يذكِّرنا بعض أدعياء الوطنية- ممن يوزعون صكوك الوطنية والغفران وتهم العمالة والخيانة على من يريدون ويمنعوها عمِّن يريدون- بما كان يمنحه كهنة الكنيسة لأنفسهم من ادعاء بالإنابة عن الله، ومن لعب دور الوكلاء في أرضه، في أكثر وأشد عهود الكنيسة انحطاطاً التي شهدتها عصور الظلام في أوروبا.. قُتل وأُحرق ونُكِّل بمئات الآلاف من العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي الحر بسبب ذلك الادعاء الأخرق الذي انطلى على تلك الشعوب ردحاً من زمن.. يلوكون تهم العمالة والتخوين بألسنتهم وأقلامهم كالعلكة، لمجرد أنك تختلف معهم في احتمال أو رأي، أو أنك ترى ما لا يرون! إن التخوين على هذا النحو إرهاب لا ينبغي الإذعان له.. التخوين في أفضل أحواله ابتزاز دنيء وسخيف ومقزز، يجب أن نقاومه ونناهضه ونحول دون شيوعه وتسيُّده ممارسة وفكراً.. نحن لم نتهم الاشتراكي يوماً بأنه خائن وعميل للاتحاد السوفيتي سابقاً.. نحن لم نتهم الناصري يوماً بأنه خائن وعميل أيام الرئيسين عبدالناصر والقذافي.. نحن لم نتهم البعث يوماً في اليمن بشقَّيه السوري والعراقي بأنهم عملاء أو خونة، رغم علاقتهم الوطيدة بحزبي البعث السوري والعراقي، علاقة الفرع بالأصل.. نحن لم نتهم حزب الإصلاح في اليمن بالخيانة والعمالة لتركيا أو لمصر أيام مرسي، أو للسعودية من زمان، والآن. رغم الأدلة الكثيرة التي تبدأ من كشوفات اللجنة الخاصة وتنتهي بالتدخل المباشر في اليمن بصورة أو بأخرى على حساب مصالحنا وأولوياتنا وأمننا القومي.. نحن لم نتهم أحداً بالخيانة والعمالة، حتى وإن اتهمَنَا الجميع.. نحن نرفض التبعية لأحد، ونرى تقديم مصلحتنا الوطنية على غيرها من مصالح الدول الأخرى أياً كانت.. نحن نرى الأولوية في المصالح للوطن، ويحكمنا الضمير قبل القانون وقبل الدستور وقبل القسم.. هذه رسالة فقط لمن لا يعرفنا.. ولمن لا يريد أن يعرف.