من تناقضات القائلين بالإعجاز العلمي في القرآن، أن بعضاً منهم يفسر آية أو لفظة قرآنية، تفسيراً خاصاً، ليجعلها تدل على إعجاز معيَّن، وآخر يفسر الآية أو اللفظة القرآنية نفسها، للتدليل على إعجاز مناقض.. مثلاً، "دحاها"، في قوله تعالى: "والأرض بعد ذلك دحاها".. مصطفى محمود يستدل بها على كروية الأرض، فيقول: إن القرآن يصف الأرض أنها كالبيضة، و"دحاها" أي جعلها كالدحية، والدحية البيض، بما يوافق أحدث الآراء الفلكية عن شكل الأرض.. وانتقل هذا الخطأ إلى كتب مقررة للطلاب في مدارسنا.. ومحمود أخذ هذا عن جمال الدين الأفغاني أول من قال: وأما كروية الأرض، فقد أشار إليها القرآن بقوله: "والأرض بعد ذلك دحاها"، والدحي بلغة العرب البيض، أو الشكل البيضي، وهو الكروي.. بينما في المعجم القرآني: دحا الأرض سطحها، ومهدها، وجعلها صالحة للسكنى، وليس في كلام العرب ما يفيد أن دحا أو الدحي أو الدحية يعني البيض، ففي لسان العرب نقرأ: الدحو البسط، دحا الأرض يدحوها دحواً، بسطها، ودحيت الشيء أدحاه دحياً بسطته، والأدحي، والأدحية، والأدحوة، مبيض النعام في الرمل، لأن النعامة تدحوه برجلها، ثم تبيض فيه.. وقد التبس الأمر على الأفغاني كما هو واضح، وتابعه المتأخرون، ولم يلاحظوا أن الرجل وضع مبيض النعام مكان "دحاها"!. وفي الآية نفسها توهَّم زغلول النجار إعجازاً علمياً للقرآن، ولكن مختلف تماماً، تحدث بلغة الكيمياء، عن الإعجاز القرآني في الآية، وخلاصة كلامه في "دحاها" أنه ثبت أن كل ماء الأرض قد أخرجه الله من داخلها، عن طريق الأنشطة البركانية المختلفة، ولعبت صهارتها وأبخرتها دوراً مهماً في تكوين وإثراء كل من الغلافين المائي والغازي للأرض، وهو المقصود بدحاها، وإن هذه الحقيقة العلمية قد وجدت في القرآن.. وعبدالمجيد الزنداني كان يقول إن "دحاها"، جعلها كالبيضة، وإذا القرآن سبق العلماء في القول إن الأرض كروية، أما اليوم فيقول بما قاله زغلول، ويفوقه بالمغالطة. لكن لا الأفغاني، ولا مصطفى محمود، ولا الزنداني، ولا غيرهم، قالوا أين كروية الأرض في آيات قرآنية، مثل: "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت".. و"والأرض وما طحاها".. وغيرها كثير في القرآن، تبيَّن أن الأرض ليست كروية، ولا يُعاب على القرآن كونه لم يقل كروية.. كما أن الآية ليس فيها شيء مما شرحه الجيولوجي زغلول، وتابعه الزنداني، بلغة الكيمياء..