلام المبلغ كاملاً دون نقصان ودون تقسيط وهو الأمر الذي يدعمه كل من نائب الرئيس ورئيس الوزراء حيث أكدا للأخ المحافظ أنهم مع موقفه ويرفضون أن يُنتقص ريال واحد من المبلغ الموجّه به .
ومع وقائع كهذه تساءل مراقبون عن إمكانية أن يكون البنك المركزي بعدن، ممثلاً بمحافظه منصر القعيطي، يخضع فعلياً لسلطة خارجية، وهو ما يفسر عدم انصياعه لأي أمر صادر من قيادة الشرعية.
ورأى نشطاء كثر على مواقع التواصل بأن البنك يعمل فعلياً خارج إطار وسطوة السلطة الشرعية، بينما وجه ناشطون ينتمون لحزب الإصلاح الاتهامات لدولة الإمارات العربية المتحدة بإعطائها توجيهات صارمة للقعيطي بعرقلة أية مستحقات خاصة بمدينة تعز، نظراً لتواجد الحزب فيها بشكل واسع، وسيطرته على أهم المناصب العسكرية والسياسية بالمدينة.
وكان البنك المزكزي بعدن قد أعلن في وقت لاحق اليوم صرف مرتبات محافظة تعز بناءاً على توجيهات الرئيس ورئيس الحكومة.