كلُّ شيءٍ يتحرَّك في هذه الليلة كميِّتٍ يريد إقناعكَ بأنه يتنفَّس.. أنصتُ للجدرانِ وهي تحاول فضَّ نزاعٍ بين أحجارها العتيقة.. وأرى الزجاج يتلوَّن بعد أن تعب من الشفافية التي يسمعها في خطابات الساسة.. يرعشني الخوفُ فأغطِّي وجهي كي لا أرى الجنِّيةَ الشمطاءَ التي تأخذ الأطفال الذين لا يستمعون لكلام أمهاتهم، وأنسى أنني في السادسة والثلاثين.. أتذكر عذاب القبر.. فيمرُّ أمامي "غرانديزر" برزَّته المزدوجة وصحنه الدوَّار، ويسألني "الدوق فليد" أسئلة لا تمتُّ إلى أبجديتي بصلة.. كأن نهاية العالم ستتحقق من تحت هذا الغطاء الخائف الذي أتدثَّر به لأشعر ببعض الأمان. أحتاج إلى التخلُّص من كلِّ الملفات المؤقتة والبرامج الضارة التي في رأسي.. عقلي يقوم بعمليات عشوائية فيملأ جمجمتي بالتفاهات والخيالات التي لا أقدر أن أصارح بها أحداً كي لا أسقط من نظره.. سأصمت كي أحافظ على ما تبقى من أصدقائي.. سينظرون إليَّ بعيون مثقوبة وكأنهم ملائكة، ولم تراودهم هذه التفاهات والخيالات.. هم جبناء، وأنا متهوِّر، لأنني أفكر بصوتٍ مسموعٍ وأقولها جهراً نيابة عنهم. أريد أن أستعيد وجهي فقد تعبتُ من الأقنعة.. لم أعد أعرف من أنا.. أضعتُ وجهي بين كومٍ هائلٍ من اللَّوحات.. كل يومٍ أجرِّب وجهاً جديداً فأكتشف أن هذا ليس لي. أكره الاكتشافات هذه.. كما أكره كلمة (لا مندوحة) التي يتعمَّد أحدهم قولها ليسبب لي الغثيان. أريد أن أستعيد جزء عمَّ وربع ياسين.. أن أستعيد طفلاً أضعتُه في صنعاء، حين رأى (الرُّوتي) وأثملته رائحة الخميرة لأول مرة.. حين رأى قنينة الماء وعلى صدرها تاريخ انتهاء الصلاحية.. فتساءل: هل ينتهي الماء!!