القائلون إن القرآن يحتوي على إعجاز علمي في الفيزياء والكيمياء والفلك والطب وغيرها من العلوم التجريبية، لم يخبرونا أنهم توصلوا لنظرية أو حقيقة علمية في القرآن قبل أن يتوصل لها علماء الغرب، ولو حتى مرة واحدة، بل عندما يتوصل العلماء لنظرية أو حقيقة علمية، يرجعون إلى القرآن يفتشون فيه عن آية أو آيات قريبة من المعنى أو يتعسفوا في التفسير والتأويل، ويقولون وجدناها. مثلاً.. عندما اكتشف العلماء أن الشمس تدور حول نفسها، قالوا: القرآن قد قال ذلك قبل العلماء بألف وأربعمائة سنة، والدليل أن القرآن قال: "والشمس تجري لمستقر لها".. بينما هناك فرق بين كلمة تدور وكلمة تجري، وهو فرق جوهري.. هذا مثال للتعسف وتحميل النص القرآني ما لا يحتمله.. ومن ناحية ثانية إن ما يقال عن هذا النوع من الإعجاز، يمكن مقابلته بإعجاز بشري مماثل وأقدم منه، حيث تتوافر مقولات ترجع إلى أقدم الوثنيات وأقدم الأديان والفلاسفة والشعراء.. التوراة قالت إن الشمس أكبر من القمر، وإن القمر "منير" لا تنبعث منه أضواء، بل منير بضوء الشمس الذي يسطع عليه.. وهذا المتحنث الجاهلي زيد بن نفيل يصف خلق الله للأرض بأنه "دحاها فلما استوت على الماء أرسى عليها الجبال".. وعلى افتراض أن الدحية هي البيضة، فإن زيداً قد قال: "دحاها".. وقال أيضاً: "أرسى عليها الجبال".. ويكون قد سبق العلوم الحديثة إلى القول إن الجبال بمثابة مراسي للأرض.. وهذا شاعر جاهلي يصف السحاب بقوله "شربن بماء البحر" وهو بذلك سبق العلوم الحديثة التي توصلت إلى حقيقة أن أصل المطر من البحار، وهذا الشاعر المتنبي يصف كريماً بأنه كالبحر يمنح القريب جواهر، والبعيد سحائب. خطأ ذلك المنهج أنه يساوي بين المقدس والبشري، ويجعل القرآن تابعاً للعلوم، بل يظهره كأنه لم يعد معجزاً.. إذ لو كانت معجزة القرآن تكمن في أنه احتوى اكتشافات ونظريات علمية، وكشفها العلم الحديث بعده، فهو لم يعد معجزة، فالمعجزة هي الشيء الذي لا مثيل له ولا يتكرر، ويبقى معجزة إلى النهاية، فلو استطاع واحد أن يحيي الموتى لأطاح بمعجزة عيسى، ولو استطاع واحد تحويل العصا إلى حية تسعى لبطلت معجزة موسى.. معجزة القرآن الحقيقية تكمن في ألفاظه وبيانه اللذين لا سابق لهما في كلام العرب، ولا أحد يقدر على الإتيان بمثل واحد، وليس في فيزياء متخيلة أو كيمياء أو فلك.