مثلما كان اعتقال (سام الأحمر) صدمة لدى البعض، فإن الإفراج عنه سبّب صدمة لآخرين ممن صدقوا الاعترافات الواردة في محضر جمع الاستدلالات الذي نشرت "اليمن اليوم" مقتطفات مسربة منه. لزمت جماعة الحوثي الصمت بعد الإفراج عن الأحمر، ولم يصدر تبرير رسمي لما حدث، واكتفى قياديون في الجماعة واللجنة الثورية بإبداء تحفظاتهم على استحياء، وأحيانا بعبارات مرتعشة! تشابه الأسماء جعل كثيرا من النخبة المثقفة والإعلاميين والناشطين في مجال حقوق الإنسان يتساءلون عن (سام2- سام الغباري) الذي زج به في غياهب السجن المركزي بذمار في قضية قال من أثق بصدقه إنها ملفقة. ويبرر البعض الصمم الذي أصاب الحوثيين ومنعهم من سماع أنين المعتقلين وشكاوى المظلومين، بأن قانون الثورة يلغي كل القوانين السابقة، والتاريخ الإنساني يؤيد هذه الحجة، فالثورة الفرنسية أفضت إلى عهد المقاصل والعنف، والثورة الروسية أسفرت عن الحكم الاستاليني الكابوسي، لكن هل يجب على "عبدالملك الحوثي" أن يتخذ (روبسبير) أو (ستالين) قدوة له؟! وهل يجوز أن تصبح الثورة "بلدوزر" لا تتقدم إلا على عظام من يقفون في طريقها، من دون تمييز بين من يقاوم التغيير بالسلاح والإرهاب، ومن ينتقد بالكلمة؟! خلال شهور قليلة، وعلى غير ما توقع المتفائلون، باتت بوابات السجون مفتوحة لاستضافة المعارضين من كل صنف، الخارجين في مظاهرات والداعين للمسيرات، والكتاب الذين يسخرون، ويسخّرون أقلامهم لنقد خطاب الحوثي وممارسات جماعته، إضافة إلى المجرمين الذين اخترعت السجون لهم، والكثير من المشتبه بهم الذين لم يحصلوا على محاكمات عادلة تدينهم أو تبرئهم، وصديقي (محمد عبدالله حبيش)- نائب مدير المؤسسة الاقتصادية في مديرية مناخة- أحد هؤلاء. محمد حبيش متهم -ومعه عدد من أبناء عمومته وأصدقائه- باختطاف التاجر (يحيى الصلول). طالعت ملف القضية المؤلف من مئات الصفحات، واقتنعت ببراءتهم جميعا، وبأن الخاطفين أصحاب سوابق معروفون لأجهزة الأمن، وسبق لهم التواصل مع مدير أمن مناخة ومع أبناء الصلول وطلبوا فدية مقابل الإفراج عن والدهم الذي يمر بظروف صحية حرجة. وإذا كانت آذان الثورة صماء، فلعل عيونها قادرة على فهم هذه الإيماءة أو تهجي هذه السطور، والتحقيق في ملف اختطاف الصلول، وكيف زج بعدد من الشبان –ذهبوا بأقدامهم للإدلاء بأقوالهم- في سجن البحث الجنائي ثم في السجن المركزي بصنعاء، وتم حبس آخرين –بينهم محمد حبيش- في صعدة التي لجأوا إليها هربا من الظلم والتزييف. منذ أكثر من 6 أشهر وصديقي موقوف في صعدة، ممنوع من استخدام الهاتف للاطمئنان على أهله المفجوعين بعدالة المسيرة القرآنية أكثر من عمليات البيع والشراء التي تتم داخل دهاليز أجهزة الأمن!! ماذا لو انتكست صحة الصلول، التاجر المعروف بنزاهته ونبله، وتوفي -لا قدر الله- بينما المتهمون الأبرياء موزعون بين سجون صنعاء وصعدة، والمجرمون طلقاء ولا يبذل أحد أي مجهود لملاحقتهم، بدلا عن ملاحقة الكتاب والناشطين؟! أعترف أني لا أمتلك الحق في تبرئة صديقي محمد حبيش ورفقائه، ولا زميلي سام الغباري، لكني أمتلك حق مطالبة "أنصار الله" بالنظر في مظالم "عباد الله"، والبت في القضايا العالقة، والمآسي المنسية، وقطع شكوكنا باليقين، في ساحة القضاء، وبقوانين السماء. وليعلموا أن رصيدهم يتناقص بصورة مستمرة، والثقة بهم تتضاءل يوما بعد آخر، سواء في (ذمار) حيث يخرج الناس مطالبين بالإفراج عن سام2، أو في (حراز)، حيث كان الناس يسمعون عن الاختطاف ويشاهدون ضروبا من جرائمه في الأفلام والمسلسلات، لكنهم لم يمارسوه ولم يذوقوا مراراته إلا في هذا "العهد الميمون"!! الحرية ل"سام الغباري" ول"يحيى الصلول" و"محمد حبيش" وأبناء عمه وأصدقائه. الحرية للثورة وللشعب، الحرية للحقائق المغيبة، وللحرية ذاتها، في هذا الوطن الذي يتم فيه تزيين القيود وبهرجة الظلام!!