يمتلك حزب الإصلاح وجودا مزدوجا؛ إذ لديه التزاما تجاه غاية موجودة أصلا داخل أيديولوجية جماعة "أنصار الشريعة" المصنفة على لائحة الإرهاب العالمي؛ إقامة دولة الخلافة الإسلامية وسبيلها الجهاد, هذه الغاية الأيقونية تعود لعشرينيات القرن الفائت, وهي كذلك غاية إخوانية بحتة, وتتعارض كليا مع أبسط بديهيات كون "الإصلاح حزبا سياسيا. في نقاش حول مكافحة التحول إلى الراديكالية في عام 2011, لفت ماجد نواز, عضو سابق في الجماعة الإسلامية "حزب التحرير" ومدير تنفيذي لمؤسسة "كويليام" البريطانية، الانتباه إلى سُنة من أصح سُنن جماعة الإخوان المسلمين: "لكي نفهم بصورة صحيحة كيفية اعتناق الأفراد للأيديولوجية الإسلاموية الراديكالية من الضروري أن يتم فهم المصطلح نفسه بصورة كاملة. فالإسلاموية هي أيديولوجية سياسية حديثة طورتها "جماعة الإخوان المسلمين" المصرية في العشرينيات من القرن الماضي، وهي منفصلة عن العقيدة الإسلامية. ويتمثل هدفها الرئيسي بفرض دولة إسلامية مرتكزة على تفسير انتقائي للإسلام. وعلاوة على ذلك، يُنظر إلى العنف - أو الجهادية - على أنه الوسيلة الضرورية لخلق مثل هذه الدولة التي تصورها الإسلامويون". صحيح أن "ليس جميع الإسلامويين جهاديون إلا أن كل الجهاديين إسلامويين", بحسب ماجد نواز؛ لكن هل نستشف من ذلك أن جماعة "أنصار الشريعة" تفعل ما يجب أن يفعله حزب الإصلاح سعيا وراء الوهم نفسه؟ هذا النوع من الأوهام التي تضل الطريق لتجد نفسها تبتر وتشوه أجساد المسلمين بدلا من أن تعلو وتسمو بروح الإسلام. ننجح في تلقي جواب على السؤال أعلاه بالإشارة أولا إلى نقطة وردت في تقرير حزيران/ يونيو 2011 من "الاستراتيجية الوطنية الأمريكية لمكافحة الإرهاب": "الالتزام بأيديولوجية «القاعدة» ربما لا يتطلب الولاء ل تنظيم «القاعدة». إن الأفراد الذين يتعاطفون مع تنظيم «القاعدة» أو يدعمونه بقوة ربما كانوا مستلهمين لروح العنف ويمكن أن يشكلوا تهديداً مستمراً حتى لو كانوا على اتصال رسمي قليل أو معدوم مع تنظيم «القاعدة». إن الاتصالات العالمية والتواصل تضع دعوات «القاعدة» إلى العنف وتعليمات «التنظيم» لتنفيذه في متناول الملايين. وعلى وجه التحديد، بما أن قيادة تنظيم «القاعدة» تتعرض إلى مثل هذا الضغط في أفغانستان وباكستان، سعى «التنظيم» على نحو متزايد إلى حث آخرين على القيام بهجمات باستعمال اسمه". ما انتهى للتو ألقى بحفنة أسئلة دفعة واحدة لعل أهمها؛ على من تعود كلمة "آخرين" بالضبط؟ بقدر ما تنطبق "آخرين" على جماعة "أنصار الشريعة في اليمن", الفرع القوي والطموح لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب, بقدر ما تنطبق أيضا على عدد لا بأس به من قيادات حزب الإصلاح التي تشملهم القائمة الأمريكية لداعمي الإرهاب, وعلى رأسهم عبدالمجيد الزنداني الذي اكتسب في مجال الجهاد الأفغاني سمعة "المؤسس", وهو كذلك أحد كبار مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في اليمن, كل هؤلاء يمكن أن يكونوا جزءً من مخططات تنظيم القاعدة في اليمن وباقي دول المنطقة. والآن يمكننا المواصلة, وهناك اقتراح آخر لا بد أن بوسعه التوصل لجواب على سؤالنا الأول. من بين التوصيات الجوهرية لدراسة أمريكية عن التطرف القائم على العنف في الداخل والخارج: "الإدراك الصريح لتأثير الأيديولوجية كدافع رئيسي في تأطير وتحفيز وتبرير التطرف القائم على العنف", ومن بين التوصيات الاستراتيجية لهذه الدراسة التي أعدها الباحث المساعد ج. سكوت كاربنتر, والنائب السابق لمستشار الأمن القومي خوان زاراتي, وستيفن سايمون مدير أقدم لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي: "تعريف وربط وتمكين قادة الرأي المسلمين المحليين من التنافس مع رسالة المتطرفين داخل الولاياتالمتحدة. إن هذه هي الأصوات التي يخشاها تنظيم «القاعدة» أكثر من غيرها". نستنتج من ذلك أن لشيوخ حزب الإصلاح, وشيوخ دين آخرين, سلطة ونفوذ في أوساط مقاتلي جماعة "أنصار الشريعة, وكلامهم مسموع ومُجاب عندهم, كما لا يجب أن نستبعد كذلك احتمال أن يكون هؤلاء الشيوخ أنفسهم متورطين بطريقة أو بأخرى في كافة أنشطة وعمليات تنظيم القاعدة في اليمن. نصائح أمريكية قيمة فعلا! وكان أثرها سارا بما يكفي ليُعمل بها بالمقلوب في دول الربيع العربي, وليس أدل على ذلك أكثر من مشورة راشد الغنوشي الاستراتيجية إلى السلفيين الجهاديين, ففي إحدى أجزاء فيديو مسرب في تشرين الأول/أكتوبر 2012, حذر زعيم حزب "النهضة" الحاكم في تونس من "وقوع الجيش في أيديهم- أي أحزاب المعارضة- ولا يمكننا أن نضمن الشرطة والجيش", إذن بدا على انتهازية حزب الإخوان أنها تستطيع تكسير العظام بجماعة "أنصار الشريعة" لو أرادت, وهي انتهازية شائعة ومألوفة وفي صلب عقيدة "الغاية تبرر الوسيلة". "تحريم الإسلام استخدام الأساليب غير الأخلاقية لاختراق الأعداء والاطلاع على أسرارهم عبر المحرمات كالجنس والخمر لاستدراج القائمين على تلك الأسرار". أغلب الظن أنكم ستردون عليه ليس بأقل من "كذاب بنسبة مئة بالمائة", لكن ربما كان محقا وبنسبة مئة بالمائة أيضا في حال أن أخلاقية القرضاوي تلك لا تشمل إلا جيوش الأعداء, أما الجيش التونسي والجيوش العربية ككل فلا! جهاد القرضاوي فعلا مدهش ومضحك ومروع! في 21 أيلول/سبتمبر 2012, تسأل هارون ي. زيلين في "فورين پوليسي": من صنعاء إلى بنغازي، ومن القاهرة إلى الدار البيضاء، تبنّت الجماعات الجهادية الجديدة نفس الاسم في الأشهر الأخيرة. هل كل ذلك مجرد صدفة؟ وفي أواخر آب/أغسطس 2013 وأوائل أيلول/سبتمبر 2013, أتيحت ل هارون ي. زيلين الفرصة للقاء عضو كان حاضرا عند التأسيس الفعلي لجماعة "أنصار الشريعة في تونس", وقد كان ذلك في سجن تونسي في عام 2006: (تفيد التقارير أنهم يتراسلون - "أنصار الشريعة" وحزب النهضة- وعلى تواصل وثيق، رغم أنه ربما تم ادخار العلاقات الجيدة لأغراض أكثر تشاؤماً... وقال الشخص الذي تحدثت معه أنه في عام 2011 حضر شخصياً اجتماعين في منزل الغنوشي بالمنزه، إلى الشمال مباشرة من تونس. وفي هذين الاجتماعين، زُعم أن الغنوشي أكد لأبي عياض ضرورة تشجيع الشباب من "أنصار الشريعة في تونس" على الانضمام إلى الجيش الوطني من أجل اختراقه، وإعداد مجموعة أخرى من الشباب لكي تفعل الشيء نفسه مع "الحرس الوطني"... وعلاوة على ذلك، قال المصدر إن أعضاءً محددين من جماعة "أنصار الشريعة في تونس" و "أنصار الشريعة في ليبيا" و "أنصار الشريعة في مصر" سافروا معاً إلى غزة وشمال سيناء في عام 2012- إبان فترة حكم الرئيس المعزول مرسي- ولم يقل إنهم ذهبوا للتدريب العسكري وإنما للقاء السلفيين الفلسطينيين الذين أخطروهم بشأن قضايا مرتبطة بالحكم والتنظيم والإدارة - بيد، لا ينبغي بالضرورة استبعاد ذهابهم للتدريب العسكري نظراً للتقارير التي أفادت بأن التونسيين في ليبيا قد تدربوا مع "أنصار الشريعة في ليبيا"). ما حصل في تونس أقل بكثير مما حصل في اليمن, ولو تتبعنا مواقف قادة وناشطي حزب الإصلاح من حملة الجيش اليمني الأخيرة على معاقل تنظيم القاعدة في حضرموت, سنجدها, مثلما في كل مرة, مزيج من التحفظ والتشكيك والرفض الصريح, وبالتالي المزيد من التمويه لتغطية جرائم "أنصار الشريعة", أما ابن عبدالمجيد الزنداني فقد ذهب في 19 مايو 2012 للسبب الصحيح حيث يجب أن يكون أبوه, ودعا بلا مواربة إلى الجهاد مع "أنصار الشريعة" والقتال ضد الجيش اليمني, الذي كان وقتذاك على مشارف استعادة المناطق التي سيطرت عليها الجماعة في محافظاتجنوب وشرق البلاد منذ منتصف 2011, كانت هذه هي لحظة القتل الأولى وما تلاها من فظاعات مجرد تبعات. التمعن في رؤية ما كان قد تم بالفعل, سواءً في تونس أو اليمن, سوف يشرح ويصف كيف خدع حزب الإخوان المسلمين أحزاب اللقاء المشترك ليكسب بالاحتيال, ونستطيع من الآن فصاعدا أن نتنبأ أية مصائب لنا ستنتج عن تهديد محمد اليدومي ب"الدواعش القادمة", وستترتب بلا شك نتائج مصيرية على كيفية تعاطي الرئيس هادي مع هذا التحدي. الجهاد في سبيل التمكين من أصح سُنن جماعة الإخوان المسلمين؛ سُنة لا تتبدل.