[email protected] بعد القفزة الأخيرة للمغامر النمساوي فيليكس بومغارتنر التي حطم فيها وبجسده حاجز سرعة الصوت وحطم معها الكثير من النظريات العلمية بل والحقائق التي سادت لعقود " قانون نيوتن "عن استحالة تمكن الانسان وبجسمه من الوصول الى تلك السرعة, تبادر الى ذهني موضوع قد يكون بعيداً عن القفزة لكنه مرتبط ببعض قفزات علماء المسلمين أو ما يسمى " الإعجاز العلمي للقرآن الكريم " .
مع ايماني الأكيد بإعجاز القرآن الكريم في عدة مجالات ومنها العلمية لكني مع عدم مقارنة بعض آياته وحصرها بنظرية أو حقائق علمية محددة لما لذلك من آثار سلبية على مكانة القرآن الكريم .
امتهن بعض العلماء ما يسمى بعلم " الاعجاز العلمي في القرآن الكريم " وكان دورهم هو السطو على أبحاث واكتشافات غيرهم والبحث في القرآن عن ما يشابه تلك الاكتشافات ثم القول اننا السباقون الى تلك الحقائق بفضل كتابنا المقدس لا بفضل ابحاثكم .
وأذكر بعض الأمثلة التي درسناها في كتب التوحيد لمؤلفها الشيخ / عبدالمجيد الزنداني والتي كان الهدف منها تقوية ايماننا فاذا بها تدفع البعض الى طرق أخرى بسبب ركاكة وضعف الطرح والخطأ في المقارنة ومن تلك الأمثلة :
1 ) جاء في بعض تلك الكتب وتفسيراً لقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ) ان من الامور التي اختص الله بها نفسه انه يعلم وحده ما في الارحام ذكراً أو انثى, وأنه وحده الذي يأمر السحابة التي تمر من فوقنا أن تمطر أو ان تمر فقط وتمطر في مكان آخر, وضل يتحدى الزنداني وأصحابه بني البشر ان يقوموا بتلك الافعال حصراً, وبعد تطور العلم تمكن الطب من تحديد جنس المولود بعد الاخصاب بأشهر ثم بأسابيع ثم بأيام فساعات الى أن وصل العلم الى امكانية أن يختار الانسان نوع الطفل المراد إنجابه ذكراً أو أنثى, بل ووصل العلم الى التدخل في الكثير من الصفات الوراثية, كما تمكن بعض العلماء من اطلاق صواريخ معينة الى السحب فتنفجر فيها مطلقة بعض المواد الكيميائية مسببتاً تفاعلاً يجعل المطر ينزل لحظتها وفي المكان المراد نزوله, وبتلك التطورات العلمية سحقت تفسيراتهم السطحية لتلك الآية, وبعد تعرضهم للإحراج قاموا بتعديل تلك التفسيرات تماشياً مع الاكتشافات الحديثة عبر القول مثلاً أن الله يعلم ما في الارحام بمعنى هل سيكون سعيداً أو شقيا, لكن ذلك حدث بعد فوات الأوان وبعد أن تسربت الشكوك الى عقول البعض مِن الذين لم يتمكنوا من التفريق بين الزنداني وأصحابه وبين الاسلام .
2 ) قوله تعالى ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ) قام الزنداني بمقارنة تلك الآية باكتشاف علمي عن طبقات البحار والمحيطات وأزعجونا صراخاً أن تلك الحقيقة العلمية موجودة عندنا منذ أكثر من 1400 عام .
3 ) قوله تعالى : (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ) وما رافق تلك الآيات من محاولات تفسير وفتاوى تكفير, حيث اصدر مفتي السعودية وقتها عبدالعزيز بن باز فتوى كفر بموجبها من يقول أن الأرض تدور حول الشمس ومن يقول بكروية الأرض لمنافاة ذلك لصريح القرآن القائل أن الله ثبت الأرض بالجبال وأنه سَطحها, ثم تراجع العلماء بعد أن تأكدوا أن الأرض كروية وبحثوا في القرآن فوجدوا الآية الكريمة ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) – الدحية هي البيضة - وقالوا ان كروية الأرض مثبتة عندنا منذ قرون .
هناك الكثير من الأمثلة عن تلك الطريقة في السطو على اكتشافات الآخرين ونسبتها الينا ظلماً وزوراً, متناسين السؤال البديهي الذي قد يطرحه أبسط الناس علماً وهو اذا كانت تلك الحقائق لديكم وبلغتكم وفي كتاب يكاد لا يخلوا منه بيت فلماذا تنتظرون قروناً الى أن يتم الاعلان عن تلك الاكتشافات ثم تقولون هي مكتوبة عندنا ؟ الا ندين أنفسنا بأنفسنا ؟ الا نثبت أننا أغبياء ؟
بعد أن كسر ذلك المغامر النمساوي قانون فيزيائي " قانون نيوتن " ضل متربعاً لعقود كحقيقة علمية ثابتة لا نقاش فيها, تبادر الى ذهني قفزات بعض علماء المسلمين تلك ومحاولاتهم تفسير بعض آيات القرآن ومقارنتها بحقائق أو نظريات أو اكتشافات علمية والتأكيد على أن ما ورد في تلك الآية هو حرفياً ذلك الاكتشاف العلمي, خطورة تلك القفزات ليس فقط في كونها اعتداء على ملكية الغير الفكرية وسطو على حقوق مكتشفيها, لكن الخطورة الأكبر تكمن في التناقض الذي سيلحق بالقرآن الكريم عند اهتزاز تلك النظريات العلمية أو سقوطها أمام اكتشافات جديدة كما سقط قانون نيوتن أمام قفزة ذلك المغامر النمساوي .
بما أن العلم في تطور مستمر والحقائق والقوانين العلمية تدحضها حقائق وقوانين جديدة والنظريات والاكتشافات الجديدة تمحوا قدسية ما قبلها فيجب علنا أن نجنب القرآن الكريم تلك المعارك وان لا نحده بزمان ومكان وأن لا نجزم عند تفسيرنا أو توضيحنا لبعض آياته المتعلقة بالعلوم, بل نجعل ذلك مقروناً بعبارة والله أعلم .