يقف اليمن على حافةالانهيار الاقتصادي، وهذا أمر لم يعد يحتمل المغالطات. هناك انخفاض في معدلاتالناتج المحلي اليمني، هذا الانخفاض يزيد من معدلات التضخم، فهناك تقارير تؤكد أنمعدلات التضخم السنوي قد ارتفعت إلى أكثر من 40 %، ويرجع ذلك إلى فساد الحكومةوإلى الحروب الدائرة هنا وهناك.. أدى فقدان الثقة في استقرار الوضع الأمني فياليمن إلى انسحاب المستثمرين، مما أثر سلباً على الاقتصاد وضاعف من البطالة والدينالعام، وعمل على تآكل الرصيد من العملات الأجنبية، لهذا نجد أن معدلات الفقروالبطالة في اليمن من أعلى المعدلات عربياً. تقف الحكومة اليوممجبرة على اتخاذ عدة إجراءات وسياسات للخروج من هذه الأزمة الخانقة، أول الإجراءاترفع الدعم عن المشتقات النفطية، الذي يقدر بنحو (5,4 مليار دولار)، لكن العديد منالمراقبين يشكِّكون في فعالية هذا الإجراء، كون هذا المبلغ لن يعود للمواطن العاديبل سيذهب إلى جيوب الفاسدين، إضافة إلى ما سبق فالحكومة الحالية لا تستطيع جذبالاستثمارات الخارجية نتيجة لعدم قدرتها في خلق الأمن والاستقرار. وكل يوم يمر تزدادحلقات الأزمة الاقتصادية ضيقاً، فأنابيب النفط تفجَّر بين الحين والآخر، وفيالأيام القادمة سندخل دوامة الصراع حول الأقاليم وما ستحمله من تداعيات أخرى، خاصةوأن الغالبية العظمى من أبناء الشعب اليمني ترفض فكرة الأقاليم بدوافع مختلفة،وهناك من يرى أن الأقاليم محاولة لفرض وصاية ورؤى بعينها على الشعب اليمني، وهو مايعني أن المرحلة المقبلة ستشهد تطورات غير معلومة، وستخلف أزمة داخلية جديدة. يواجه يمن الغد السؤالالتالي: هل الموارد الحالية ستمكِّن سبع حكومات من العمل والبناء وخلق تجانساجتماعي، في الوقت الذي لم تفِ بتمكين حكومة مركزية واحدة، وفي ظل تشرذم سياسيواجتماعي غير مشرعن، فكيف حينما يمنح المشروعية الدستورية؟ لقد راهن الشعب اليمنيعلى مؤتمر الحوار الوطني، وقد ظن أنه سيكون نهاية الحروب والاقتتال والدمار،وبداية عهد جديد للسلام والتنمية والبناء. يعاني اليمن الآنعواقب وتداعيات أزمة 2011م، كما يعاني من عدم الاستفادة من مؤتمر الحوار، فقدأضاعت كل القوى السياسية فرصة صناعة السلام، ونتيجة للرؤى الضيقة أضاعت فرصة أنيكون الحوار حلاً شاملاً لمشاكل اليمن وليس الجنوب فقط. لقد كان واضحاً منبداية تشكُّل قوام المؤتمر أن لكل طرف تفسيره الخاص للحوار وأجندته المحددةمسبقاً، لذلك انتشرت الحرب في دماج وعمران وأرحب والضالع، وامتدت مع القاعدة إلىأبين وشبوة، وزاد الانفلات الأمني، مما تسبب في تآكل هيبة الدولة، وأصبحت الصراعاتالمسلحة خارج سيطرة الدولة. وفي أبين، لجأ النظامإلى معالجات أشبه بالمغامرة، حين قام بتسليح اللجان الشعبية لتتكفل بمواجهة عناصرتنظيم القاعدة، وهو بذلك يقوم بعملية خصخصة الأمن وتفويض السلطة السيادية إلىاللجان الشعبية. نحن أمام قوى سياسيةعجزت عن إدارة صراعها وعن إنجاز تنمية تتقي التخلف بكل أشكاله. فهذا البلد ظلفقيراً ومهملاً يتصارع أهله لدرجة الحرب حول موارد محدودة ومتناقصة. ما زالت الدعايةلمخرجات مؤتمر الحوار قائمة، والرئيس هادي يعلن أنه ماضٍ في استكمال المرحلة، وقداتخذ كثيراً من القرارات، لكنها كانت خالية من التنفيذ، مما جعل الكثيرين يزعمونأن الرئيس هادي يناور كسباً للوقت، لكن الجميع لا يدركون بأن نطاق المناورات قدضاق كثيراً، واللعب لن يجدي في الوقت بدل الضائع، خاصة وأن القيادة السياسية قدأهدرت الكثير من الوقت بلا جدوى.. وما زالت الأزمة السياسية تتضخم والخياراتتتناقص. إن التساؤل عن اليمنإلى أين؟ هو حديث عن المستقبل، والمستقبل يبدأ هنا، والآن. يرتهن مستقبل اليمنبالإجابة الصحيحة عن أسئلة الدولة الحديثة الموحدة والديمقراطية والتنمية والأزمةالأمنية، ولا نغالي إذا قلنا صارت احتمالات مزيد من التفكك والتقسيم عالية، نتيجةللطريقة السهلة التي تسمح للمليشيات المسلحة بإدارة حروبها، إضافة إلى اللامبالاةالتي أظهرتها القوى السياسية في التعامل مع الأزمة. أرى أن احتمالات مزيدمن التقسيم هي الأرجح، إذا ظل الرئيس هادي غير قادر على اتخاذ قرارات، من مثلإقالة الحكومة وتجريد المليشيات من أسلحتها.