الإثارة مستمرة. إنها العبارة الأكثر صدقا لوصف تطورات الأحداث في اليمن؛ فبينما كان يتم تعبيد الطريق للوصول إلى مرحلة انتقالية تنهي الفراغ الدستوري، اختلطت الأوراق من جديد ب"مغادرة" أو "هروب" هادي إلى عدن. كانت الإثارة مضمونة ب"التوقع" وحده، باستمرار الترقب لما سيخرج به المو?نبيكيون من حوارهم الماراثوني الذي حفل بالمنعطفات الوهمية، ودراما الانسحاب، وتناقض التصريحات المحبطة مع البشارات التي ظلت بحاجة لتأكيد. كلما أعلن أحدهم أن الطريق مسدود، فاجأنا آخر بالتوصل إلى "حل شبه نهائي"، وصدمنا ثالث بالكشف عن انفجار الخلاف من جديد. في عالم السياسة فقط، يمكن أن يهتم الجمهور بمسرحية تجري في الكواليس، وبفيلم يعرض في شاشة مظلمة وصامتة، مكتفيا بظهور أحد الممثلين ليصف بإيجاز ما يجري، مفسحا لنا المجال كي نقوم بتركيب وترتيب الأحداث في المخيلة، أي أنه يمنحنا فرصة القيام بعملية مونتاج حرة، ومختلفة من شخص لآخر. وبرغم أن كواليس الفندق المشؤوم هي مركز الإثارة؛ إلا أن عدة شاشات مضاءة تعرض مشاهد موازية ومكملة تزيد الواقع إثارة، بغض النظر عما إذا كانت تؤثر مسار الحوار أو تتأثره: طبول الحرب في مأرب، حملة ذي ناعم والزاهر ضد القاعدة، المظاهرات والمسيرات، وأخبار القمع والاعتقال وصور التعذيب، وسيل التصريحات والبيانات القادم من عواصم الوطن العربي والعالم. وفي المحافظات الجنوبية، يأتي كل يوم بتطور دراماتيكي جديد، يدخل ضمن الانفصال بالتدريج. وبعد أسابيع من إعلان استقالته، يعود الرئيس هادي إلى الواجهة بأخبار تدهور صحته، وحاجته لتدخل طبي عاجل، خارج البلاد، ثم بخبر احتضاره؛ ليجد الحوثيون أنفسهم مضطرين للسماح بتدفق الزوار إلى منزله. ومع أحدهم، يخرج متنكرا، ويسافر في الليل بسيارة لا تشي بمن يستقلها، مع مرافقة من عدة سيارات تؤلف موكبا غير متجانس ويصعب اكتشافه. وبينما "بنعمر" يعلن منتشيا حدوث اختراق في الحوار، وبينما المتحاورون يستعدون لجولة جديدة، بعد الاتفاق على السلطة التشريعية الانتقالية، تصل الإثارة إلى ذروتها بالإعلان عن وصول هادي إلى عدن. كان من الممكن أن يصبح الخبر عاديا، لو أن الحوثيين سمحوا لمجلس النواب بالبت في استقالة هادي، ولم يتركوا له باب العودة عنها مفتوحا! المنطق يقول إنه ينبغي البت في الشرعية السابقة قبل البحث عن شرعية جديدة، ولكن متى كان المنطق مسموعا بالنسبة للهواة في سينما الواقعيين الجدد؟! وسوف تستمر الإثارة بما سيفعله هادي في عدن، إن كانت أنباء أزمته الصحية جزءا من خطة الهروب!!