الحديدة مدينة فوق مستوى الروعة .. آمنة مثل قلب عصفور صغير . بساطة الناس فيها تتمدد باتساع البحر . وطبائعهم وديعة وفيها من الهدوء والطيبة أكثر مما فيه البحر من ماء وأصداف ورمل . وعلى الرغم من أنها مدينة تجارية بامتياز إلا أن فقر الناس هناك يبدو مدهشاً وغير آبه بالحياة . يشتري الفقراء حاجاتهم اليومية بالتجزئة المريحة لكأن الحياة ستنتهي بعد وجبة واحدة . في البقالة ستصادف رب اسرة يشتري ب 50 ريال سمن ، وب50 ريال سكر ، وب 50 ريال شاي تلك هي حاجتهم في اليوم الواحد وبكره له رب . في الحديدة فقط أشعر بأنني إقطاعي كبير ينبغي أن يتم تقديمه للعدالة ، ذلك لأنه يوجد في مطبخ بيتي والحمد لله تنك سمن بحاله ، ويجب على الحكومة أن تحاسبني وتسألني من "أين لك هذا التنك؟! ومادراكم ماعند الله ، يمكن أكون أنا بداية خير لحملة مساءلة وتطهير ضد الفاسدين والإقطاعيين أصحاب "السمن والصابون وغيره. وحينما أقول أن أي مخلوق على وجه الأرض يكتب له أن يعيش في الحديدة مع الناس أو في أية بقعة من مدن السواحل بإمكانه أن يصير واحداً منهم بسرعة ولكن حذار من شيئين اثنين فقط . الأول أن تكون قائدا عسكريا "بلا أخلاق" . والثاني أن تظن بأن الناس عبيد عند أهلك، وتستغل سكون أرواحهم وتشخط تنخط بسيارتك التي تحمل لوحة فاصل "1" . حذار من هذا ، لأنك قد تهنجم وقد تتنطط كيفما تشاء ، وقد تمارس كل نواقصك وعقدك وسخافاتك اليومية ، ولكنك في النهاية ستعيش في الحديدة جيفة نتنة محوطاً بالذباب واشمئزاز الآخرين . على فكرة السيارة التي تحمل رقم (1) لا تعني شخصاً بعينه أو جهة بعينها .. بل هي سلوك سخيف يمارسه بعض الأغبياء في اعتقادهم أنها لوحة لمركبة فضائية وهات يازنط وشخيط ونخيط فوق عباد الله. قلة سخيفة تظن الهنجمة والوجاهة أفضل من الأخلاق ، وقلة أخرى أسخف من السخافة يظنون أن البدلة "الميري" أسهل وسيلة لابتزاز الآخرين . هذا عيب وخطأ أيضاً لأننا في حياتنا نصادف كثيراً من العسكريين فيهم من النبل والأخلاق ما يجعل المرء يشعر بالحاجة لأن يؤدي التحية العسكرية احتراماً كلما رأى واحداً منهم في الطريق . على أية حال كن فقيراً مش مهم فإنك تستطيع أن تعيش بفقرك في أي مكان على وجه الأرض ولن تموت من الجوع ؛ أما أن تكون بلا أخلاق .. فإنك لا تستطيع أن تعيش حتى داخل بيتك.