كلُّ شيءٍ يتحرَّك في هذهالليلة، كميِّتٍ يريد إقناعكَ بأنه يتنفَّس.. أنصتُللجدرانِ وهي تحاول فضَّ نزاعٍ بين أحجارها العتيقة..وأرى الزجاج يتلوَّن بعد أن تعب من الشفافية التي يسمعها في خطابات الساسة.. يرعشني الخوفُ فأغطِّي وجهيكي لا أرى الجنِّيةَ الشمطاءَ التي تأخذ الأطفال الذينلا يستمعون لكلام أمهاتهم،وأنسى أنني في السابعة والثلاثين.. أتذكر عذاب القبر فيمرُّ أمامي"غرانديزر" برزَّته المزدوجة وصحنه الدوَّار، ويسألني"الدوق فليد" أسئلة لا تمتُّ إلى أبجديتي بصلة.. كأننهاية العالم ستتحقق من تحت هذا الغطاء الخائف الذي أتدثَّر به لأشعر ببعضالأمان.. أستيقظُ على صوتِخطيبِ الجمعة.. لم يعد يتحدَّث عن السياسة منذ احترق منزلُه بسبب ماسٍ كهربائي..صار يتحدَّث عن نعمة الشوارع المسفلتة ويشيد بالمناهج المدرسية.. ولا ينسى تذكيرَالناس بفوائد السَّفر الخمس، كأنه يروِّج لباصات النقل البرِّي.. في طفولتي، كنت أخاف من الذهاب الى صلاة الجمعة، بسببالرعب الذي كان يبثُّه خطيب المسجد، وهو يتحدث عن الأسياخ النارية ومنكر ونكير،ويتحدث أيضاً عن المطرقة الأسطورية التي تضرب الكذاب على رأسه في القبر، فينزل فيالأرض سبعين متراً، ويصرخ صرخة لا تسمعها سوى الحيوانات، أو الدَّواب حسب تعبيره..ولأنني كنت كذاباً كان يرعبني هذا السيناريو المخيف، إلى حد أنني أضع يدي على رأسيحين أنام خوفاً من تلك المطرقة. ما زالت تلك المطرقة تلاحقني في أحلامي، وما زلت أنصتكلما ممرت من جانب مقبرة، علِّي أن أسمع صراخاً، أو أرى ضوءاً بجانب أحد القبورلأتأكد أنه أحد الصالحين الذين يستأنس بهم نزلاء المقابر.