قطارٌ متهوِّرٌ يجري كمجنونٍ فرَّ لتوِّه من المصحَّة.. دراجاتٌ ناريةٌ وسياراتٌ مُتعَبَة أسمعُ صريرَ مفاصلها.. ألعابٌ ناريةٌ عشوائية.. فريقا كرةِ قدمٍ يلعبون بخصومةٍ شديدة.. أطفالٌ يتعاركون.. كرةُ ثلج تتدحرج.. جرسٌ كبيرٌ لا تحتمله كنيسة.. أشياء كثيرة أشعر بها الآن بداخل رأسي.. كأن المساء ليس سوى ورقة مقصوصة من كتاب قديم.. والصباح سخيفٌ جداً كزغرودة في عزاء.. أحتاج إلى التخلُّص من كلِّ الملفات المؤقتة والبرامج الضارة التي في رأسي.. عقلي يقوم بعمليات عشوائية، فيملأ جمجمتي بالتفاهات والخيالات التي لا أقدر أن أصارح بها أحداً كي لا أسقط من نظره.. سأصمت كي أحافظ على ما تبقى من أصدقائي.. سينظرون إليَّ بعيون مثقوبة وكأنهم ملائكة، ولم تراودهم هذه التفاهات والخيالات.. هم جبناء، وأنا متهوِّر، لأنني أفكر بصوتٍ مسموعٍ وأقولها جهراً نيابة عنهم. تحدث الآن أشياء كثيرة، لا أقدر أن أفصح عنها.. يحدث أن أرى العطر وهو يصرخ بداخل القنينة.. أن أرى زهور الستائر ذابلة.. أن أرى القنديل يتعرَّق ضوءاً.. يحدث أن أجري الآن مكالمة هاتفية مع سلفادور دالي.. تحدث أشياء كثيرة لا طاقة لي باستيعابها. أريد أن أستعيد جزء عمَّ وربع ياسين.. أن أستعيد طفلاً أضعتُه في صنعاء، حين رأى (الرُّوتي) وأثمَلَته رائحة الخميرة لأوَّل مرة.. حين رأى قنينة الماء وعلى صدرها تاريخ انتهاء الصلاحية، فتساءل: هل ينتهي الماء!! تساؤلاتٌ كثيرة كان يقمعني فقيه القرية حين أضعها في طريقه، وكأنها ستحول بينه وبين الله: كيف يمتلئ ماءُ الجامع بالقشعريرةِ حين يمشي عليه الشتاءُ كأقطابِ الصُّوفية!! كيف يتسلَّلُ إلى رئاتنا ليخبِّئ فيها صُرَّةً من السُّعال !! لماذا لا يصلِّي البرد كي يتهذَّب قليلاً !! تساؤلاتٌ طفولية، كان يخاف الفقيه إجاباتها، وكأنها نوعٌ من الإلحاد البريء!!