قبل يومين كان خطيب الجمعة يتحدث عن الأضحية بعقلية جزار.. بشراهة متسول.. بعقلية ذئب جائع.. لم أستفد شيئاً من هذه الخطبة لأنني كائن نباتي، ولا يروقني أكل اللحم كثيراً.. فمنذ كنتُ صغيراً تولَّدت لديَّ عقدة من الأضاحي ولحومها.. فقد كانوا يدفعوننا إلى مشاهدة الجزار وهو يذبح الأضحية.. وكانوا يرغموننا على أن ندوس على دم الأضحية ونحن حُفاة، لنعتاد على مناظر الدم .. في القرى اليمنية، كما هو الحال في قريتي، كانت الأضاحي درساً خصوصياً مهماً للأطفال، ليعلمهم آباؤهم قسوة القلوب.. وكأنهم يعدُّونهم لشيء عظيم!! وحين نخاف أن ندوس على دماء الكبش يقولون: اخرج.. لعنة الله عليك لو أنت رجَّال..ويهزأون بنا كثيراً.. وحين نريد أن نثبت أننا رجال وأن قلوبنا قاسية علينا أن نحنِّي أيدينا بدماء الأضحية..اللعنة على الرجولة، ما دامت محصورة في قسوة القلب.. هكذا كانوا يفعلون دون مراعاة للسن التي نحن فيها، فبدلاً من أن تكون رقَّة القلب والإحساس العالي دليلاً على الإنسانية، أصبحت دليلاً على أنك رخو، وأنك لست رجلاً ما دمتَ تخاف من منظر الدم!! فالترحيب بقاسي القلب وبحامل السلاح يختلف عن الترحيب بالرجل الرقيق الذي دائماً ما يعيِّرونه بأنه ليس رجلاً، ويقنعونه بأن رقة القلب هي من طبع النساء.. وهناك زامل يعرفه الجميع، يقول: يا حيَّا من شمّه بارود... ولد السوق شمّه معطارة. ما أسوأ المجتمعات التي تبالغ في الترحيب بمن تفوح منه رائحة البارود!! أتحدث عن الأضاحي وكأنها رخيصة ومتاحة للجميع!! رغم أن الفقر يزداد بين ذوي الدخل المحدود.. وحتى إن كان كبش العيد موجوداً فإنه لن يضيف شيئاً إلى بهجة العيد التي تتلاشى عاماً تلو آخر.