إذا حدث، لا قدّر الله، وأعتقه سيده، فسيجد نفسه وعائلته على رصيف الضياع، كان العتق، بالنسبة لكثير من العبيد، بمثابة كارثة مرادفة للجوع والخوف والتشرد.! كان "السادة" يعيشون متطفلين على جهود "الرقيق"، وكان هؤلاء يظنون أن السادة هم من يوفّر لهم الزاد والمأوى والرعاية والحماية..! ثورة "سبارتاكوس" ( ت: 71 ق . م ) في روما، و"ثورة الزنوج" (255 270ه) في العراق، على روعتهما، حالات شاذة في تاريخ الرّق، الذي تغلب عليه العبودية المختارة، والإذعان بشكل ذاتي. العبودية قناعة ذاتية أكثر من كونها التزاما بصكوك ملكية، أو خضوعا لنظام حاكم، إنها الخوف من تحمّل المسئولية الفردية، وتبعات القرارات الشخصية.. كان العبيد يخافون من العتق، كما نخاف الآن من الحرية، الحرية التي تعني أو هكذا نفهمها: الفوضى والانحلال والضياع وربما الكفر والإلحاد وغضب الله..! أن تفكّر بطريقة مختلفة، أن تعيد النظر في الأفكار والمعتقدات والقضايا والتصورات .. التي أصبحت من حيث لا تدري جزءاً منك ومن شخصيتك.. هذه مجازفة خطرة لا أنصحك بها.. ففي أحسن الأحوال، إن لم تتعذب بالآخرين، ستتعذب بذاتك، بعد اكتشاف أن جزءاً كبيراً من المشكلة يكمن فيك .. وأن كثيرا من الحلول التي تتبناها وتتحمس لها، هي المشاكل بعينها.! لكنها هي الطريقة الوحيدة لتكون إنساناً حراً، الحرية كالعبودية فكرة، والتفكير الحر هو الملمح الأبرز الذي يميّز الإنسان عن الحيوانات المجترّة. التفكير عمل انقلابي.. يتضمن نسفاً وإعادة بناء وترتيب لقيم عقلية ووجدانية، ترسخت في الذهن الفردي كأصنام ومقدسات وخطوط حمراء وتابوهات والتزامات وقيود.. يذكّر هذا بعنوان "الكتابة عمل انقلابي" لنزار قباني، وفيه: " إنهم يريدون أن يفتحوا العالم .. وهم عاجزون عن فتح كتاب! ويريدون أن يخوضوا البحر .. وهم يتزحلقون بقطرة ماء! ويبشرون بثورة ثقافية تحرق الأخضر واليابس .. وثقافتهم لا تتجاوز باب المقهى الذي يجلسون فيه"!! لا بأس، كان يتحدث في مستوى آخر، بينما أتحدث هنا في أبجديات الأنسنة، وألف باء الحرية، حيث التفكير الحر هو المقدمة الشرطية للحرية، بكل أبعادها وتجلياتها.